الشيخ زيد فرحات يروي ذكرياته في النجف الأشرف

في الثالثة عشرة من عمره سافر الشيخ زيد فرحات في العام 1965 من بلدته عربصاليم إلى العراق لتحصيل العلوم الدينية في مركز المرجعية الشيعية مدينة النجف الأشرف التي يتوافد إليها الشيعة من كافة أنحاء العالم، لتلقي العلوم الدينية على أيدي المراجع الكبار. لم يكن الشيخ زيد أول المسافرين إلى النجف من بلدة عربصاليم بل سبقه إليها بسنوات والده الشيخ رضا فرحات وأخوه الشيخ محمود وكذلك الشيخ مرتضى حسن وأخوال الشيخ زيد كالشيخ محمد تقي الفقيه والشيخ علي الفقيه.

خمسة دنانير من السيد محسن الحكيم
عن أول ذكرياته في النجف يقول الشيخ زيد: بعد وصولي أنا وأخي الشيخ محمود إلى النجف قمنا بزيارة المرجع السيد محسن الحكيم، تقدمت منه وقبّلت يده، فأخرج خمسة دنانير عراقية لونها بنفسجي وأعطاني إياها قائلاً: إنها من سهم الإمام فاشتر بها الكتب".
يعود الشيخ زيد بذكرياته إلى مسكنه في النجف ويقول: بعد وصولي إلى النجف أمسكني أخي الشيخ محمود بيدي وصحبني إلى مسكن قريب من الحوزة، وكنت أنظر إلى الطرق الترابية البيضاء والبيوت الطينية البدائية، أنا القادم من سكن المدينة في برج حمود في بيروت. دخلت إلى باحة كبيرة تحتوي على أقسام داخلية للطالب الأعزب. أما المتزوج فيحصل على سكن خاص حول المدرسة أي خارجها، سكنت في غرفتي الخاصة، وكانت تحتوي على فرشة للنوم وسجادة ووسادة وكان أهلنا يرسلون لنا الأغطية من الكويت. والغرفة لم تكن تحتوي على هاتف أو تلفزيون أو راديو أو جرائد فكلها كانت ممنوعة لأن طالب العلم يجب أن يركز على دروسه فقط. الطعام أيضاً كان يتميز بالبساطة فهو عبارة عن أوقية لبنة ورغيف خبز وشاي. هذه الحاجيات كان يؤمنها المعاش الشهري المؤلف من ثلاثة دنانير للطالب الأعزب وخمسة دنانير للمتزوج. وعدم وجود وسائل اتصال وترفيه والبعد عن العائلة والوطن جعل الكتاب الوسيلة الوحيدة للاتصال الفكري والاجتماعي.. وعن ذكرياته عن الكتاب يقول الشيخ زيد: أما الكتب فكنا نقبل عليها بشغف ونشتري الكتاب بالتقسيط ونأتي بصناديق الخشب ونحوّلها إلى رفوف مكتبة نضع عليها الكتب.
ذكريات النجف لا تنتهي من البيت إلى المدرسة او الحوزة والتي كان مسؤولها آنذاك الشيخ محمد كاشف الغطاء.
 زملاء الدراسة
• من كانوا زملاءك في الدراسة؟
الشهيد السيد عباس الموسوي، المحقق السيد جعفر مرتضى الشيخ حسين كوراني، والشيخ صبحي الطفيلي، زملاء الدراسة وزملاء السيرمشياً إلى كربلاء.
عن السير مشياً إلى كربلاء يقول الشيخ زيد: لا أنسى ذلك اليوم حين ذهبنا مشياً على الأقدام من النجف الأشرف إلى كربلاء في زيارة أربعين الإمام الحسين(ع).

سقف ترابي
غطينا سقف الحوزة بالشرشف كي لا يتساقط التراب على رؤسنا. أما ظروف الدراسة فكانت صعبة لبدائية الحوزة التي درسنا فيها. فقد كان السقف يتساقط منه التراب وكنا نغطيه بالشرشف كي لا ينهال التراب على رؤوسنا، وكنا وزملائي نراقب حبات التراب المتساقطة على رؤوسنا ونضحك ويتجهّم الأستاذ لنعود إلى الدرس.
رغم الصعوبات كنا سعداء وتفرغنا للدراسة فقط وكان وجودنا مع أبناء الجنوب يخفف عنا وطأة الغربة والبعد عن الأهل، وكنا مجموعة طلاب من قرى ياطر وكفرا وحداثا وبنت جبيل وجباع وعربصاليم.
• من هم أهم العلماء الذين درستُ عليهم؟
تميز الأساتذة في النجف في ذلك الوقت ومنهم السيد عبد المجيد الحكيم وعلاء الحكيم وجمال الخوئي وأبو القاسم الكوكبي وعلي الفالي وكلهم سادة. وكان الأستاذ منهم يفتح الكتاب ويقول: درسني هذا الدرس يا شيخ أي إشرحه بلغة عربية فصيحة.

على ضفاف الفرات
أهم ما يميز الدراسة في الحوزة الوقت الثمين فالطالب يقضي كل وقته في الدرس والبحث والقراءة. على ضفاف الفرات. الأيام المتواصلة للدرس كان لا بد لها من استراحة، فكانت يومي الخميس والجمعة عطلة. ليلة الخميس كنا نحضر مجلس عزاء في منزل الشيخ محمد تقي الفقيه. ونناقش المسائل العلمية مع الشيخ حسن عسيلي، كانت الأحاديث تدور حول الفقه والأدب والفلسفة، كان العلماء يتمتعون بذوق أدبي رفيع.
زيارات الأقارب الأصدقاء كانت نهار الخميس بعيداً عن جو الدراسة في اليوم التالي أي نهار الجمعة، نذهب للتنزّه على شاطئ الفرات الكبير وهو كان المتنفس الوحيد لنا.

حوزة النجف والمرحلة الذهبية 1965 – 1975
عندما وصل الشيخ زيد إلى النجف كانت معزولة عن النشاط السياسي وكانت العراق تتمتع بالاستقرار السياسي في عهد عبد السلام عارف. ظل الطلاب يدرسون في جو هادئ حتى اضطربت الأوضاع السياسية في البلاد فجرت عمليات تهجير قسرية للأساتذة في الحوزة. "وبقيت في النجف حتى العام 1973 حيث اشتد الصراع السياسي، وتدهور الوضع الأمني، فذهبت إلى إيران لمتابعة التحصيل العلمي في مدينة "قم" المقدسة حتى عدت إلى لبنان.
 

السابق
ما بعد أحداث سورية
التالي
دو فريج: نحاس يستعمل ملف الأجور لضرب سياسة رفيق الحريري الاقتصادية