التظاهرة السلفية ما هي أبعادها

في معرض السجال الدائر في بعض الأوساط السياسية حول التظاهرة التي دعا الشيخ السلفي أحمد الأسير الى انطلاقها غداً الاحد في ساحة الشهداء في بيروت، ثمة من يدعو الى التعامل معها والنظر اليها بحجم محدود فهي حركة احتجاج عادية بمقدور ساحة مثل الساحة اللبنانية التي خبرت مثل هذه الألوان أن تحتملها وتستوعبها على وهج حدث متدحرج ومتشعب الأبعاد مثل الحدث السوري الذي يوشك أن يدخل عامه الأول.
وبالتالي سواء نجح رجل الدين هذا في أن ينظم هذه التظاهرة أو ان الخشية المتنامية من تداعياتها دفعت بالسلطات المعنية الى الحيلولة دون انطلاقها في الزمان والمكان المحددين لها، فان ثمة من بات ينظر الى ظاهرة الأسير وطريقة نموها وتصاعدها واستحضارها كظاهرة محدودة من مكان طرفي نسبياً الى صيدا المدينة استهلالاً ثم الى قلب العاصمة بيروت، من منظار أن في الأمر خفايا وأبعاداً تتعدى مسألة تظاهرة تضامن مع المنتفضين في سوريا شهدت العاصمة ومدن أخرى تظاهرات عدة شبيهة لها.

