ورش عمل عن واقع السجون جنوباً

تختصر سلة مطالب المحكومين في سجن صور بعنوان رئيسي، هو تخفيف العقوبة السجنية، مقابل حسن السلوك، وفق قانون العقوبات 463. ذلك المطلب المزمن للسجناء، والذي يحتاج إلى إجراءات معقدة لتحقيقه، ليس وحيدا عندهم، لاسيما المحكومين والموقوفين لفترات طويلة منهم. ويشهد سجن صور، الواقع في الطبقة السفلى من مبنى السراي الحكومي المشيّد في العام 1750، ورشة من نوع آخر، سبقتها ورشة تأهيل وترميم شملت كافة اقسامه بتمويل من منظمة «انترسوس» وقبلها جمعية «العطاء». تسعى الورشة، التي تأتي في سياق برنامج جمعية «شيلد» بالتعاون مع منظمة «دروسوس» العالمية، إلى الوقوف على أوضاع السجناء ومطالبهم القانونية من جهة، وتقديم العون الاجتماعي والنفسي من جهة أخرى، بهدف تمكينهم اقتصاديا ودمجهم بالمجتمع بعد خروجهم من السجن. علماً بأن السجن يضم 66 سجينا تصل عقوبتهم القصوى الى أربع سنوات.

تتمحور الورشة، التي يتولاها عدد من الاختصاصيين، من بينهم القاضي برنار شويري والدكتور طلال عتريسي والزميل عمر نشابة وآخرين يعملون في مجال السجون، حول متابعة الملفات القضائية للسجناء من خلال الزيارات الدورية للقاضي شويري إلى السجن، وتوعيتهم بالجوانب القضائية، وحثهم على الإنتاج وسواها. وهذه الخطوة، التي تنفذ بموجب مذكرة تفاهم بين وزارة الداخلية اللبنانية و«شيلد»، سيتم تعميمها على سجني النبطية وتبنين المدرجين في البرنامج، الذي انطلق في العام 2011 ويستمر حتى العام 2013. وتضمن إلى اليوم مساعدة عائلات أكثر من خمسين سجينا في السجون الثلاثة، من خلال فتح أفران وصالونات تزيين نسائي وأشغال تراثية، وغيرها من الأعمال التي اختارتها عوائل السجناء، سواء كانت الزوجة أو الابن أو الابنة.  ويؤكد الزميل عمر نشابة أن برنامج «شيلد» يعتبر واحدا من أهم البرامج المتعلقة في السجون في لبنان، معتبراً أن البرنامج ينقسم إلى عدة محاور، منها ما يتعلق بإصلاح مبنى السجن، أي «البنية التحتية»، ومنها ما يتعلّق بترتيب الملفات القضائية للسجناء، ومساعدة العائلات، والتوعية على الجوانب القضائية والمواضيع المتعلقة بالصحة العامة والصحة النفسية، وإرشادات حول العلاقة مع الأولاد وسبل الاندماج مع المجتمع. ويلفت إلى أن مطالب السجناء الرئيسية، ترتبط بالملفات القضائية، أكثر من غيرها، مشيراً إلى أن سجن صور مستقر بالحد الأدنى، ويوجد فيه سرير لكل سجين. إلا أنه، وبحسب نشابة، يفتقد إلى غرفة مواجهة، حيث يضطر الأهالي لمقابلة السجناء من خلال البوابة الرئيسية للسجن. وأوضح أن الجزء الأخير من الورشة سيشمل تدريب «السجانين» على الجوانب القانونية، لاسيما الجوانب المرتبطة بحل النزاعات وكيفية التعامل مع السجناء وأوضاعهم الصحية إذا ما وجدت.

ويشير الدكتور طلال عتريسي إلى أن برنامج «شيلد» وبعد المرحلة الاولى المتعلقة بتقديم المساعدات لعوائل السجناء في ثلاثة سجون في الجنوب (صور، النبطية وتبنين) بناء على استمارات مفصلة، تم التركيز على مجموعة محاضرات خاصة بالسلك القضائي في منطقة النبطية، لشرح النواحي الاجتماعية للسجين، الذي يوضع في السجن لردعه عن فعل ارتكبه أولا وحماية المجتمع ثانيا. ويضيف «إن البرنامج يهدف بشكل رئيسي إلى الاهتمام بعائلة السجين، لتمكينها اقتصاديا واجتماعيا، على أن يلي ذلك استكمال المشروع بدمج الخارجين من السجن، وتوفير ظروف ملائمة لهم، واستعادة كرامتهم عبر تأمين فرص عمل، من خلال المؤسسات الصغيرة، التي تم فتحها، بتمويل من البرنامج». ويلفت عتريسي إلى أن الدراسة الأولى من نوعها التي أعدتها «شيلد» بالتعاون مع منظمة «دروسوس» و التي حملت عنوان «واقع السجون في جنوب لبنان: مسح شامل للسجناء وعائلاتهم واقتراحات للاصلاح والدعم»، سلّطت الضوء على عدد من المشكلات، ومنها التسرب المدرسي لعوائل السجناء، واوضاع صحية ونفسية صعبة.

