الأسيروفوبيا: ابتسم أنت في التيّار الوطني الحر

في مطلع ثمانينيات الحرب الأهلية، كانت إذاعة صوت لبنان الكتائبية تواظب على بثّ خطب الشيخ عبد الحفيظ قاسم لتبثّ الرعب في نفوس مستمعيها والذعر من المسلمين. اليوم يحاول العونيون أن يجعلوا من الشيخ أحمد الأسير بلحيته و«الأمة» و«جيش محمد» عبد الحفيظ القرن الواحد والعشرين

خلال ست سنوات، بذل العونيّون جهداً (مضحكاً أكثر مما هو مضنٍ) في شرح الفارق بين عيش المسيحي في السعودية وإيران، والفارق بين هيكلية الجماعة ومفهوم الدولة عند السنّة والشيعة، وعرضت وسائل الإعلام العونية عشرات التحقيقات عن مواقف النائب محمد كبارة المتطرفة و«سعد الدين الحريري» ومنع بيع الكحول في صيدا وحزب التحرير وغيرها، في محاولة عونية للدفاع عن النفس في وجه خصومهم الذين آثروا اتهامهم بعد 6 شباط بالتحالف مع «الرجعية» و«ثقافة الشادور».

لكن حتى ظهيرة أول من أمس، بقيت موازين القوى تميل لمصلحة خصومهم. فقط الأحد الماضي، توّج أحمد الأسير بلحيته وأمته و«جيش محمد» الذي أمامه تغييراً بدأ يطرأ على موازين القوى هذه منذ أشهر. فمنذ أشهر لم يعد وصول الإسلاميين إلى السلطة وهماً عونيّاً: تونس أثبتت ذلك، مصر كرّسته وليبيا أكدت وجود غطاء دولي له. منذ أشهر لم تعد الديمقراطية العددية ـــ لا التوافقية ـــ «مطلباً شيعياً» كما يصوّر إعلام 14 آذار منذ سنوات، بل «مطلباً سنيّاً» يعبّر عنه استغراب نواب المستقبل في أكثر من مناسبة أن تحكم «أقلية علوية الأكثرية السنيّة» في سوريا. يسمعون رأي المستقبل بشأن سوريا ويفكرون في لبنان، يرون نواب مصر ويفكرون في مجلس نيابي يضم 25 خالد ضاهر و2 أحمد الأسير. منذ أشهر لم تعد البطريركية ترى في «الشيعة» خطراً على هوية لبنان، إذ باتت خشيتها الأكبر تتركز على «حكم الإخوان المسلمين الذين سيدفّعون المسيحيين في حال وصولهم إلى الحكم في سوريا الثمن»، فيما رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية يقدّم نفسه بوصفه الحليف المسيحي للإخوان المسلمين في ربيع العرب الذي تصفه بكركي بالشتاء. منذ أشهر لم تعد قوى 14 آذار تتداعى لاجتماع طارئ للرد على منتقدي تدخل الدين، ممثلاً بالبطريركية المارونية، بالدولة. بات فارس سعيد وداعي الإسلام الشهال يتعاقبان شخصياً على الرد على البطريرك بشارة الراعي، فيتوافقان على عدم وجود أنظمة ديكتاتورية في العالم العربي غير النظام السوري، فيما يحذر الشهال الراعي من جعل نفسه «صفحة سوداء في تاريخٍ يلعنه الله وملائكته والصالحون». منذ أشهر لم يعد الصوت السنّي في لبنان هو صوت نجيب ميقاتي المعتدل ومحمد الصفدي وسعد الحريري. علت أصوات خالد ضاهر ومعين المرعبي وأحمد الأسير فوق جميع الأصوات. وما كان يروى للمسيحيين عن الأسير في جامع عبرا التي «كانت مسيحية»، بات يروى أكثر منه عن شيخ آخر في بلدة مدوخا في البقاع الغربي يستقطب المصلين كل يوم جمعة من آخر أصقاع البقاع، وشيخ ثالث ورابع وخامس في طرابلس وسادس في حلبا وسابع في وادي خالد.
سبق للتيار الوطني الحر أن حاول معالجة مرض «الإسلاموفوبيا» المعشّش في رؤوس مسيحية كثيرة، لكن سرعان ما استسلم، مفضّلاً الدخول كغالبية القوى المسيحية الأخرى في بازار اللعب على وتره لاستقطاب الناخبين. أمس وأول من أمس كانا يومين للتيار الوطني الحر في هذه اللعبة. فمقابل «اختفاء حس» الناشطين في القوات على فايسبوك واكتفاء غالبيتهم بعبارات مثل «إيه شو حزب الله أحسن»، أخذ العونيون مجدهم: صور الأسير وجمهوره انتشرت على نحو استثنائي بين الناشطين، عبارات مفعمة بالعنصرية والكراهية عنونت صور المتظاهرات وبعض المتظاهرين. «رأى أهالي الجبل بعضاً ممّا يتهامس بشأنه مسيحيّو زغرتا وعكار وبشري حين يمرون صدفة اليوم بأسواق طرابلس التي كانت مقصدهم لشراء كل ما يحتاجون إليه قبل بضع سنوات»، كتب أحدهم. طاول الاستهزاء العنصري المصلين أثناء أدائهم فروض الصلاة وطقوسها، وارتداء الرجال للجلابيب. تناسى العونيون فجأة أن حلفاءهم هم ملتحون وبعض نسائهم يرتدين الشادور، وأنهم أمضوا السنوات الخمس الماضية في الدفاع عن اللحى في وجه ذقن الحريري الحليق. بدوا كمن يستعيد زمام مبادرة «هتّ الآخرين بالتحالف مع المحمودات» التي فقدوها في 6 شباط 2006. لم تتسع الأرض لفرحتهم بالأسير. بدا الأخير قادراً على أن يعيد إليهم شعبياً كل ما خسّرهم إياه أداؤهم. بعيداً عن فايسبوك كان يمكن سماع عشرات التعليقات من نوع: «الله يعينّا»، و«الله بيعلم شو ناطرنا». هذا في أحد مجمعات الأشرفية التجارية. بين الأشرفية والزلقا، كانت ميمي تسأل صديقتها إن كانت الثورة ستحتّم عليها أن ترتدي في بيروت الثياب المحافظة التي ترتديها في طرابلس. تضحك صديقتها ناصحة إياها بأن تكثّف «ضهراتها» اليوم، لأن النوادي الليلية حرام. ينسيان أنهما «برو قوات» (مؤيّدتان للقوات). في الزلقا، كانت الصبحية مختلفة أمس: الكتائبية التي اعتادت أن تحتكر الكلام لـ«تهد وتئد» على ذوقها السياسي، جلست تستمع هذه المرة إلى جاراتها الأرمنيات حتى كادت تنفجر في النهاية قائلة «إيه صح كل واحد بيرجع لأصلو».

