ماذا يجري في تيار المستقبل؟

يصف أحد كبار المسؤولين في "تيار المستقبل" العلاقة المستجدة بين التيار الأزرق والجمهور العريض في عكار بالمثل الشعبي القائل "إذا دخل الفقر من الباب.. هرب الحب من الشباك".. فكيف إذا كان الفقر وتداعياته وانعكاساته السلبية مترافقة مع صراع نفوذ بين أبناء البيت الواحد للتسابق الى مواقع القيادة، وترجمة ذلك بسوء التنظيم وانعدام التواصل مع العكاريين الذين يشكلون آخر قلاع وحصون سعد الحريري بعد التراجع الواضح الذي يشهده التيار الأزرق في طرابلس لا سيما بعد اقصاء الحريري وإقفال عدد من المؤسسات الحريرية في عكار وفي مقدمها مستوصف أكروم، والحديث المتنامي عن ضبط الانفاق في المؤسسات وبالتالي صرف عدد غير محدود من الموظفين.

الى جانب كتلة نواب المستقبل في عكار التي تضم سبعة نواب (3 سنة، أرثوذكسيين، ماروني وعلوي) هناك ثلاث منسقيات عكارية: منسقية الدريب برئاسة خالد طه، منسقية السهل والشفت والجومة برئاسة عصام عبد القادر ومنسقية القيطع والجرد برئاسة سامر حدارة، وتتضمن كل منسقية هيئة إدارية على شكل مكتب، وقطاعات مختلفة استكملت تعييناتها خلال الفترة الماضية، يضاف الى ذلك عضو وحيد في المكتب السياسي المركزي هو المحامي محمد المراد.

لا يختلف اثنان في عكار على أن "تيار المستقبل" يشهد حالة تنافسية غير مسبوقة تصل الى مرحلة الصراع والكيدية بين نوابه ومنسقيه وأركانه وكوادره، على مسافة سنة ونيف من انتخابات العام 2013، خصوصا في ظل ما وصل الى مسامع هؤلاء بأن الأمين العام أحمد الحريري يردد بشكل دائم في مجالسه الخاصة أنه غير راض عن أداء الكثير من النواب الحاليين، وأن الانتخابات المقبلة ستشهد تغييرات جذرية في عكار، الأمر الذي أدى الى مزايدات بين هؤلاء سواء من خلال الظهور المتواصل في مختلف المناسبات، وإطلاق التصريحات النارية ضد الحكومة أو ضد النظام السوري وذلك بهدف لفت نظر سعد الحريري ومحاولة كل منهم اقناعه بأنه الأكفأ في حجز مقعد جديد في الاستحقاق الانتخابي المقبل. ويمكن القول ان عدم قدرة القيادة المركزية على فصل السلطات وتحديد الصلاحيات، وخصوصا في ما يتعلق بالمنسقين الطامحين، أدى الى انعدام التواصل بين الجانبين، والى عدم الأخذ بتوجيهات القيادة المركزية لا بل كيل الانتقادات اللاذعة لها في المجالس الخاصة، في حين يحرص البعض الآخر على التواصل المباشر مع الرئيس سعد الحريري من خلال زياراتهم المتكررة للسعودية أو العاصمة الفرنسية، الأمر الذي يجعل الأمور تتفاقم على خلفية الغيرة أو الحسد وعلى عدم تعاطي الحريري وقيادته في بيروت بالمساواة في ما بين النواب.
وتشير المعطيات الى أن "تيار المستقبل" في عكار بدأ يشهد حالة من الانكفاء نتيجة حالة الإحباط التي تتسع رقعتها يوما بعد يوم، وتساهم في تعزيزها الصراعات القائمة بين قياداته التي تهتم بمصالحها وتتناسى أن هناك قواعد شعبية تحتاج الى تواصل والى كثير من الخدمات والمطالب، فضلا عن الأزمة المالية الحادة التي يعانيها سعد الحريري والتي ترخي بظلالها القاتمة على القواعد الزرقاء المحرومة منذ نحو سنتين من أبسط المساعدات والتقديمات، والتي تعيش في كل مرة على الوعود المتكررة التي يسوقها أحمد الحريري من دون أن تجد طريقها نحو التنفيذ.

