الضاحية التي هزمت إسرائيل.. هل تهزمها شبيحة المخدرات والخوّات؟

 ماذا يجري في معاقل «حزب الله» لاسيما في «عاصمته» الضاحية الجنوبية لبيروت؟
هذا السؤال «يعتمل» في بيروت منذ فترة، وما زاد من وطأته «صراخ» الحزب عينه بلسان نواب فيه مع خروج ظواهر الفلتان والمخدرات و«التشبيح» والفوضى الى العلن، كواحد من التحديات الخطرة التي تواجه «بيئة» المقاومة وتضعها امام «عدو شرس» من الداخل.
ولم يكن وضع النائب عن «حزب الله» حسين الموسوي «الاصبع على الجرح» من خلال اشارته الى «بعض المجموعات التي تمعن في الحاق الاذى بأهلنا من خلال أعمال منافية للاخلاق والشرائع السماوية لناحية فرض الخوات والسرقة والاعتداء على أمن المواطنين» الا بمثابة قرع ناقوس الخطر الذي كان ألمح اليه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله في احدى اطلالاته.
ومع «استنجاد» الحزب بالقوى الامنية اللبنانية لتضع حداً «لهذا التفلت والفلتان»، يتضح حجم «الاختراق الاجتماعي» لبيئةٍ كانت تبدو «محافظة» ومحصنة حتى الأمس القريب، قبل ان تنكشف الصورة المأسوية لواقع اجتماعي «تنخره» سوسة المخدرات والخوات والسرقات والاطاحة بكل الضوابط.
بعض «الشامتين» اعتبروا ان ما يجري في الضاحية الجنوبية «مصير محتوم» نتيجة غياب الدولة و«منطقها» عن المنطقة لمصلحة «الدويلة» التي كانت مغلقة وتحكمها قوانينها الخاصة وأمنها الذاتي. أما الغيارى على رصيد المقاومة وسمعتها فدقّوا «النفير» وبعضهم في مقالات صحافية، مبدين الخشية من جنوح اجتماعي وفّره غطاء «فائض القوة» الذي استفادت منه مجموعات وشلل صارت عبئاً على المقاومة وأهلها.
والاكثر اثارة للانتباه هو ان تضخّم هذه الظواهر «المرَضية» أعقب حرب يوليو 2006 والانتصار الذي حققه «حزب الله» عسكرياً، اذ ارتبط هذا الانفلاش بطغيان الشعور بـ«القوة» من جهة، وتفشي الفساد المالي نتيجة تدفق الاموال لإعادة الاعمار والتعويض على المنكوبين من جهة اخرى. ولعل «قنبلة» صلاح عز الدين (المتموّل الذي اعلن افلاسه) كانت بمثابة رأس جبل الجليد الذي راح ينهار شهراً بعد آخر.
وفي «التنقيب» عن السيرة الذاتية للضاحية وتَشكُّلها الاجتماعي والمذهبي، يُظهر بحث معمّق قامت به جميعة «أمم» للتوثيق والأبحاث، أنّ هذه المنطقة التي تقع على مساحة نحو 28 كيلومتراً مربعاً بين ساحل بيروت الجنوبي وبداية جبل لبنان شرق بيروت ويعيش فيها اكثر من 750 الف شخص ضمن نحو 120 الف وحدة سكنية، كانت عبارة عن مجموعة من القرى الريفية الزراعية المتباعدة غير المتّصلة عمرانياً الا ببعض الحقول وبساتين الحمضيات، بين الليلكي وحارة حريك وبئر العبد والشياح.
في بداية الستينات والسبعينات من القرن الماضي، بدأت هجرة كثيفة من الأطراف اللبنانية، سنّية وشيعية الطابع، نحو الضاحية. في البداية كانت منطقتا النبعة وبرج حمود في ضاحية بيروت الشرقية الشمالية أكثر جذباً، كونهما قريبتين من المناطق الصناعية والتجارية ومن قلب بيروت، وكان الباحثون عن العمل ينزحون الى هناك. لكن بعد بداية الحرب الأهلية (العام 1975)، ونتيجة التقسيم الطائفي للمناطق، تهجّر سكان برج حمود والنبعة المسلمين الى الضاحية الجنوبية، التي بدأت تتكوّن كـ«منطقة» ذات هوية محدّدة بالاسلام.