تجاوز الأسير بخطوة واحدة يوم الأحد الماضي كل خطوات حزب التحرير، مختزلاً بحركة كل حركات خالد ضاهر، ومختصراً بفتحة فيه كل بيانات الجوزو و«فتاويه». «البُعبع الإسلامي» ليس وهماً إذاً: ها هو في وسط العاصمة، اسمه أحمد الأسير. أولئك الذين وقفوا على طول الأتوتوستراد الساحلي يراقبون باصات الرايات السوداء مشدوهين كأن ركابها من كوكب آخر، شغّلوا الراديو في سياراتهم فسمعوا البطريرك الماروني بشارة الراعي يقول لـ«رويترز»: «ما نفع الديموقراطية إذا كانت تريد أن تقتل الناس وتضع عدم استقرار». هكذا وجدت تطمينات الأسير للمسيحيين (التي سبقه كثيرون إليها) نفسها وجهاً لوجه أمام «لاتطمينات» الراعي. وبين الأسير والراعي، لن يأخذ المسيحي عموماً وقته في التفكير للاختيار.
«الإسلاموفوبيا» مرض قديم، لم تفوّت القوات اللبنانية في السابق مناسبة لتقويض علاجاته إلا استغلتها، قبل أن تبدأ أخيراً حملة تلقيح ضده، محاولة الإيحاء لمناصريها بأن لحية الإسلاميين لا تختلف عن لحى مقاتلي القوات الأشاوس في حربهم ليكون لبنان «منارة حرية»، وأن «الإصبع السنيّ» الملوّح في وسط بيروت ضروري للوقوف في وجع «الأصابع الشيعية» في أماكن أخرى.
الأكيد، في نظر التيار الوطني الحر والبطريركية المارونية، أن ما بعد الأسير ليس كما قبله على صعيد التفاعل الشعبي مع ما يحصل في سوريا.

«الجماعة» والاشتراكي و14 آذار

بعدما قاطعت أول من أمس اعتصام ساحة الشهداء الذي دعا إليه الشيخ أحمد الأسير «نصرةً لحمص والأقصى»، نظّمت «الجماعة الإسلامية» لقاءً تضامنياً مع المعارضة السورية في بلدة برجا، شارك فيه ممثلون عن تيار «المستقبل» والحزب التقدمي الاشتراكي و«القوات اللبنانية» و«اليسار الديمقراطي».
وألقى وزير شؤون المهجرين علاء الدين ترو كلمة قال فيها «نحن اليوم نتضامن مع الشعب السوري، لكننا لا نستطيع أن نقدم إليه أكثر ممّا نقدمه في المحافل المحلية والعربية والدولية»، مؤكداً أنه «لا يحق لأي فريق، كائناً من كان، أن يتصرف بمصير البلد وأن يأخذ لبنان إلى الفتنة، لا إكراماً للنظام ولا إكراماً للشعب».
من جهته، رأى النائب محمد الحجار، بحضور الوزير ترو، «أن حكومة لبنان صارت من الماضي، تنتمي إلى زمن عربي ماضٍ»، لكنه أكد «أننا لسنا مستعجلين على سقوط الحكومة لأننا نريد بلورة ما يجب اعتماده من أجل تحصين لبنان ومنع الفتنة والانتقال بالبلد إلى المرحلة المقبلة». بدوره، دعا النائب عماد الحوت جامعة الدول العربية والمجتمع الدولي إلى مجموعة من الإجراءات، منها تقديم الدعم اللوجستي لـ«الجيش السوري الحر»، ومقاطعة كل من يدعم النظام في سوريا، وعلى رأسهم روسيا والصين.
إلى ذلك، لفت الشيخ الأسير في حديث إلى محطة «lbc» إلى أنّه «لا خطوة محضّرة في المرحلة المقبلة، وكل ما هو متاح سلمياً لنصرة المظلومين لن نتأخر عنه».
من جهته، رأى عضو كتلة «المستقبل» النائب أحمد فتفت، في حديث إلى القناة عينها، تعليقاً على اعتصام الأحد، أنّ «تيّار المستقبل أثبت أنّه الوحيد القادر على جمع عشرات الآلاف دعماً لقضيّة معيّنة».

السابق
النهار: أزمة نصاب مفتوحة ومشروع جديد للمليارات وموجة النزوح تعرّض الحكومة لضغوط دولية
التالي
اللواء: جنبلاط يقابل هيغ .. وجعجع من قطر يرفض استجداء تسوية الـ 11 مليار دولار