وتشير هذه المعطيات أيضا، الى أن أولى ترجمات هذا الانكفاء ظهرت في الحضور العكاري في مهرجان "ربيع الاستقلال… خريف السلاح" الذي أقيم في 27 تشرين الثاني 2011 في طرابلس، حيث تؤكد إحصاءات المنسقيات العكارية أن الحد الأدنى للمشاركة كان متوقعا بـ 25 ألف شخص من مختلف القرى والبلدات العكارية، في حين أن العدد لم يصل الى 17 ألفا، الأمر الذي رسم سلسلة من علامات الاستفهام لدى القيادة المركزية حول تغيير المزاج السياسي على الصعيد العكاري، والدور الفعلي الذي تقوم به هذه المنسقيات، بالإضافة إلى مؤشرات أخرى بدأت تظهر تباعا لجهة الانتقادات الحادة التي بدأ يسوقها كثير من الكوادر لقياداتهم، وانقطاع كثير من المجموعات الشعبية عن التواصل مع المنسقيات بسبب التوقف شبه الكامل عن تقديم المساعدات.

واللافت للانتباه أن كل الذين لجأوا الى الانكفاء لم يتجهوا نحو أي من التيارات أو الشخصيات السياسية الأخرى، بسبب غيابها المنطقي عن عكار التي أعطت "تيار المستقبل" في منذ العام 2005 وفي دورتين انتخابيتين 100% أي سبعة نواب دون حصول أي اختراقات من المرشحين الآخرين، الأمر الذي سيؤدي في ظل ما يشهده التيار الأزرق من أزمات الى فراغ سياسي في الساحة العكارية التي قد تشهد بعض الخروقات السياسية في المرحلة المقبلة إذا ما عملت بعض المرجعيات المعارضة لـ"تيار المستقبل" على محاولة ملء هذا الفراغ.
ولا شك في أن سعد الحريري يعي تماما معنى خسارة عكار، لذلك أعطى الضوء الأخضر للقيام بالمعالجات وفق الامكانيات المتاحة، وفي هذا الاطار علمت "السفير" أن قيادة المستقبل قررت تحريك هيئة التنسيق المشتركة التي تضم الأمين العام وأعضاء المكتب السياسي ونواب ومنسقي المحافظات، كل منها على حدة، وهي عقدت اجتماعها الأول منذ إعلان تأسيس التيار مساء أمس مع نواب ومنسقي ومكاتب منسقيات عكار وخصص لوضع استراتيجية جديدة لعكار سياسيا وإنمائيا، والبحث في مكامن الخلل الحاصل.

ولا يخفي أحد كبار مسؤولي "تيار المستقبل" في عكار أن الأمور ليست على ما يرام، وأن الشعار السياسي الداعم لثورة الشعب السوري هو الذي لا يزال يعطي التيار دفعا سياسيا ويغطي التقصير في الخدمات، لكنه في الوقت نفسه يرى أن المسألة التنظيمية لأي حزب أو تيار سياسي ليست بالأمر السهل، وان المعنى التسلسلي والهرمي بحاجة الى ثقافة غير موجودة حاليا في عكار، وهي تحتاج الى مزيد من الوقت، لافتا الانتباه الى أن الجمهور اعتاد على سلوك فتح حنفية المساعدات منذ العام 2005 وهذا الأمر لم يعد متوفرا اليوم، لكن ذلك لا يعني أن العكاريين تخلوا عن سعد الحريري، بل على العكس فإن العصبية لا تزال قائمة، والحالة الجماهيرية موجودة، لكنها بحاجة الى تأطير وفق القناعات والانتماء والولاء، وليس على أساس المصلحة والنفعية وتحقيق المكاسب". 

السابق
مسؤول أميركي: نقف على الحياد من سوريا.. ولا مواجهة عسكرية مع طهران
التالي
ابق على قلوبهم