في السبعينات والثمانينات، عاشت الضاحية «فورة» عمرانية غير شرعية أسّست «حيّ السلّم» الذي يعرف اليوم على أنّه من أكثر المناطق اكتظاظا في العالم كلّه ربما. حتى أنّ نكاتا كثيرة تُروَّج عن أنّ الجيران يتسامرون «من شباك الى شباك» كما لو أنّهم في غرفة واحدة. وبدأت الفورة العمرانية تجذب سكاناً أكثر، وتحديداً من البقاع والجنوب، اللذين كانا يعانيان من الاحتلال الاسرائيلي، وكان معظم النازحين من الطائفة الشيعية.
وخلال الحرب الأهلية، كان الحزب الشيوعي مسيطراً على الضاحية الى جانب حركة «أمل»، قبل أن يجرف الامتداد الأمني والبشري والسكني لـ«حزب الله» كلّ الأحزاب الأخرى ويترك «أمل» مقطّعة بين الشياح الى غرب الضاحية وبرج البراجنة الى شرقها، ويتمركز هو في وسطها صانعا مربّعه الأمني الشهير في حارة حريك وبئر العبد، في منتصف الضاحية أو مركزها اذا رأيناها كدائرة تصل أطرافها منطقة الأوزاعي (وهي كانت تسير على خطى الضاحية عمراناً ومخالفات) الساحلية ببئر حسن وصولا الى الحدث شرقاً.
منذ منتصف السبعينات وصولا الى يومنا هذا، حوّل المهجَّرون من الجنوب والبقاع محلّة الأوزاعي من واجهة بحرية تملأها الفنادق والمسابح الى بيوت سكنية آيل معظمها للسقوط أو الغرق في البحر، والى تجمّع سكني أقرب، فوضوياً وعمرانياً، الى حيّ السلّم، رغم أنّها أقرب جغرافياً الى منطقة الرملة البيضاء، التي تعدّ الشقق والعقارات فيها الأغلى على الاطلاق في لبنان كلّه، ويصل ثمن المتر المربّع فيها الى أكثر من 15 ألف دولار.
هكذا استوت الضاحية الجنوبية مدينة رديفة لبيروت، يملؤها السكان الشيعة، الجنوبيون والبقاعيون في معظمهم. أما الجنوبيون، فهم الأكثر ارتباطاً بـ«حزب الله»، بيئة وعملاً وانتساباً ونسباً، وهم الأكثر تنظيماً من حيث الأحياء التي يسكنونها. أما البقاعيون، الذين كان كثير منهم يعمل في زراعة الحشيشة قبل الحرب الأهلية وأثنائها وبعدها، فهم أقلّ تنظيماً، والأحياء التي شكّلوها وسُمّيت بأسماء العشائر التي ينتمون اليها، فهي الأكثر خطراً وتخويفاً، مثل حيّ آل المقداد وحيّ الزعيترية (آل زعيتر) وأحياء كثيرة أخرى يخاف سكان الأحياء المجاورة من تسلُّط شبّانها.
حتى أنّ سكان منطقة الليلكي يخافون من احدى العائلات التي «تسيطر» على المنطقة، الى درجة أنّ أحد السكان الذي انقطعت المياه عن منزله ظلّ يطلب من بائعي المياه أن يبيعوه براميل الاستعمال الخارجي بثمن المياه المعدنية، لكنّهم رفضوا كلّهم، خوفاً من أحد الشبّان الذي «طوّب» نفسه «بالقوة» بائعاً وحيداً محتكراً للمياه، والذي كان في تلك الفترة مكتفياً مالياً فقرر أخذ اسبوع… اجازة.
ويروي لـ «الراي» الصحافي علي الأمين، الذي يسكن في حارة حريك ويُعتبر خبيراً في شؤون الضاحية الجنوبية، أنّ احدى العائلات البقاعية نجحت في «الامساك» بكلّ مفاصل الاشتراكات الشهرية في القنوات الفضائية المقرصنة بعلم الدولة في الضاحية، ومنعت أحداً من العمل في هذا المجال المربح جداً (15 دولاراً شهرياً من كلّ منزل مشترك لنحو 200 ألف شقة على الأقلّ).
ويؤكد الأمين أنّ الأمور خرجت عن سيطرة «حزب الله» كليا في الآونة الأخيرة، وأنّ الحزب يخشى من العائلات «المشاكسة» الى حدّ كبير: «هذه العائلات، الى جانب أنّها مسلّحة وتعلي القرابة العائلية والعشائرية على الانتماء الحزبي أو السياسي، فانّها تعدّ آلاف الناخبين الذين يصبّون في صناديق الحزب الانتخابية بشكل أعمى»، ويضيف: «أضف الى هذا أنّ الحزب لا يريد أن يكون شرطياً أو رجل أمن ضدّ بيئته السياسية والانتخابية، ويريد أن تكون صورته أقرب الى الحامي والضامن والمنقذ من أيّ خطر قد يأتي من الجهات الأمنية أو القضائية».
