مهرجان طرابلس: الفشل المستدام

ليس معلوماً بعد ما إذا كان قادة تيار «المستقبل» مسرورين فعلاً بنتائج مهرجان طرابلس أمس. لكن الشفافية المفرطة في قيادة هذا الفريق، والناجمة عن فوضى المسؤوليات لا أكثر، ستكون كفيلة بشرح حقيقة الأمر خلال الساعات المقبلة. بضعة آلاف تجمعوا في قاعة معرض رشيد كرامي الدولي وبضع مئات خارجها. والخطيب الفعلي الوحيد الذي أمكن الاستماع إليه هو أبو العبد كبارة؛ فهو الأكثر تعبيراً عما يجول في عقول قيادات هذا التيار وقواعده. أما خالد ضاهر، وهو اليد العملانية، فباله مشغول في كيفية مقارعة من وعدوه بالقدوم من عكار ولم يفعلوا. أما بقية الإضافات والابتسامات والأغاني والأعلام، فكلها غير ذات شأن، اللهم إلا إذا قرر أحدهم مصارحة نفسه أولاً، ومن ثم الجمهور، في سبب الخشية من دعوة قادة «القوات اللبنانية» إلى الاحتفال، أو إعطاء أحد من هؤلاء كلمة في المهرجان.

ما قاله سمير الجسر عادي إلى أبعد الحدود، ولو أن الرجل حاول رفع نبرة صوته منعاً لمقارنة تلقائية مع الابن الضال مصطفى علوش. مروان حمادة، هو خطيب الوقت الضائع. يمكن المرء أن يعرف مسبقاً، وقبل شهر، ما ستتضمنه كلمته أو تصريحاته أو خطبه، علماً بأنه يجيد التعبير عنها بطريقة أوضح من خلال ما نقرأه يومياً في صفحات «النهار» و«الأوريان لوجور». أما بطرس حرب، فيكفي تقديم «الرفيق» جورج بكاسيني له، حتى يتبين لنا موقع النائب الصديق للولايات المتحدة الأميركية.
إلا أن الخطاب الفصل الذي أُريد للرئيس فؤاد السنيورة إلقاؤه باسم الرئيس سعد الحريري، فكان أجدى استبداله برسائل الحريري عبر «تويتر»؛ لأنها كانت أكثر وضوحاً وفاعلية.
 على أي حال، المهرجان لم ينفع في خلق وقائع جديدة، وخصوصاً أنه يحلو لأنصار 14 آذار، ومذ أصابهم الخواء السياسي، أن يطلقوا تأريخاً سياسياً على كل حفل، مثل القول قبل أيام: «ما قبل مهرجان طرابلس ليس كما بعده»، إلى آخر الكلمات من هذا النوع. علماً بأن هذا الفريق يعرف أن جدول أعماله ليس معداً لاحتفالات من هذا النوع؛ لأن ما هو مطلوب من تيار المستقبل، على وجه التحديد، هو العمل في الليل، وخصوصاً في ليالي عكار والبقاع الشمالي، حيث تتطور يوماً بعد يوم قواعد الدعم لمسلحي «المجلس الوطني السوري» الذين يرتكبون المجازر بحق مدنيين سوريين على خلفيات طائفية ويقومون بعمليات عسكرية ضد أهداف رسمية وضد قوات الجيش والأمن هناك. أما بقية القوى، فليس مطلوباً منها سوى التحريض. وكان هناك اعتقاد بأن مهرجان أمس سيتحول ورقة ضغط على الرئيس نجيب ميقاتي في ملف الحكومة. لكن الأخير لم يسحب الذريعة، كما يقول أنصاره، بل سايرهم قبل أن يطلبوا منه خوض معركة تمويل المحكمة. وميقاتي الذي قرر الخروج من التحالف مع سوريا وفريق 8 آذار في أسرع وقت ممكن، يعرف أنه لا ينتقل إلى الفريق الآخر، حيث لا مكان له إلا في الصفوف الخلفية، بينما عليه البحث عن وضعية سياسية ربما كانت تقوم على نظريته الجديدة: «النأي بالنفس» عن الأحداث الساخنة محلياً وعربياً ودولياً.
غداً يوم آخر. ستنشغل وسائل إعلام آل الحريري، ومعها بعض وسائل إعلام آل سعود، بنشر أخبار وتقارير وتحليلات عن مهرجان أمس. لكنهم سرعان ما سيعودون إلى وعيهم، ليشاهدوا طرابلس نفسها، وهي توسع المسافة بينها وبين خطابهم ومواقفهم وخططهم. وليس لهم في مواجهة التغيير القائم، بمعزل عن حجمه، سوى التحامل على حزب الله واتهامه بتحويل المدينة إلى مربعات أمنية وما شابه. علماً بأن أبو العبد أضاف فتحاً جديداً في اتهام حزب الله أمس، عندما أشار إلى أن قاتل الصبية ميريام الأشقر في ساحل علما إنما هو ضابط استخبارات أرسله حزب الله والسوريون لمراقبة بكركي!

