موريس زرد: باولونيا…كنز اقتصادي وبيئي علينا الاهتمام به

ما المانع أن نعيد لبنان الأخضر كما كان بتشجير غاباته وجباله، وما المانع أن يكون لدينا صناعة تسد عجز الدولة، ونعيد للبيئة الحياة، ما المانع بأن نؤمن عمل للشباب، ما المانع بأن نواجه التصحّر ونزرع الأشجار التي تحافظ على المياه داخل الأرض وتعيد الاخضرار إلى ربوع الوطن، ما المانع بأن نعزز زراعة الباولونيا ليكون لدينا غابات خضراء وصناعة منتجة وبيئة سليمة؟
بزراعة شجرة الباولونيا.. نعم، إنها الباولونيا ذات المنافع البيئية والاقتصادية والجمالية المتعددة والهامة، والتي بزراعتها نكافح التصحّر ونمنع الفقر.

مكافحة التصحّر
بهذه الكلمات استهلّ الشيخ موريس زرد حديثه، الرجل الذي يسعى لأن يعود لبنان الأخضر كما كان، بعد أن نهشت الحرائق والكسارات جباله الخضراء. وقال: "إنها الباولونيا العلاج الأفضل لمكافحة التصحّر". هو ليس بتاجر ويريد أن يروّج لسلعة، هو ليس بسياسي يسعى لأن ينال منصباً بل هو مواطن لبناني تغرّب عن وطنه لمدة زادت عن النصف قرن وعاد إليه فحزن لرؤية جباله وقد أتلف الإنسان معالمها الخضراء، وبعد عملية البحث والتنقيب عن شجر سريع النمو يحلّ مكان المساحات الخضراء التي اندثرت وجد الباولونيا التي يقول: "إنها ثروة حقيقية، على الدولة أن تعزز زراعتها وأن تُعيد دراسة تحريج الغابات والمحافظة عليها، ويجب أن يكون في الجامعات مناهج تعلّم تأسيس غابات وصيانتها، ولا يجب التغاضي عن هذا الموضوع، وعلينا العمل على ذلك بأسرع وقت كي نُعيد الكنز البيئي الذي افتقدناه، كما علينا أن نعالج السبب بتلقي العلاج وليس بالمسكنات، فالدولة تعمل على إخماد الحرائق في الغابات ولا تعمل على حمايتها وإعادة تشجيرها، بالرغم من أن لبنان يملك سلسلة الجبال الشرقية الهامة، فلو كانت إسرائيل هي من تملكها لحوّلتها لغابات ساحرة، لكن مع الأسف فالدولة تُولي اهتماماتها فقط للتجاذبات السياسية، وتنسى الأمور الاقتصادية والبيئية".. وأضاف "لو عززنا موضوع الزراعة في لبنان نغطي 50% من الاقتصاد اللبناني، ولا ننسى أن عملية التشجير تساعد بإبقاء المياه داخل الأرض وعدم انجرافها مع السيول دون فائدة، وبالتالي نعمل على مكافحة التصحّر، ولماذا لا نستطيع أن نُعيد الاخضرار إلى ربوع الوطن بعد أن وصل غيرنا إلى القمر، وهناك من يجد الأعذار بعدم وجود المياه، بالرغم من أننا قادرون على إقامة السدود والبحيرات والبرك الاصطناعية من أجل حفظ المياه واستخدامها للري، ولو كان لدينا إصرار وهدف على إنقاذ ثروتنا الطبيعية من الاندثار لاستطعنا، سيما أننا وجدنا البديل المناسب كشجرة الباولونيا، او أي نوع آخر من الأشجار التي تحمل الخصائص المشابهة لها والتي تزيد عن 400 صنف".