 ورغم الحملة التي كان «حزب الله» رعاها قبل أكثر من عام بعنوان «النظام من الايمان» في محاولة لـ «مصالحة» الناس مع النظام واحترامه، فان صوت «الفوضى» بقي أقوى من «فكرة القانون»، بدليل ازدياد ظاهرة التعديات على الاملاك العامة وانشاء عصابات وفرض خوّات وصولا الى تجارة المخدّرات وتعاطيها بشكل شبه علني ومن دون خوف.
يجزم الأمين أنّه يجري حالياً تشكيل «ما يشبه المافيات المنظمة، المنفلتة الى حد فرض الإتاوات على المواطنين وبعض التجار وأصحاب المؤسسات والمقاولين في اكثر من منطقة في الضاحية، ويضيف: «ثمة شكوى متزايدة في العديد من أحياء الضاحية الجنوبية من استفحال هذه الظاهرة، والأخطر هو التسليم والتجاوب من أصحاب المؤسسات والمقاولين تجاه الاتاوات التي يفرضها «الشبيحة» عليهم. ذلك ان هؤلاء الذين يتحسسون مصالحهم وجدوا ان الاستجابة للشبيحة هي اقل ضرراً من الرفض واللجوء الى القوى الحزبية او الرسمية للحماية. اذ ثمة شواهد على هذا الصعيد أظهرت عجز هذه القوى عن لجمهم، لا بل ثمة تنام منظَّم لهذه الظاهرة التي تنجح في تقاسم النفوذ ضمن الاحياء وعلى الارزاق».
كلّ ذلك يحيل أيضاً الى نشاط بعض المجموعات المافياوية في حملة التعديات على الاملاك العامة والمشاعات التي سمّيت بـ «ثورة المخالفات» في الضاحية والجنوب قبل أشهر، وشهدت بناء ما يقارب 5000 شقة غير مرخصة والتعدّي على آلاف العقارات الخاصة والعامة وسط معلومات عن ان هناك تعديات طالت مباني ومؤسسات رفض اصحابها دفع الخوة.
هذا ما ألمح اليه الصحافي والمحلل السياسي قاسم قصير، القريب من أجواء «حزب الله» وبيئته، هو الذي كتب مقالاً مستنداً الى معلومات نشره في موقع «ناوليبانون» الاخباري، وفيه أنّ «الشأن الداخلي يتقدم سلّم اهتمامات الحزب وأمينه العام في ظل التحديات والمشاكل التي يواجهها الحزب سواء على صعيد الوضع السياسي والتنافر الحاصل بين قوى الأكثرية الجديدة، أو على الصعيد التنظيمي الداخلي لحزب الله، وكذلك على مستوى المناطق التي يتواجد فيها الحزب لناحية ازدياد المشاكل الأمنية والاجتماعية وانتشار ظاهرة تعاطي المخدرات».
وكتب قصير نقلا عن مصادر قال انّها «مقرّبة» من «حزب الله»: «سبق للسيد حسن نصرالله أن تحدث في مهرجان سابق بمناسبة «يوم الشهيد» عن مشكلة تفشي ظاهرة تعاطي المخدرات وضرورة اعطائها الأولوية في الاهتمام، الا أنّ هذه الظاهرة ازدادت منذ ذلك الحين واتسعت بقعة انتشارها الى أن وصلت الى البيئات القريبة من «حزب الله» ما يجعل الحاجة ملحّة لاتخاذ الحزب اجراءات صارمة في مقابل ما آلت اليه الأوضاع في مناطق نفوذه، خصوصا أنّ الحزب بات كما يبدو يواجه المزيد من الشكاوى من أبناء الضاحية الجنوبية لبيروت على خلفية ازدياد الفوضى الأمنية وانتشار السرقات وفرض الخوّات (المالية) من بعض الشلل والمجموعات العائلية، وما الى ذلك من ظواهر لم ينجح الحزب حتى الان في مواجهتها».