لكن ما يمكن قراءته بوضوح في خطب طرابلس أمس معروف منذ أن سقطت حكومة سعد الحريري. أي إن هذا الفريق لم يعد يجد لنفسه مكاناً في السياسة المحلية أو الإقليمية إلا بعد اتضاح صورة الموقف في سوريا. وما الوضوح في الانحياز إلى المحور التركي ــــ الخليجي ــــ الغربي الناشط لإسقاط الرئيس بشار الأسد، إلا الإشارة الأكيدة إلى أنه لم يعد هناك من وسيلة تعيد هؤلاء إلى السلطة، أو حتى إعادة شد عصبية المؤيدين، إلا في حال تحقُّق تغيير كبير على صعيد المنطقة، وهو ما شرحه الرئيس سعد الحريري لزواره في باريس أخيراً، الذين نقلوا عنه «اقتناعه بأن الأسد سيسقط قريباً وستنهار بعده كل الجبهة القائمة في لبنان».

هذا يعني، ببساطة، توقع المزيد من النشاط السياسي والإعلامي والأمني من جانب القوى الفاعلة في فريق 14 آذار على الملف السوري، وبكل الأشكال المتاحة. وإذا كانت بعض الأعمال قد جرت في الخفاء سابقاً، فإن النية عند هذا الفريق في جعلها مهمة نضالية وواجباً شرعياً أيضاً. وهذا الأمر يتطلب حملة على الدولة وعلى مؤسساتها، وخصوصاً على الجيش اللبناني، لمنعه من القيام بأي إجراءات تهدف أو تؤدي إلى تضييق الخناق على المسلحين، وهو الأمر الذي حصل بعد عمليات أمنية للجيش في وادي خالد وعرسال. وكذلك سينتج هذا الفريق المزيد من الفبركات عن دور عملاني لحزب الله في سوريا، للقول إنه مثلما يدعم حزب الله النظام سندعم معارضيه. علماً بأن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية أبلغت قادة هذا الفريق أن كل ما لديها من معلومات لا يشير إلى وجود أي عناصر لحزب الله على الأرض في سوريا.

أما الجانب الآخر من السجال، فلن يكون هذا الفريق مصدراً له، أو عنصراً مبادراً فيه، وهو الجانب المتصل بواقع الدولة بعد استقالة حكومة ميقاتي. وهو واقع صعب ومعقد إن عاشت البلاد مرحلة طويلة من تصريف الأعمال، أو إن توافرت لفريق 8 آذار الفرصة لتأليف حكومة جديدة، وهو أمر غير محسوم أبداً. بل إن المعطيات تدل على مرحلة سياسية متوترة، عسى ألا تترافق مع توترات أمنية أو مواجهات أهلية في أكثر من منطقة. علماً بأن منطق الأمور والوقائع يشير إلى أنه في حال بروز توترات، فهي ستكون في المناطق التي يعدّها هذا الفريق معاقل له. فكيف إذا كان الانقسام السياسي قد وصل إلى مرحلة لا ينفع فيها أي كلام أو نقاش أو حوار؟ صار الكل الآن في موقع المنتظر للخطوة التالية. وهذه الخطوة، تأتي كما هي العادة، من خارج الحدود. إلى الشرق در! 

السابق
النهار: العرب باستثناء لبنان والعراق يعاقبون سوريا
التالي
شكاوى على السفيرة