فوائدها
يضيف زرد: "إنها ذات فوائد عديدة تعمل على تنقية الجو، وهي أسرع الأشجار في النمو والإنتاج، كما أن خشبها عالي الجودة، ويمكن استعمال ورقها كعلف للحيوانات ولتسميد التربة، فضلاً عن شكلها الجميل وأزهارها الرائعة في فصل الربيع التي تصلح طعاماً للنحل، ولتزيين باقات الأزهار ذات الأحجام الكبيرة، وهي لا تقلّ أهمية عن البترول الذي ينفذ بعد فترة من آبار النفط بينما تبقى الباولونيا طوال العمر، وتتجدّد تلقائياً بعد قطعها وتعود لتفرّخ من جديد وتعود أنشط من قبل".
عن كيفية عثوره على هذه الشجرة، يقول: "لقد بحثت على الانترنت عن شجر يكون سريع النمو من أجل زراعته على جبال لبنان، فوجدت الباولونيا التي أدهشتني خصائصها، واشتريت من استراليا 2500 شلش زرعتهم وقمت بتوزيعهم فيما بعد على المزارعين والبيئيين".
وعن أصلها يقول إنها "من الصين وتنتج الخشب بعد زراعتها بست سنوات والطلب يتزايد عليها يوماً بعد يوم في اليابان واستراليا ودول الخليج… ففي إيرلندا يعملون اليوم على زراعتها وقطعها بعد سنة أو أكثر من أجل استعمالها للحطب وذلك لتوليد الكهرباء ونظراً لبقائها مشتعلة وقت طويل وعدم الاضطرار لتجفيفها في الأفران".

مميزاتها
وعن خشبها يخبرنا بأنه "صلب وخفيف الوزن وغير قابل للالتواء أو الكسر والتشقق ويسهل تصنيفه ويتحمل درجات عالية من الحرارة التي تصل إلى 430 درجة وهو عازل للحرارة والرطوبة والدخان ومقاوم للحشرات والانتفاخ ويسهل تجفيفه في الهواء الطلق، فيحتاج إلى شهر أو أكثر، وقابل للتلوين نظراً للونه الأصلي الفاتح الذي يسمح بتقليد ألوان الخشب الصناعية، وهو متعدد الاستخدام في كافة الصناعات الخشبية ويُباع بسعر ما بين 900 إلى 2000 دولار للمتر المكعّب الواحد كل عشر سنوات".
وعن منافعها البيئية والجمالية يؤكد بأنها "تكمن بنموها السريع الذي يشكل غطاء أخضر جميل للطبيعة كما أنها تعمل على تنقية الهواء أكثر بعشر أضعاف من أية شجرة أخرى وتتميز بأنها من الأشجار الوارفة الظل التي يمكن زراعتها في كافة المناطق الجغرافية من الساحل وصولاً إلى ارتفاع 2000 متر عن سطح البحر، وتتحمل درجة حرارة من 10 تحت الصفر إلى 40 فوق الصفر، وتنمو في أراضي هامشية وتتماشى مع كافة الأشجار في البساتين، ولا تأخذ مساحة كبيرة، ولا تحجب أشعة الشمس عن الأشجار الأخرى، كما أن شلشها يغرس طويلاً في الأرض ولا يتشعب داخلها فلا يأخذ مساحة ولا يؤذي شلش الأشجار المجاورة، إضافة إلى شلشها يسحب مواد وفيتامينات جديدة من أعمق باطن الأرض نادرة الوجود ويغذي سطح التربة بواسطة أوراقها التي تتساقط وتعطي الأرض الفيتامين الذي تفتقده وتعمل على سحب المياه في باطن الأرض، كما يمكن زراعتها في حقول القمح حيث أن وجودها في الأرض يعطيها القوة، وبالتالي تكون نسبة الإنتاج أفضل، وفي الوقت نفسه تكون نسبة إنتاج الخشب أفضل، ويمكن أن تعطي هذه الشجرة نسبة مدخول للمزارع 3 أضعاف أكثر من أية زراعة أخرى، ففي عكار قمتُ بزراعتها بين أشجار الليمون، وهي تعطي أشجار الليمون إنتاجاً أفضل ولا تحتاج لمساحة كبيرة بين الأشجار".

