اذا لم يهاجم.. فليهدد على الاقل

إذا ما هاجمت اميركا في أي وقت من الاوقات ايران، سيكون ممكنا القول ان المؤشر العلني الواضح الاول على مثل هذا التطور حصل امس (الاول)، 20 كانون الاول 2011. بعد سلسلة طويلة من التصريحات الواهنة، الاشارات المتضاربة والتلعثمات المحرجة، وزير الدفاع الاميركي، ليئون بانيتا ذات الوزير بالضبط الذي سكب علينا ماء باردة في الموضوع الايراني في الاسابيع الاخيرة، يستقيم يمينا: الجدول الزمني للنووي التنفيذي في ايران يقصر الى «في غضون سنة»، والولايات المتحدة، هكذا زعم بانيتا، لن تسمح لهذا بأن يحصل. نعم، اذا كانت حاجة، فإنها ستستخدم القوة. بانيتا قال ذلك في مقابلة مسجلة، فيما يلقي بنظرة مصممة نحو الكاميرة. فهل يحتمل ان يكونوا فهموا أخيرا؟

إذًا هذا هو، أنه ليس مؤكدا حقا. ما فهموه هو أن سلسلة التصريحات الانهزامية التي اطلقوها تلحق ضررا هائلا، تشعل نار النووي في ايران وتدفع آيات الله الى السير قدما بكل القوة. في منتدى سبان الماضي وصلت الامور الى ذروتها في تصريحات بانيتا نفسه. الحوار بين الاسرائيليين والاميركيين كان حوار طرشان، حين شدد الاميركيون المرة تلو الاخرى على كل النواقص التي في الهجوم على ايران، والاسرائيليون يشرحون لهم ردا على ذلك، بأن احدا لا يصدق الولايات المتحدة حين تقول ان «كل الخيارات على الطاولة». والان، كما يؤكد الانطباع، فهموا على الاقل هذه النقطة؛ بانه حتى لو كانوا لا يقصدون الهجوم، فانهم ملزمون بالتهديد بجدية وبصوت عالٍ. ان يظهروا كمن يعتزمون الهجوم. إذ إن المرة الوحيدة التي جمدت فيها ايران برنامجها العسكري في الموضوع النووي، كانت عشية الاجتياح الاميركي للعراق. الامر الذي يثبت بان الايرانيين يفهمون لغة القوة ولا يتطوعون لضرب الرأس في الحائط. الان، اخيرا، يؤخذ الانطباع بان الحائط ايضا فهم هذا. المؤشر الاول كان مقالا كتبه السفير الاميركي في اسرائيل دان شبيرو في «معاريف» قبل بضعة أسابيع، بعد ذلك جاءت أقوال دنيس روس الاسبوع الماضي، والان جاء انفجار بانيتا.

الى الامام: ما معنى هذا الجدول الزمني الجديد، على حد قول بانيتا، الذي يتحدث عن «في غضون سنة»؟ يتبين أن الفرحة مبكرة. لا، الاميركيون لا يعتقدون انه في غضون سنة توجد قنبلة تنفيذية في ايران. هم يعتقدون بأن الايرانيين يوجدون في وضع فيه «زمن الهجوم» عندهم نحو القنبلة هو سنة واحدة، زائد – ناقص. من اللحظة التي يتوصلون فيها الى القرار بانهم سيهجمون، أو يسترقون الخطى نحو القنبلة، القرار الذي يستدعي طرد مراقبي الامم المتحدة ومواجهة علنية مع العالم، ستمر سنة الى أن يتحقق الهدف النهائي. الايرانيون لم يتخذوا هذا القرار بعد. وعليه فالحديث يدور عن سنة، ولكن ليس واضحا منذ متى يبدأ عدها.

وها هي بضعة تحفظات اخرى: اذا كان الاميركيون مصممين بالفعل ويتحدثون عن خيار تنفيذي، فكيف حصل أنهم غير مستعدين حتى لفرض عقوبات على البنك المركزي الايراني؟ مجلس الشيوخ مستعد، مجلس النواب مستعد، محافل في الادارة مستعدة، أما البيت الابيض فلا. ولا حتى لسماع ذلك. لماذا؟ هذا بسيط؟ عقوبات على البنك المركزي الايراني هي أزمة نفط، هي رفع اسعار كبير للوقود، وهذا يعني ان فرص باراك اوباما لينتخب من جديد للرئاسة في تشرين الثاني القادم تشبه فرص بشار الاسد ليكون رئيس سوريا في ذات الموعد. ولما كان ليس لاوباما نية الانتحار، فانه يبقي حاليا البنك المركزي الايراني خارج اللعبة. إذًا الهجوم؟ واضح ان لا. إذ في النهاية، حيثما نظرنا الى هذا، سنصل الى ذات الاستنتاج البائس: بالنسبة لنا النووي الايراني هو مسألة حياة؛ بالنسبة لاميركا هذه مسألة غلاء معيشة. حتى ما بعد تشرين الثاني يبقى الاميركيون عالقين مع الانتخابات، وعليه فمن الصعب التصديق بانهم سيهاجمون شيئا أو أحدا. وبعد تشرين الثاني، هذا قد يكون، حسب الجدول الزمني، متأخر جدا. خائفون؟ نحن أيضا.
  

السابق
يوجد شعب فلسطيني يا سيد غينغريتش
التالي
بطولة الفلسطينيين في مواجهة اسرائيل