سورية: الأصدقاء والإستفتاء

يشهد الأسبوع الطالع تظاهرتين تتعلقان بالأحداث في سورية: تجتمع ما بين ثمانين وتسعين دولة بأشخاص وزراء خارجيتها بتونس يوم 24/2 للتضامن مع ثورة الشعب السوري، ودعم مطالبه في التغيير السلمي والديمقراطي – وفي الوقت ذاته، أي يوم 26/2 يُجري النظام السوري استفتاءً على مشروع الدستور الذي أعدّته لجنة عبر الأشهر الأربعة الماضية.

أما اجتماع «أصدقاء سوريا» فيجري خارج مجلس الأمن، بعد أن أوقف الفيتو الروسي والصيني مشروع القرار بدعم المبادرة العربية، التي حظيت بدعم 138 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وسيعمد الحاضرون بمؤتمر تونس على الأرجح الى إنشاء لجنة اتصال من أجل إجراءات عملية. والاجراءات العملية تعني بالنسبة لأكثرية هؤلاء الدعم اللوجستي والغذائي والطبي والممرات الآمنة وزيادة الضغط على النظام بشتى الوسائل التي لا تبلغ حد استعمال القوة، من أجل مُغادرة الحلّ الأمني، والعودة للمسار السياسي بعد أن يكون النظام أو تكون بقاياه قد نحّت بشار الأسد، وانصرفت لسحب الأدوات العسكرية والأمنية من الشارع، وإطلاق سراح المعتقلين، والإقبال على حوار مع المعارضة تتشكل بنتيجته حكومة وفاقية تُجري انتخابات لمجلس تأسيسي يكتب دستوراً جديداً، ثم ينتخب رئيساً جديداً للدولة آخر هذا العام. والمعروف أن النظام الأسدي كان قد رفض هذا الحل، بإفشاله مهمة لجنة المراقبة العربية. ولذلك هناك أعضاء عرب وغير عرب في اجتماع تونس، يؤيدون مساعدة المعارضة عسكرياً لإرغام قوى النظام على القبول أو التسريع في إيقاف الخيار الأمني القاتل. أما النظام السوري، والذي يُصرّ الإيرانيون وحزب الله والروس على أنه ماشٍ في إصلاحات عظيمة، فإن الجمل أو الجبل الذي وَلّدَ فأراً يتجلّى في صورة استفتاء على مشروع الدستور الاصلاحي الجديد. والدستور الجديد لمن لا يعرف أو لم يعرف بعد، يُلغي المادة 8 التي تعتبر حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع، كما يُضيف الى المادة أو البند الإسلامي بنداً آخر. ففي دستور حافظ الأسد من العام 1971 أن دين رئيس الدولة الإسلام، وقد أضاف دستور بشار لذلك مادة أخرى أو في نفس المادة: الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع! أرأيتم؟ أو لم تُصبح سورية اسلامية تماماً وللمرة الاولى وبسبب تديّن الرئيس وحزب البعث ووَرَعهما؟! ماذا تريدون بعد ذلك، أيها الاصوليون وايها الاسلاميون المتشددون؟ ألا ينبغي ان تذهبوا الى الاستفتاء مهلّلين مكبّرين فتُعلنوا الرئيس بشار الاسد اميراً للمؤمنين، كما فعل حسن الترابي مع جعفر النميري عام 1985؟!

يريد الرئيس الاسد الإيهام بأن مشكلة الشعب السوري معه هي مشكلة دينية، أي أنّ الاصوليين يزعمون انه علماني متطرف، وهو ينحازُ الآن بعد عشرة آلاف قتيل، ومئات ألوف المهجرين والمعتقلين – الى إسلام الشعب السوري! إنّ قضية الشعب السوري هي الحرية، ولذلك ثار وضحّى، ولا يُهمُّه ان يصلّي رامي مخولف وضباط الامن والجيش الذين يقتلونه او لا يصلون. فحساب الاستبداد من حق الشعب، أمّا حسابات التديُّن فعند الله الرحمن الرحيم! ثم من الذي سوف يذهب لاستفتاء بعد عام على القتل والذبح؟ إنه استفتاءٌ على شعبية الرئيس وليس على الدستور، وبشروط الرئيس والقوى الامنية. وسيقول النظام، وسواء خرج السوريون لصناديق الاقتراع ام لم يخرجوا، إن الذين دعموا مشروع الدستور في الصناديق هم 80٪ واكثر، فمن الذين سوف يحاسبُهُ او يراقبه؟!
إنها سُخرية سوداء تُشبه ما اخبرني به الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين عندما طلب من الرئيس حافظ الاسد – والد بشار – وبرجاء من شيوخ الطائفة العلوية، ان يصلي – أي شمس الدين – على والدة الرئيس الأسد الأب عندما توفيت، وما وافق الرئيس حافظ الاسد، بل قال لشمس الدين: أسرة آل الاسد على مذهب أهل السنة الشافعية، وسيصلي على الوالدة شيخ شافعية الشام الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي! أرأيتم الورع والتقوى الموروثة؟ إنها ولا شكّ هي التي دفعت الشيخ البوطي إياه للقول أخيراً: «إذا ذهب الرئيس بشار الأسد ذهب الإسلام!». 

السابق
مأساة رجل شجاع
التالي
كلام في المعارضة السورية المسلحة