والذاهبون الى تبنّي هذه الرؤية، وهم طبعاً موجودون في صف المحايدين أو المتعاطفين مع النظام في سوريا، كما الذين ما انفكوا مقيمين حتى الآن تحت شعار "لبنان اولاً" ولديهم فيض من المعطيات والتساؤلات يعزز رؤيتهم المتوجسة وشكوكهم المتعاظمة، وأبرز هذه المعطيات والتساؤلات:
– من الذي يقف وراء "نفخ" وتضخيم ظاهرة محدودة جداً في المكان والزمان، بل وغائبة تماماً عن الحسابات والانظار وبالتالي القاء الاضواء الساطعة عليها ومن ثم نقلها تماماً الى دائرة ضوء الحدث الكبرى التي تكاد تطغى على ما عداها من أحداث وتحولات رغم تكاثرها.
– لماذا تصير الظاهرة اياها فجأة في صدارة الحالة السلفية، رغم حداثة سنها وتجربتها، في حين تختفي عن الواجهة رموز سلفية عريقة كانت حتى الأمس القريب محور الحدث وقطب الرحى، خصوصاً أن ثمة معلومات تشير الى أن الحالة المستجدة نقلت فجأة الى الشمال حيث العرين الأصلي للظاهرة السلفية وحيث جمهورها وشارعها وفضاؤها الذي تتحرك فيه بحرية وراحة.
– حبل الاسئلة اياها يتعاظم ويمتد ايضاً عندما يتم الربط لدى الدوائر المتوجسة اياها بين اعلاء شأن هذه الظاهرة في وقت يتم الحديث عن أنه بعد التطورات الاخيرة في حمص ثمة تحسبات وتخوفات من تداعيات ميدانية مرتقبة على مشارف لبنان وتحديداً في بلدة القصير السورية الحدودية وذلك لحماية ما حققه النظام السوري في حمص، وهو إن حصل انما يُخشى من امتدادات له على بعض الأطراف اللبنانية، ولاسيما ان في اوساط النظام في سوريا من يعتقد جازماً أن أكثر من "نصف" معركة حمص هو بفعل روافد أتت من الجانب اللبناني من الحدود، في مقابل من يتحدث عن رغبة سورية في دفع القسم الأكبر من المسلحين في حمص، داخل الاراضي اللبنانية ليكون لهم شأن آخر لاحقاً.
– وسواء كانت هذه الظاهرة عابرة وبلا جذور يسهل حصرها ومحاصرتها أم أنها أعدّت لتكبر وتصير هي في الواجهة فالأكيد أن البعض ممن عمد الى تشجيعها اولاً، ثم بدأ يعرب عن تذمره وتخوفه منها، يريدها اليوم بمثابة صندوق بريد لايصال رسائل سياسية الى من يعنيهم الامر، وذلك من خلال الآتي:
1- نشر أجواء مفادها ان تظاهرة الغد إن حصلت، إنما هي "ردة رجل" وإن متأخرة عن أحداث 7 أيار عام 2008، وردة فعل على "غزوة العاصمة يومذاك".
2- شد أزر وعصب المجموعات المعارضة في سوريا من خلال الايحاء لها ولو من بعيد بأن الساحة الأقرب اليها هي عملياً ساحة دعم واسناد ونصرة، بدليل ان المتعاطفين معهم والمتجانسين وإياهم يتحركون بسلاسة ويسر في قلب العاصمة وفي المدن الاساسية. وبناء عليه فإن أولئك المتعاطفين مع النظام ليسوا كما يزعمون قادرين على الامساك بزمام الامور وناصية اللعبة والتربع على قمة المعادلة الداخلية.
3- الأبلغ من ذلك هو ان هذه الظاهرة قادرة على المزاوجة بين الحدث السوري وتداعياته، وبين انها قادرة على نشر الثقافة التي سادت بعد "الربيع العربي" في الدول التي لفحها نسيم هذا الربيع، حيث سادت القوى الاسلامية على حساب القوى والتيارات الاخرى من ليبرالية وقومية وسواها واثبات ذلك في بلد مثل لبنان يتربع على تجربة ضاربة الجذور من الديموقراطية والانفتاح والتنوع والتعدد، أمر بالغ الاهمية والدلالة، وهو ما لا يمكن إلا التعامل على اساس انه مقدمة لشيء أعظم آتٍ في القريب العاجل.
ولا ريب أن ثمة من يرابط، في وجه كل هذه المخاوف والتفسيرات والهواجس، على اعتقاده المتأتي من ان الساحة اللبنانية استهلكت دوماً كل الظواهر المتشددة والمتطرفة على يمينيتها ويساريتها ووسطيتها والتي كان ينظر اليها دوماً على اساس انها ثقافات دخيلة متسللة، سرعان ما تنزاح وحدها وتمسي ماضياً مضى، لكن ذلك التأويل على ما يمتلك من الصدقية والحضور، لا يدحض ولا ينفي ويسقط رأياً آخر فحواه ان الذين مهدوا الاجواء لتكبير الظاهرة إياها ربما هم مندفعون الى أقصى الحدود، لكي يبرهنوا وبشكل عملي ان لبنان لا يمكن إلا أن يكون متماهياً مع الموجة التي تضرب المنطقة العربية ككل، مهما كانت الاثمان، ,حتى لو اقتضى الامر التضحية بالخصوصية اللبنانية، وهو ما من شأنه أن يؤثر سلباً على كل تلك الجهود التي بذلت خلال الأشهر الماضية للنأي بالساحة اللبنانية عن تداعيات الحدث السوري، وذلك بالتوافق الضمني بين كل الاطراف الاساسية المعنية، أو يؤسس ويراكم لضربها لاحقاً خصوصاً إذا ما تلاقت ارادة الراغبين في تضخيم الظاهرة إياها مع إرادة الراغبين. ولم يعد خافياً ان الظاهرة نفسها ورد الفعل المرتقب عليها، يأتيان في سياق متراكم ومتدحرج بدأ منذ ان اندلعت الأحداث في سوريا وبدأ الحديث عن تداعيات تلك الاحداث مهما كان مسار الامور في سوريا.  

السابق
السفير: جنبلاط يخلط أوراق جلسة المليارات: التفاهـم أولاً … ثم اعتـمادات 2011
التالي
وزير المالية يدحض كلام السنيورة