 طريقة الزراعة
وعن طريقة زراعتها وريّها والاعتناء بها: "يجب أن تُسقى باستمرار ولا يجب أن نتكل فقط على مياه الأمطار، ويجب أن تُسقى مرتين في الأسبوع بطريقة الريّ عبر شبكات ريّ خاصة مختلفة عن شبكات ريّ الأشجار المجاورة، وتزرع بواسطة الشلش أو البذور خلال الفترة الممتدة ما بين شهري شباط وأيلول، ويتم زرعها في أكياس صغيرة أو علب بلاستيكية بعد أن تُمزج تربتها مع السماء للعناية بها، ويجب أن تكون الأكياس أو العلب المزروعة فيها مسرفة للماء، ويجب أن يُطمر عمق الغرسة في حفرة قطرها طوال 50 سنتم وعمقها حوالى 50 سنتم ويكون بينها وبين الأشجار الأخرى مسافة خمسة أمتار تقريباً، كما يجب تسميدها بسماد غنيّ بالآزوت (- 30 PLO-KLO N) ومعم جداً أن ننزع أوراق أغصانها الفرعية ابتداءً من ارتفاع 4 أمتار ونزولاً، وذلك لتفادي العُقد في ألواح الخشب ويجب قطع الجذع الرئيسي وتقليم الأغصان في نهاية السنة الثالثة للغرس وعلى ارتفاع ستة أمتار، وذلك من أجل تفادي مساوئ الرياح، ويمكن تكثيرها من خلال الاستحصال على (العقلة) من جذور كل شجرة، وفي حال تكرارها سنوياً يكون بإمكاننا الحصول بعد خمس سنوات على آلاف الشتول من غرسة واحدة ويمكن جني المحصول بعمر لا يقل عن 6 إلى 8 سنوات، وذلك بقطع الأشجار اليانعة التي تنتج عن كل شجرة ما بين المتر والمتر والنصف المكعّب في الخشب، وأهم ما فيها أنها تنمو بطريقة أنشط بعد قطعها، وتتجدد باستمرار دون الاضطرار لزرعها من جديد".

دور وزارة الزراعة
وعن دور وزارة الزراعة بتفعيل زراعتها أجاب: "لقد تواصلت مع المعنيين في وزارة الزراعة، وأخبرتهم عن أهميتها ولكن للأسف لم أحصل على أي تعاون منهم وأنا أعمل اليوم على توزيعها مجاناً لكل من يطلبها من أجل زراعتها والاعتناء بها. كما لديّ بذور منها تغطي السماحة الخضراء في لبنان بأكملها وأتمنى على الدولة أن تشجع زراعتها نظراً لأهميتها الاقتصادية والبيئية والجمالية، وأدعو كل إنسان لأن يزرع شجرة قرب منزله وحبذا لو يزرع أشجار على عدد أفراد عائلته، ففي الصين يزرع الصينيون شجرة لكل مولود، وعندما يكبر تكون هذه الشجرة كافية لصناعة الموبيليا التي يفرش بها الشاب منزله حين يتزوج.
وختم "إن رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، فلو بدأ كل شخص بزراعة شجرة واحدة منها نصنع العجائب، فلو كان عندنا صناعة للخشب بشكل صحيح لكنا غطينا أكثر من 50% من العجز الاقتصادي. ولو أن هناك حزب ولد اليوم ليعمل على إعادة الثروة لغابات لبنان لربح على كافة الأحزاب الأخرى، ولو وضع هذا الحزب خطة منظمة لحملات التشجير بتقسيم المناطق ورصد المساحات المنوي تشجيرها لكنا تخطينا أزمة التصحّر، وتآكل الغابات.. ولا ننسى أن تعزيز زراعتها يوفر فرص عمل للشباب وللمهندسين الزراعيين ويرد للوطن أموال أكثر من أموال السيّاح، وبالتالي تبقى زراعة هذه الشجرة ثروة تتجدد".
"لهذه الشجرة فوائد عديدة ويمكن وصفها بالكنز الذي يغني، وعلينا أن نوجد منها نهضة اقتصادية، لكن مع الأسف، القيمون على هذا الوطن لا يهتمون سوى بالمناصب والمشاحنات الطائفية".
بينما نجد أن الوطن بحاجة لفكرة من هذا النوع وعلى الشعب أن يفرض على نوابه خطة لحفظ المياه بواسطة مشاريع بسيطة كحد أدنى كي يستطيع المواطن ريّ مزروعاته، وهذا ليس بالأمر الصعب، فيمكن أخذ القروض لإقامة السدود وإعادة الأموال بعد بيع الأخشاب التي تنتج عن زراعة الباولونيا، كما أؤكد أن مردود الباولونيا أكبر بكثير من مردود أي زراعة أخرى، وأهميتها تفوق أهمية البترول، وأنا مستعد لإعطائها لكل من يطلب مجاناً من أجل زراعتها فأنا أتحدث عنها لأهميتها وليس المطامح مادية أو غير مادية".
 

السابق
هذا ما يُخطّط لسوريا
التالي
النووي الايراني يقلق راحة إسرائيل