حزب الله: أعطِ اللبنانيين زنادَك.. لا فوهة بندقيتك

رغما عن اصحابه، او بإرادتهم لا فرق، يستمر تحول وجهة سلاح المقاومة، او بتعبير ادق سلاح "حزب الله"، من الجنوب باتجاه الداخل اللبناني. ذلك ان حزب الله السياسي الاسلامي الشيعي المشارك الفعّال في الحكومة، وذو النفوذ في مؤسسات الدولة الدستورية والقضائية والمدنية والعسكرية والامنية، لا يميز بين هذه المساحة السياسية والاجتماعية وبين هذه المقاومة. هذا ما درجت عليه قيادة حزب الله في اقوالها وسلوكها، حين تعتبر أن كل ما قامت وتقوم به، في المسرح السياسي وفي داخل الحكومة والبرلمان وفي الشارع، هو من اجل "المقاومة".
وكثيرة هي الخطابات التي اطلقها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، والتي تشير الى زهد حزبه بالسلطة، وانه انخرط مرغما في السلطة بسبب المؤامرات التي كانت تحاك ضد المقاومة الاسلامية من قبل الحكومات المتعاقبة او معظمها. وانتقاد المقاومة وسلوكها وخياراتها، في المبدأ، ليس رجسا من عمل الشيطان، واستدعاء للفتنة، انما حق مشروع بل واجب وطني و ديني – اذا كان من يوجه الانتقاد مقتنعا بما يقول. فقوله هنا يصير واجبا ومسؤولية – وهذا شأن المواطن في اي قضية عامة تنطوي على منافع واضرار على المجتمع والدولة.

مرد هذا القول البديهي وطنيا واسلاميا هو السعي إلى عدم الوقوع تحت تأثير المصادرة السياسية والفكرية وحتى الدينية والاخلاقية وباختصار "التشبيح"، الذي يجعل من قضية تعني جميع اللبنانيين قضية مقدسة خاصة بفئة معينة وممنوع لاحد الاقتراب منها بالرأي الا المصفقين والمنافقين. واذا كان احد من البشر لا يستطيع ان يصادر حق الشعوب والافراد بمقاومة الاحتلال، فإنّ احد ايضا لا يحق له ان يصادر باسم المقاومة حقوق المواطنين مهما كانت صغيرة او كبيرة. وحقهم في ان تكون لهم دولة تحتكر القوة وتنظمها هو امر ليس محل جدال او نقاش. هذا من البديهيات، خصوصا عندما تنتقل الشعوب من مرحلة تحرير الارض، اي الجهاد الاصغر، الى مرحلة بناء الدولة او ترميمها، وهو الجهاد الاكبر.
على ان الجهاد الاكبر هذا قد يكون هو من يفرض التفاف وجهة السلاح من الجنوب الى الشمال. لكنه التفاف، ايا كانت مبرراته السياسية والامنية والوطنية، إلا أنّه يفاقم من مبررات الاستدعاء ليبدو اقرب الى استدراج نحو فخ قاتل، اي الى مساحة اشتباك مع المجتمع، وهو اشتباك لا يفترض هنا رفضه من المجتمع بكامله، بل جوهر الاشتباك هو وقوع المقاومة وسلاحها في فخ النزاعات السياسية والاجتماعية، واستدراجهما للخوض في صراعات لا علاقة لهما بها.
هكذا يتحول السلاح واصحابه في الحد الادنى الى مركز استقطاب حول قضايا سياسية تحتمل الاختلاف والصراع الديمقراطي، فيما السلاح يعمل على كتمها او مصادرتها بمنطقه الذي لا يضمن عدم انفجارها وتشظيها في وقت لاحق، لتصبح اشبه بعبوات معدّة للتفجير.
في هذا الجو يخوض حزب الله غمار سياساته الداخلية وفق "مقدس المقاومة" ، وهو حين يدرج ما يعتبره مقدسا في خضم الحياة السياسية والاجتماعية ، يحمّل المقدس ما لا يحتمله، وتتحول فكرة المقاومة التي يتبناها من عنوان انساني ووطني جامع الى قوة طائفية ووسيلة لتحقيق النفوذ والمكاسب، ويسمح بنمو ظواهر خارجة على الدولة والقانون وعلى جوهر المقاومة، وببروز مراكز نفوذ تؤمنها ثنائية السلطة بين الدولة ومجتمع المقاومة او حزبها.
هذا التوصيف ليس مما يراه ابناء الطوائف الاخرى فحسب، بل هو يتجذر اكثر فأكثر في نظر ابناء الطائفة التي خرج منها، حين ينظر الى السلاح باعتباره عامل قوة في ميزان الحياة السياسية. وهذا بحد ذاته يمثل انتكاسة لأي مقاومة تسعى إلى ان تعبر عن ارادة ابناء الوطن، وان تشكل جامعا ومصدر قوة للبلد وليس مصدر استقواء داخلي بعصب مذهبي تحتمي به وتغذيه.
الجيش اللبناني، أيا كانت الانتقادات التي توجه اليه، يبقى في نظر اللبنانيين جيشهم الذين لا يستطيعون التنكر له، بل يتمسكون به، ويحرصون على ان يكون فاعلا وقويا ويرغبون بأن يكون قويا وقادرا على تحقيق واجباته في حماية البلاد. يجب الاقرار ان المقاومة التي يختصرها حزب الله لم تنجح في ان تعبر عن هذا التضامن العام، وهذا لا يمكن ان تلقى مسؤوليته على الآخر اللبناني، بل هي مسؤولية حزب الله في الامس واليوم التي تفترض تنزيه المقاومة وسلاحها من لعبة السياسة الداخلية والاقرار بأن هناك وجهات نظر لبنانية وازنة تريد لهذا السلاح ان يكون مصدر قوة للبلد وليس سلاح حزب في البلد، مصدر وحدة لا انقساما واستقطابا مذهبيا وطائفيا، سلاحا في وجه العدو لكنّ زناده بيد اللبنانيين… وليست فوهته اتجاههم.

 

السابق
طالب في اقليم كردستان العراق قتل استاذه الاميركي وانتحر
التالي
الأنوار: نواب 14 اذار يلوحون بخطوات تصعيدية اذا لم يقر مشروع ال 11 مليارا