مهلاً… حكام مصر

فوجئت الأوساط السياسية والدبلوماسية بالخطوة المصرية لناحية استدعاء سفيرها من سورية في هذا الوقت تحديداً، معتبرة أن مثل هذا الإجراء يأتي في سياق استكمال المخطط التآمري على سورية دبلوماسياً وإعلامياً وسياسياً واقتصادياً، بعدما فشلت كل محاولات الغرب ومعها بعض العرب وبعض الدول الإقليمية في التدخل العسكري، من خلال استصدار قرار في مجلس الأمن الدولي يجيز لهذه الدول وكما فعلت في ليبيا، أن تبدأ بعملية حظر جوي أو إقامة مناطق عازلة أو ممرات إنسانية، ولكن الموقف الروسي والصيني جاء حازماً لناحية استعمالهما حق النقض الفيتو في وجه المخطط الغربي، الذي يستهدف تفتيت سورية وتقسيمها، وتهميش دورها وموقعها الاستراتيجي في المنطقة.

وترى مصادر دبلوماسية أن الخطوة المصرية السلبية تجاه سورية، جاءت بعد الموقف الدبلوماسي المصري في جلسة الهيئة العامة للأمم المتحدة، حيث قدم المندوب المصري في حينه مشروع القرار المقدم من المملكة العربية السعودية وقطر ضد سورية، وإن كانت نتيجة التصويت غير ملزمة، إلا أن موقف مصر تكشف على حقيقته، بعدما كان ضبابياً إلى حد ما، نتيجة عوامل داخلية مصرية من جهة، بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، وعوامل خارجية تتمثل في الإدارة الأميركية من جهة أخرى، إضافة إلى عوامل عربية تتمثل بالسعودية وقطر، وعموماً دول “الاعتدال العربي”.

وتعتبر المصادر الدبلوماسية، أن هذه الخطوة المصرية لم تأت من فراغ، خصوصاً وأن هناك معلومات مؤكدة مفادها أن مصر تتعرض لشتى أنواع الضغوطات الداخلية والعربية والخارجية، لكي تقف في صف الدول المعادية لسورية، ومحاولة إغراء حكامها بتقديم المزيد من الدعم المالي والاقتصادي لهم، في الظروف الحالية المأسوية التي تمر بها مصر، خصوصاً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، والذي هو في الأساس كان الشعلة في نزول ملايين المصريين إلى الشوارع، لإسقاط نظام الرئيس السابق حسني مبارك.
وأشارت المصادر الدبلوماسية إلى أن المسؤولين المصريين من خلال هذه الخطوة يضعون أنفسهم في خانة المنظومة التآمرية على سورية، مع العلم أن عرب “الاعتدال” ومعهم الأميركيون والأوروبيون لم يفوا بوعودهم البراقة، وإذا فعلوا ذلك فهم يقدمون المساعدات بنسبة قليلة جداً عما يحتاج إليه الاقتصاد المصري، لمعالجة الملفات الاجتماعية الضاغطة، من هنا يمكن فهم مطالبة قيادة الإخوان المسلمين في مصر الإدارة الأميركية بإنقاذ الاقتصاد المصري، وإلا فإنهم لن يعترفوا باتفاقية “كامب ديفيد” المبرمة بين مصر والعدو الصهيوني.

وتضيف هذه المصادر، أن مثل هذه الخطوة الدبلوماسية من قبل حكام مصر سترتد عليهم، لأن هناك شريحة كبيرة من المصريين ومعها قيادات حزبية ونقابية ومثقفون وإعلاميون يقفون ضد هذه الخطوة، وأن الأمور ستزداد تعقيداً على الساحة المصرية، وكأن حكام مصر وهم الذين اتهموا مؤسسات المجتمع المدني المدعومة أميركياً مالياً وسياسياً، وهذا ما أثبته القضاء المصري عن تدخل هذه المؤسسات في العمل السياسي، وفي التحريض على القيام بأعمال العنف والشغب، وتوتير الأجواء الطائفية، كل هذه المؤشرات يبدو أن حكام مصر وضعوها جانباً ورضخوا للإرادة الأميركية، ولإرادة بعض دول الخليج المتآمرة على سورية، مقابل حفنة من الدولارات، وربما يستفيق حكام مصر على حقيقة الأمور، ولكن بعد فوات الأوان.
وختمت المصادر الدبلوماسية بأن الرد السوري جاء سريعاً باستدعاء السفير السوري من مصر، وهذه الخطوة تعتبرها المصادر نفسها أنها دليل ثقة القيادة بنفسها وبشعبها، وأن سورية لا يمكن أن ترضخ لمثل هذه الإجراءات التي أقل ما يمكن أن يقال فيها، إنها ابتزازية، وسورية التي تقف في وجه هذه الحرب الكونية بكل المقاييس، لن تكون الخطوة المصرية المستهجنة مدرجة في قاموسها، لأن سورية ستخرج من أزمتها منتصرة وقوية، في حين أن مصر ستبقى تعاني ولسنوات طويلة من مشاكلها الداخلية المعقدة، والتي هي أولاً وأخيراً مستهدفة من الغرب، كما سورية، وذلك من أجل أمن “إسرائيل” وحمايتها.

السابق
نحاس بين الواقعية والاستشهاد السياسي!
التالي
التقديم المفقود في عرب آيدل !!