وداعا ‬للديكتاتوريات

تميّزت سنة 2011 المنصرمة بسقوط الديكتاتوريات في العديد من بلدان العالم العربي التي عانت وتعاني من حكم الفرد والإفتقار الى المؤسّسات الجدّية، والاستمرار في السلطة مدى الحياة، ناهيك عن التوريث باسم النظام الجمهوري بينما هي فعلاً أنظمة إستبدادية، الجمهور فيها مكبوت مغلوب على أمره تنتهب ثرواته الوطنية باسم الاشتراكية المزعومة والقومية المفترضة الى آخر التسميات الفارغة من كل مضمون.
وكان مفترضاً بهذه الديكتاتوريات أن تسقط من زمان، وبالتحديد منذ أكثر من عقدين، أي منذ سقوط الاتحاد السوڤياتي في أواخر عقد الثمانينات من القرن العشرين الماضي، بعدما كان العالم منقسماً، عملياً بين نظامين: الشيوعية وحلفاؤها في الكتلة الشرقية بزعامة موسكو، والنظام الليبرالي الحر في الغرب (أميركا وأوروبا) بزعامة واشنطن.
وهذا السقوط الذي تأخر أكثر من عقدين بدأ في تونس بعدما نجح »البوعزيزي«، بحرق نفسه في منطقة تونسية نائية، أن يولع الانتفاضة الشعبية في العاصمة تونس وسائر مناطق البلاد، ما دفع الرئيس السابق زين العابدين بن علي الى أن يولي الأدبار هارباً بعد ستة عشر يوماً من انطلاقة الانتفاضة الشعبية التي كانت البداية في هزّ أولى الديكتاتوريات في العالم العربي.أمّا السقوط الثاني فحصل في مصر عندما أطاحت »ثورة الفايسبوك« الرئيس السابق حسني مبارك بعد ثلاثة أسابيع على انطلاقتها، فسقطت ديكتاتوريات ما كان أحدٌ يحلم بسقوطها، وقد كانت تهيّىء للتمديد المباشر في الحكم عبر مبارك نفسه، أو غير المباشر عبر نجله جمال الذي يمثل وأخاه ووالدهما أمام القضاء المصري.
وبقدر ما كان السقوط الثاني مدويّاً كان السقوط الثالث أشد دوياً عندما أطاحت الثورة، المدعومة عسكرياً من الحلف الاطلسي، أحد أكثر الحكام استبداداً وظلماً وأحادية. فسقط معمّر القذافي الحاكم الفرد المطلق الذي يدّعي أنّ لا سلطة له إنما السلطة للشعب، الزاعم نفسه ملك ملوك افريقيا… لينتهي في مجرور مياه للصرف الصحّي، حيث نفّذ فيه الشعب حكماً ميدانياً بالإعدام، علماً أنّ ليبيا لم تكن دولة ولا شبه دولة، بل مجرّد تكية لديكتاتور يستبيح البشر والحجر.
أمّا السقوط الرابع ففي اليمن حيث أصبح الرئيس علي عبدالله صالح خارج الصورة عملياً، وقد أفلتت مقاليد الحكم من قبضته بعدما مدّد لنفسه مراراً وتكراراً مدّعياً أنّه رئيس ديموقراطي، وهو الذي انتفض الشعب عليه وأطاحه ليدخل اليمن، تدريجاً، في نظام ديموقراطي.
ويأتي السقوط الخامس على الطريق في سوريا. وهي مسألة وقت قبل أن تتحقق إرادة الشعب في نظام ديموقراطي برلماني تعدّدي حقيقي… وسواء أطال هذا الوقت أم قصر، فإنّ النهاية حتمية للنظام الديكتاتوري الأحادي. ونأمل ألاّ يطول الوقت لتحقيق ذلك رحمة بالناس الذين يتساقطون يومياً، ووقفاً للأضرار الجسيمة في الممتلكات والمباني التي تدكها آلة النظام موتاً ودماراً.
وفي مجال موازٍ، تجدر الإشارة الى الضربة التي حققتها الولايات المتحدة الأميركية لـ»القاعدة« بالقضاء على مؤسّسها وزعيمها اسامة بن لادن الذي اصطادته في الباكستان.
وبينما كانت الديكتاتوريات تتهاوى تباعاً في البلدان العربية، كان -من أسفٍ- يحدث أمر عكسي في لبنان يتعارض وطبيعة الشعب الديموقراطي وذلك بتحقيق حزب الله إنقلابه الشهير على الديموقراطية، عبر السلاح والقمصان السود، فشكلت للمرة الأولى حكومة اللون الواحد التي جلبت النتائج الكارثية على مقوّمات البلد السياسية والميثاقية والاقتصادية… حدث ذلك فيما كان يجب أن يقطف لبنان ثمار هذه التحوّلات نحو الديموقراطية في العالم العربي كونه سبّاقاً في هذا المجال، وعريقاً في ممارسته.
وفي النهاية، لا يمكن تصنيف سنة 2011 إلاّ بالسنة التاريخية خصوصاً في العالم العربي الذي يشهد هذا التحوّل الكبير الذي تتحقق فيه إرادة الشعوب في الحياة الحرّة الكريمة.

السابق
البحرين تستضيف شبكة الوليد بن طلال الإخبارية
التالي
قتيل بطلق ناري من بندقية صيد في جنوب لبنان