هكذا يقرّ قصير، نقلا عن مصادر الحزب، أنّ الأزمة وصلت الى البيئات القريبة منه، والمقصود بـ«البيئات القريبة» هو العائلات الحزبية على ما يبدو، لأنّ الضاحية كلّها قريبة من الحزب ومن بيئته. وهذا ما يؤكّده مصدر عليم ومطّلع طلب عدم نشر اسمه: «البيئات القريبة يُقصد بها عائلات قريبة من عائلات المسؤولين الحزبيين، هذا اذا لم تكن هناك حالات كشفت في عائلات مسؤولين حتّى!!».
قصير وفي حديث لـا«لراي» قال انّ ما يحصل هو تنامي «الفلتان الأمني والسرقات والتعدّي على الأملاك العامة، الذي بدأ قبل أشهر ويستمرّ، الى جانب انتشار تعاطي المخدّرات وتوزيعها»، ويضيف: «هناك مناطق تسيطر عليها مجموعة عائلات وشلل. وعلى سبيل المثال مَن يملك مولّدا كهربائياً يوزّع اشتراكات الكهرباء في حال انقطاع التيار الكهربائي الرسمي، يمنع المستهلكين والمستثمرين المحتملين من التعامل مع أصحاب مولّدات غيرهم، ويفرضون خوّات على أصحاب المتاجر الكبيرة».
لكن لماذا لا يتدخل «حزب الله» لمنع كلّ هذه التعدّيات على «بيئته»؟ يجيب قصير: «حزب الله لا يصطدم بهم خوفاً من المشكلات، لأنّهم أبناء عائلات ولهم وضعيات معينة، لكن أيضا قوى الأمن لا تقوم بواجبها، فالأجهزة المعنية أيضاً لا تواجههم وهناك معلومات عن رشاوى يتلقاها أمنيون بانتظام لغضّ النظر عن التجاوزات وعن توزيع المخدّرات».
وبحسب قصير فانّ «منطقة الأوزاعي، ليس «حزب الله» الفاعل الأساسي فيها بل حركة «أمل» والقوى الأمنية التي يحكى أنّها ترتشي، أي أنّ هناك تآمراً غير مباشر بين بعض الأجهزة الأمنية وتجار المخدرات الكبار. والحزب يعرف ثمن الاصطدام بهؤلاء لأنّه سبق أن سقط قتلى وجرحى له في صدامات معهم، والأجهزة الرسمية قدراتها محدودة والجيش لا يستطيع دخول حيّ المقداد مثلا أو حي الزعيترية في الرويس».
واذ يشير قصير الى «الازدحام السكاني الكبير جدا في الضاحية، يكشف عن معلومات مفادها أن «شيئاً جديداً» سيحصل خلال أسبوعين وعن تحضيرٍ لوضعٍ وواقع جديد في الضاحية، في اطار تنسيق بين البلديات والجيش والأجهزة الأمنية و«حزب الله»، لأنّ الناس يدفعون ثمن عدم قدرة الحزب على ضبط الوضع ولأن الحزب لا يستطيع الحلول محل الدولة، ولأنّ الجيش بات موجوداً، لكن ليس كما يجب»، ويضيف: «لذا هناك معلومات عن أنّ «حزب الله» اشترى أرضاً وقدّمها الى الجيش اللبناني ليبني عليها ثكنة في الضاحية، لكن ماذا سيفعل الجيش في منطقة يرواح تعداد سكانها بين 700 ألف ومليون نسمة».
ويختم قصير ملاحظا أنّ «الخطورة الأكبر هي في انتشار المخدرات بجنوب لبنان للمرة الأولى ربما في التاريخ، فهناك قرى لم تسمع بالمخدّرات بات التعاطي والتجارة رائجين فيها الى حدّ غير معقول».
وفي هذا الاطار، يمكن الاشارة الى تنامي ظاهرة تعاطي المخدرات في الجنوب من خلال الاضاءة على اطلاق حركة «امل» وللمرة الأولى حملة للتوعية ومكافحة المخدارت باحتفال اقيم في مجمع نبيه بري الثقافي في الرادار قبل أسابيع، برعاية وزير الصحة علي حسن خليل وبدعوة من مكتب الخدمات الاجتماعية في الحركة والجمعية اللبنانية للرعاية الاجتماعية.
ولعلّ أفضل تعبير عما تعيشه الضاحية الجنوبية جاء بلسان كتّاب نشروا مقالات في جريدة «السفير» (الأقرب الى الضاحية وبيئتها) مثل جعفر العطّار، أو من قرّاء، مثل أسعد شرارة ومقالته «الصادمة»، اضافة الى مقالة انتقادية شديدة اللهجة كتبها الناشط السياسي محمد عبيد (من فريق الرئيس بري سابقاً).
