المبلوف الروسي أكثر مسؤولية من البالف الأميركي!

الكلام العالي عن الدور التركي في المنطقة وخصوصاً عن الصراع الدامي الناشب في سوريا بين نظام الاسد وغالبية شعبه فَقَدَ منذ مدة نبرته العالية. فحكومة "حزب العدالة والتنمية" الإسلامية الحاكمة اعلنت اكثر من مرة انها غير معنية بالعمل العسكري سورياً. وبدا انها تمارس سياسة رئيس وزراء لبنان نجيب ميقاتي اي النأي بالنفس علانية عن الازمة السورية والاستمرار ضمناً في تشجيع الثوار على النظام الاسدي وفي استقبال النازحين المدنيين والعسكريين. ويبدو حتى الآن انها لن تغيّر نهجها الجديد، إلا اذا تضمنت المبادرة، التي اعلن رئيس الوزراء التركي قبل ايام انه يعدّها لمساعدة الشعب السوري وليس النظام، مقرّرة وحاسمة تذكّر بالنبرة التركية العالية السابقة.

لماذا الكلام عن تركيا الآن؟ فقط للفت الذين يتساءلون عن اسباب وقوف روسيا مع نظام الاسد رغم إجماع غالبية العالم على ضرورة تنحيه بعدما رفض تنفيذ إصلاحات جدية تضع بلاده من جديد على خريطة الدول الديموقراطية والحرة المساوية بين كل ابناء الوطن، ولا تستخدم قضايا عادلة من اجل مكاسب خاصة سياسية وغير سياسية. فروسيا هذه التي يحكمها الرئيس السابق فلاديمير بوتين بواسطة الرئيس الحالي ديمتري ميدفيديف الذي سيتبادل واياه المنصبين بعد الانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل، لا تريد ان تنأى بنفسها عمّا يجري في سوريا. ذلك ان الانخراط في الصراع الدائر بين الاسد وشعبه ومع الدول العربية وغالبية المجتمع الدولي يسمح لها بتحقيق جملة امور مهمة جداً لمصالحها الاستراتيجية وللمصالح الشخصية لحكامها. الامر الاول، هو شعور القادة الروس بالمرارة من "البلفة" التي يقولون انهم تعرّضوا لها في ليبيا، والتي دفعتهم الى الموافقة على التدخّل فيها من خلال الامتناع عن التصويت على ذلك في مجلس الأمن، اذ تأكدت موسكو عند التنفيذ ان الهدف كان اسقاط القذافي وليس انقاذ حياة الناس. وتأكدت ايضاً انها فقدت كل امتيازاتها ومصالحها الحيوية في ليبيا. طبعاً يحق للقادة الروس "الانتقام" من الذين "بلفوهم"، لكن يجب ان يعترفوا ان من يتعرّض لـ"البلف" لا يكون عادة حيسوباً ودقيقاً وحتى حكيماً. ولذلك فإن مسؤوليتهم عن "البلفة" تساوي مسؤولية كبار المجتمع الدولي. والامر الثاني، هو استخفاف اميركا بمصالح روسيا بايصال حلف شمال الاطلسي الى حدودها في اوروبا الوسطى، وبقرار نصب درع صاروخية في بولونيا ورومانيا وتركيا. والامر الثالث، هو ارادة القادة الروس وتحديداً بوتين ان يضع "ختمه" بل "ختم" روسيا على اي حل للصراع الناشب في سوريا. فهو يخوض معركة انتخابات رئاسية، لن يفوز فيها بأكثرية مريحة، لأن الشعب الروسي صار أكثر وعياً للديموقراطية رغم استمرار بعض السياسات السوفياتية "الامنية" ومثله يخوض اوباما معركة رئاسية في اميركا. وبدوره الاساسي في حل الأزمة السورية او في تعطيله وإن دفعه ذلك الى رعاية حرب اهلية فإنه يشد انتباه شعبه الى الخارج ويلفته الى سعيه الحثيث لاستعادة المكانة العظمى لبلاده. اما الامر الرابع، فهو نوعية الحل للأزمة السورية. وفي هذا المجال تكشف معلومات ديبلوماسية ان ايران وضعت في حسابها في اثناء تقويم ما يجري في سوريا احتمال عدم صمود نظامها رغم تمسّكها بالدفاع عنه حتى آخر لحظة. وهذا امر لمسته انقرة اثناء محادثات وزير الخارجية اوغلو في طهران. كما لمسته ايضاً اثناء محادثاته في بيروت مع حلفاء بارزين جداً لطهران في بيروت لم يكن "حزب الله" من بينهم. علماً انه يضع ايضاً في حساباته هذا الاحتمال وان يكن يستبعده حالياً. لكنها تكشف ايضاً ان روسيا ورغم اختلاف لهجة المستويات المختلفة في قياداتها (عسكرية وامنية وسياسية وديبلوماسية) لا تزال بعيدة عن احتمال سقوط النظام السوري. ولا تزال تأمل في حل لأزمته يبقيه مع شيء من الاصلاح والمشاركة الشعبية الواسعة.

الى اين بعد كل هذا التحليل المعلوماتي؟
الى الاعتقاد ان المواجهة بين غالبية الدول العربية وروسيا ستستمر، وكذلك بين اميركا وغالبية المجتمع الدولي، والى الاعتقاد ان الصراع السياسي المُتعسكِر تدريجاً في سوريا قد يطول وخصوصاً في ظل عدم استقرار عدد من دول الربيع العربي، وفي ظل استمرار المواجهة بين الغرب الاميركي والاوروبي مع ايران الاسلامية. 

السابق
النهار: حمص تشتعل وواشنطن لا تستبعد أي شيء
التالي
السفير: موسكو تحذر من أي تحرّك دولي أحادي: الحل بالحوار الوطني السوري