من جهته يعتبر مدير المشروع في «شيلد» سامر حيدر أنه في جوانب كثيرة منه، يقارب مشاكل السجناء وأوضاع السجون المشمولة في البرنامج. ويقول: «إن المرحلة الأولى من البرنامج، التي تمتد حتى العام 2013، ويتم السعي إلى تمديده ثلاث سنوات اخرى، وفر للمرة الأولى دعما لعوائل السجناء في سبعة أقضية جنوبية، ممن وافقوا على الانخراط في المشروع». وأوضح أن «الدراسة التي نفذها فريق ميداني بينت أنّ أبرز المشاكل التي تعاني منها السجون في الجنوب هي التالية: الإكتظاظ الشديد «الخانق». وهذا يتجاوز نسبة متوسطة قدرها 300 في المئة تقريبا من طاقة جميع الأبنية على الاستيعاب. وانتهاك الحقوق والأصول الأساسية بنسب متفاوتة من سجن لآخر، خصوصاً دمج المساجين مع بعضهم البعض وعدم تصنيفهم بالطريقة المناسبة».

كما علّق على أن «عملية الدمج وعدم الفصل بين الموقوف والمحكوم تشكل انتهاكا صارخا لحقوق الانسان، وتبين أن الدمج في سجن النبطية هو الأخطر. كما أن الدمج يحصل بين الجرائم نفسها، فالموقوف بجرم تعاطي مخدرات، قد يوقف مع نزيل آخر بجرم القتل، وتنطبق الحالة نفسها في حالة الأحكام، وهذا ما يبينه جدول الجرائم».

ويلفت حيدر إلى أن البيئة الجنوبية هي بيئة محافظة، ومتدينة، «لذا توصف جريمة المخدرات ـ تعاطيا أم ترويجا، من الجرائم الشائنة والتي تعرض صاحبها للنبذ من مجتمعه وبيئته. وهذا يفسر تهرب بعض العائلات من مناقشة الجرائم التي قام بارتكابها أحد أفراد العائلة، وعدم التعاون في بعض الأحيان. أما جريمة الشيك دون رصيد فقد احتلت المرتبة الرابعة، كاحدى جرائم التزوير أو الاحتيال، ذلك أنها في لبنان ما زالت تعد ضمن جرائم الجنايات». ويؤكد أن استثناء الجنسيات غير اللبنانية الموقوفين في سجن جزين من الاستفادة من المشروع «لم يكن إلا بهدف تمكين المشروع وترسيخه في البداية، وإطلاقه بشكل يسمح بتطبيقه»، مضيفاً أن «معظم عائلات الأجانب غير متواجدين على الاراضي اللبنانية». وتشكل الجنسية الفلسطينية 16 في المئة من المسجونين بعد الجنسية اللبنانية مباشرة، وذلك متوقع في الجنوب حيث المخيمات الفلسطينية الرسمية، والتجمعات غير الرسمية – وفق معيار «الأونروا». وتحتل الجنسية السورية المرتبة الثانية بنسبة 15في المئة، ما يصل مجموعه إلى 31 في المئة. وهو رقم كبير لم يتطرق اليه المشروع، علماً أن استمارات مجموعة العمل الميدانية لـ «شيلد» شملت بعض الفئات الأجنبية، وذلك لمنع تسلل فكرة التفرقة التي تشغل بال بعض السجناء. ويذكر أن نسبة السجناء الذين وافقوا على المساعدة بلغت 40 في المئة في سجن صور، و36 في المئة في سجن النبطية، و24 في المئة في سجن تبنين. 

السابق
نتنياهو: سنضرب لبنان.. وفي خريطة العالم الجديدة لا يوجد دولة بهذا الاسم !!
التالي
إستقالة الى جمهورية الرابية؟!