ثقل عون ضمانة للنظام السوري!

يفترض في النظام السوري الشعور حقّا بأنّ الأمور ليست على ما يرام بالنسبة إلى مستقبله. يكفيه التمعّن بالموقف الذي اتّخذه النائب اللبناني المسيحي ميشال عون كي يشعر بأن الامور لا تسير حسب الخطة المرسومة التي يمكن أن توصله إلى شاطئ الأمان…
رمى ميشال عون، وهو بحدّ ذاته نكتة سمجة اسمها «الجنرال»، بثقله خلف النظام السوري. والرجل ثقيل فعلا، ذلك أن الذين يقهقهون لنكاته السخيفة، إضافة إلى شخصه الكريم طبعا، هم الوحيدون الذي يتفوقون عليه بثقل الدم والسطحية. كيف يمكن للنظام السوري أن يكون له مستقبل آخر غير السقوط المريع ما دام عون، الحليف السابق لصدّام حسين يؤيده. هل من مصير لأيّ نظام يحظى بدعم «الجنرال» غير مصير صدّام ونظامه؟ إن ثقل ميشال عون يشكّل أفضل ضمانة للمصير القاتم الذي ينتظر نظاما يعتقد أن في استطاعته الانتصار على شعبه عن طريق القمع…

بعيدا عن الجدل الدائر في شأن من بين اللبنانيين يؤيد النظام السوري ومن يقف مع الشعب السوري وثورته الأصيلة، لا مفرّ من الاعتراف بأن جامعة الدول العربية اتخذت أخيرا موقفا كان يفترض عليها اتخاذه قبل اربعين عاما واكثر، اي منذ بدأ النظام السوري يرسل أسلحة ومسلحين إلى لبنان بهدف زعزعة الاستقرار في الوطن الصغير وتحويل مسيحييه إلى أهل ذمّة في حاجة مستمرة إلى حمايته. من سلّح الفلسطينيين في لبنان هو النظام السوري ومن اغرق الفلسطينيين في المستنقع اللبناني هو النظام السوري، ومن كان يسلّح الميليشيات المسيحية بين حين وآخر بحجة التخلص من الوجود الفلسطيني هو النظام السوري ولا أحد غير النظام السوري… إلى أن دخلت إسرائيل، في وقت لاحق، على الخط!
 لا حاجة إلى تعداد أفضال النظام السوري على لبنان، بما في ذلك ادخال عناصر «الحرس الثوري» الإيراني إلى أراضيه، وذلك منذ توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم الذي فرض على الوطن الصغير فرضا في العام 1969. وقتذاك، لم يتجرّأ أي من العرب على الخروج عن صمته وقول كلمة حق من نوع: لماذا الهرب إلى لبنان وإلى جنوبه تحديدا على الرغم من أنه لا يمتلك سوى قدرات عسكرية محدودة جدّا ويعتبر رسميا دولة «مساندة» وليس دولة «مواجهة»؟
من حسن الحظ أنه بات هناك الآن بين العرب من يقول للنظام السوري بالفم الملآن أن كفى تعني كفى وأن افضل ما يمكن أن يفعله الرئيس بشّار الأسد هو التنحي. يظلّ التنحي افضل خدمة يمكن تقديمها لسورية ولبنان والاردن والعراق وكلّ بلد من دول المنطقة، خصوصا دول الخليج العربي. التنحي اليوم قبل غد، نظرا إلى أنه كلّما مرّ يوم آخر يزداد عدد الشهداء في صفوف الشعب السوري وتزداد مخاطر الحرب الاهلية في البلد.

تكمن المشكلة الاكبر التي تواجه النظام وادواته القمعية والمستفيدين منه من «الشبيحة» في أن سورية كلها تقف في وجه النظام. سورية كلّها تريد التغيير. من كان يتصوّر أن اهل السنّة في درعا سيقفون يوما في وجه النظام. إلى الامس القريب كانت درعا تعتبر من المدن التي يعتمد عليها النظام. كان اهلها واهل المناطق المحيطة بها من المحظيين الذين يمكن الاعتماد عليهم في عملية توسيع الرقعة الجغرافية الموالية بشكل مباشر للأسرة الحاكمة.
هناك سورية جديدة تولد حاليا. هذا ما يفترض أن يستوعبه النظام. في النهاية هل يستطيع النظام القضاء على حمص وحماة ودرعا ودير الزور والقامشلي وعشرات المدن والبلدات والقرى، ام أن هذه المدن والبلدات والقرى باقية إلى الابد والنظام زائل؟ انها معادلة في غاية البساطة في اساسها أن حماة انتفضت في العام 1964 ثم في العام 1982 وها هي تنتفض اليوم مجددا وإلى جانبها حمص وكلّ المنطقة المحيطة بها… وصولا إلى ادلب!

