جنبلاط : وا أسفاه!!

لم ينطق بها الزعيم الدرزي وليد جنبلاط صراحة، إلا أن فاهه كاد يمتلئ بها قبل أن يقذفها قنبلة في وجوه القيادات السياسية اللبنانية التي سارت خلف النظام السوري في معركته مع مدن وأحياء حمص وادلب ومعرة النعمان ودرعا وجسر الشغور.
هذا وليد بك جنبلاط بشحمه ولحمه الذي شغل العالم بتقلبات مواقفه وتكويع جسده السياسي عند كل منعطف داخلي واقليمي تماشياً مع التيارات الناشئة أملاً في امتصاص أكبر ما يمكن من الصدمات الناتجة عن لعبة التوازنات والاحجام السياسية المسموح بها لزعماء الطوائف والاحزاب في لبنان.
فالرجل، وإن كان لا يخفي انتماءه لطائفته الدرزية الكريمة التي تعتبر أقلية في كل من سورية ولبنان إلا أنه يؤكد انه مواطن عربي بالدرجة الأولى، ومناضل يساري يسير على خطى والده كمال جنبلاط الذي اتخذ من القضية الفلسطينية بوصلة له في العمل السياسي، وبها يحاول تفسير كل تناقضات مواقفه.

لماذا يقوم جنبلاط اليوم بما لم يجرؤ عليه رئيس الحكومة السابقة سعد الحريري حتى اللحظة؟ فالحريري الذي يوجه فوهة بندقيته من فنادق باريس على بشار الأسد ويطلق التصريحات الصاروخية على قصر الشعب السوري لم يستطع مزاحمة «البيك» في مواجهة النظام السوري في شوارع بيروت جنبا الى جنب المعتصمين، قافزاً فوق التحديات اللبنانية الداخلية وتعقيداتها المذهبية والجغرافية والاقتصادية والسياسية. فلم يعد لجنبلاط على ما يبدو- هم سوى مراقبة ما يحصل في سورية والإندفاع كسمكة قرش تجاه فريسته التي يمثلها حكم عائلة الأسد في سورية، فهل هو اعادة تموضع سياسي للاستفادة من التغيرات الدولية والإقليمية واضعاً بيضه كله في سلّة المعارضة السورية، فإذا ربحت هي ربح جنبلاط اضعاف ما استثمره من مواقف وتصريحات وإذا خسرت فلن تكون خسارته اكبر من خسارة اردوغان وساركوزي واوباما والحريري؟
الغريب ان جنبلاط قفز فوق رجال الدين والسياسة معاً، ممن يتربعون على عروش طوائفهم أو ما يعرف بالأقليات الدينية والعرقية في العالم العربي. فكان قديساً أكثر من البطريرك الماروني بشارة الراعي، وأكثر ورَعاً من الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وأقل صمتاً من دار الفتوى اللبنانية، إذ لم يعر انتباها كثيرا لسياسة «النأي بالنفس» التي ترفعها الحكومة اللبنانية شعاراً لعملها الديبـــــلوماســــي لحفـــــظ الــــبلد من تداعيات الزلزال السوري.

جنبلاط اليوم لم يعد يكتفي بالقول إنه ضد القتل في سورية وأن من حق الشعب السوري التمتع بالتعددية السياسية ومشتقات الديموقراطية الدسمة، ولم بلجم نفسه عن اتهام النظام السوري بقتل معارضيه بل ذهب في تحليلاته الى أماكن لم يزرها بعد حتى من ألد أخصام الأسد. فسيد الجبل يرى ان الأسد استفاد من عجز المجتمع الدولي ودعم ايران المطلق له وعرقلة الصين وروسيا لأي قرار أممي يدينه «ليقوم بحرب إبادة ضد معاقل السنة في حمص وحماة ودرعا ومعرة النعمان ودير الزور وريف دمشق، من ضمن مخطط مكشوف لتقسيم سورية وإبادة السكان السنة في محيط الدولة العلوية التي بدأت تظهر ملامحها بعد أن نقل كل الأسلحة الثقيلة إليها، وبعد أن أصبح ميناء طرطوس قاعدة للبوارج الحربية الروسية والإيرانية، في ظل الاستعدادات الروسية لتسليح الجيش السوري بأسلحة أكثر فتكاً من التي يستخدمها النظام في حرب الإبادة على المدن السنية» وفقاً لما تنقله الصحافة اللبنانية عن مقربين منه.

وقنص جنبلاط لم يتركز على قلب النظام السوري في عرينه وحسب، وإنما لاحقه في أزقة الضاحية الجنوبية اللبنانية المحسوبة على حزب الله، وفوق هضبات جبل لبنان حيث تتركّز الجغرافية الدرزية، إذ ان معلومات «وليد بك» تفيد أن «بعض القيادات الدرزية من حلفاء النظام السوري في لبنان تولت بأوامر من الأسد نفسه توزيع المال والسلاح على السكان الدروز في مناطق عدة من دمشق والجبل»، وهي تتقاطع مع المعلومات التي نقلتها جريدة الأنباء الصادرة عن الحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه جنبلاط بأن قيادات سورية رفيعة تشتري بيوتاً في منطقة الجناح اللبنانية المحمية من حلفاء الأسد في لبنان. فهل بوسع جنبلاط بعد ذلك كله أن ينطقها : وا أسفاه!!… ألهذا الحدّ وصلتم؟
  

السابق
زعيم إحدى العصابات
التالي
الحياة: سليمان وميقاتي يدعوان الى حقبة جديدة ويشددان على سلوك الوزراء وتضامنهم