تلك هي المعادلة التي يرفض النظام السوري التعاطي معها. لذلك، لا يستطيع النظام الاخذ والرد مع جامعة الدول العربية. لا يستطيع بكل بساطة قبول أي مبادرة عربية، أو استقبال مراقبين يجولون بحرية في الأراضي السورية. فقد النظام أي رابط مع الحقيقة والواقع تماما كما حصل مع معمّر القذّافي الذي اعتقد أن ملايين الليبيين واقعون في غرامه وهم على استعداد للسير معه إلى النهاية. لا يدري النظام السوري أن هناك مرحلة انتهت وأن مشكلته قائمة مع الشعب السوري وليست مع اي طرف آخر، وأن المطلوب اليوم قبل غد إيجاد مخرج، أقلّه من أجل وضع حدّ لحمام الدمّ…

اثبت الشعب السوري أنه شعب عظيم يرفض العبودية إلى ما لا نهاية. إذا بنا نكتشف سورية ونكتشف الشعب السوري. ما نشهده اليوم في كل زاوية من زوايا سورية ثورة حقيقية ولا شيء غير ذلك. من يقول عكس هذا الكلام لكبار المسؤولين السوريين لا يريد الخير لهم ولابنائهم ولا لسورية والسوريين. فما لا يمكن تجاهله أن كلّ كلام عن اصلاحات في سورية لا معنى له لا من قريب ولا من بعيد. هناك نظام لا يمكن إصلاحه. هذا النظام وصل إلى نهاية النهاية. المسألة مسألة وقت فقط. حاول النظام في البداية إلقاء المسؤولية على الاستقلاليين والوطنيين في لبنان، فاتهمهم بتهريب أسلحة إلى سورية. لم يستطع تقديم ايّ اثبات على ذلك. سعى حتى إلى التهديد بأنه قادر على اعادة فتح جبهة الجولان وتغيير الوضع السائد في جنوب لبنان. فشل في ذلك فشلا ذريعا. ليس هناك من يريد اخذ تهديدات النظام على محمل الجد.

صار النظام السوري مكشوفا. اللعبة الروسية تضرّه أكثر مما تفيده. ماذا فعل الاتحاد السوفياتي للعراق في العام 1990؟ وماذا فعلت روسيا لـ «جماهيرية» معمّر القذّافي… وللقذّافي نفسه في السنة 2011؟
عندما يقف ميشال عون مع النظام السوري، يفترض بهذا النظام أن يقلق. في الأعوام 1988 و1989 و1990، وعد «الجنرال» اللبنانيين بتخليصهم من الوصاية السورية. وقتذاك، كان قائدا للجيش اللبناني ورئيسا لحكومة موقتة مهمتها الوحيدة الإعداد لانتخابات رئاسية. كان يقيم في قصر بعبدا. كانت النتيجة أن ميشال عون فعل كلّ شيء من أجل تمكين القوات السورية من دخول قصر الرئاسة ووزارة الدفاع اللبنانية للمرة الأولى منذ استقلّ الوطن الصغير. كانت حساباته خاطئة مئة في المئة. وسع النظام السوري من وصايته على لبنان وعزز سيطرته على البلد بفضل ميشال عون…

من حسن حظ لبنان في السنة 2011 وقوف «الجنرال» مع النظام السوري. مع مثل هذا النوع من الحلفاء لا تعود هناك حاجة إلى اعداء فمع وقوف عون إلى جانبه، لم يبق أمام النظام السوري سوى البحث عن كيفية الرحيل في أسرع وقت. اليوم قبل غد، وغدا قبل بعد غد…رأفة بسورية والسوريين، وحتى بأهل النظام، قبل أيّ شيء آخر! 

السابق
سايكس والتويتر
التالي
الانباء: الحريري لنصرالله: كيف يغطي حزب الله تمويل محكمة يقولون إنها إسرائيلية؟