وفي ما كتبه العطار، عرّج على «الفلتان الامني» في الضاحية واستوقفته حبة دواء، بات لقبها «ريفو» (أصلها ريفوتريل وسعر أنبوبها زهيد) تشتهر اليوم بفعاليتها لـ«المشاركة في اشكال بروح اجرامية»، ناقلاً عن م. س، ابن منطقة «برج البراجنة»، ان حبة الدواء ذائعة الصيت، تحوّلت الى «طقس يستخدمه أفراد بعض المجموعات، للتمتع برباطة جأش وقوة، فيما حبة «ترامال» أصبحت تستخدم كمخدّر يهدئ من روع شخص سريع الانفعال والغضب».
كما قال ع.ع (من سكان الغبيري) «ان الحديث عن الضاحية يقابله أشخاص باتهام المتحدث بالعمالة الاسرائيلية، فيما يكون القصد النقد البنّاء، عوضاً عن الكبت الذي يمهّد حكما لانفجار». فالضاحية، وفقاً للثلاثيني وهو حزبي سابق، تتحول، يوماً بعد يوم، الى «ملاذ لأصحاب السوابق، من تجار مخدرات الى شبان يشهرون أسلحتهم بوجوه المارة لسوء مزاجهم الصباحي، ثم يمضون أحراراً من دون محاسبة».
وفي مقالته بعنوان «وداعاً… ضاحية المخالفات»، يطلق اسعد شرارة صرخة «باسم كل المقهورين والمظلومين في الضاحية الجنوبية، وهم الأكثرية الصامتة على مضض، لعل البعض يجد حلاً لما يجري، سواء الدولة أو الأحزاب المحلية، أو لعل الضمائر تستيقظ وتحررنا من «زعران الشوارع».
وفي معرض شرح «حيثيات» قراره مغادرة «ضاحية الصمود»، يستحضر ظواهر عدة بينها «الزعران» الذي يسهرون «تحت نافذتي حتى ساعات الفجر وهم يقيمون ولائم الأراكيل ويستمرون في الزعيق والنعيق من دون أي رادع أخلاقي، أما أطفالي فلا ينامون بل عليهم الاستماع الى مواويل هؤلاء (وليسترجِ أحد أن يعترض)».
واذ يسأل «لا أعرف لماذا تسمّمت نفوس بعض الناس بعد حرب يوليو 2006، حيث أي طفل أو شاب في الشارع لم يعد «يحمله رأسه»، وصار يفتعل مشكلاً لأي سبب تافه؟»، يشير الى «بعض المدعومين من أحزاب محلية، احتلوا الأرصفة وحوّلوها مقاهيَ، رافعين عليها صور «القادة»، وتستطيع أن ترى وأنت تمر في طريق صيدا القديمة، عند مدخل شارع مارون مسك في الشياح، وقد احتل أحدهم هذا الرصيف وحوّله مقهى، رافعاً عليه صورة الرئيس نبيه بري وصورة أخرى للامام السيد موسى الصدر، مع العَلَم الأخضر بالطبع. لقد كان السيد موسى الصدر خير مثال للأخلاق واحترام القوانين، لكن البعض اليوم راحوا «يشبّحون» باسمه وعلى صورته».
ويختم شرارة: «أترك الضاحية وأرحل، فربما أعثر على منطقة تستقبلني في وطن الطوائف لاجئاً اليها من «الزعران»، لأنني أريد أن أنام أنا وأولادي من دون ازعاجهم، وأريد أن أعيش محترماً تحت سقف القانون. فهل ستقبلني منطقة من وطني، أم أن مناطقنا للأسف صارت مغلقة على طوائفها ولم يعد باستطاعة أي فرد من طائفة أخرى «اختراقها»؟».
أما محمد عبيد، وفي مقال بعنوان «حزب الله» وأسئلة الداخل»، فتناول «الأمن الاجتماعي الذي تداعى وانهار في المناطق التي تمتدّ على مساحة حركة المقاومة، ومن المؤكد أنه صار يهدد أمنها وقيمها الأخلاقية»، معتبراً «ان لا جواب عن هذا السؤال سوى بتنحي الحزب ومسؤوليه عن لعب دور المنسق بين مؤسسات الدولة وأجهزتها وبين سكان هذه المناطق، هذا الدور الذي يؤدي دائماً الى حلول على حساب القانون والضعيف، والاكتفاء بالأدوار التي رسمها تمثيل الحزب لهؤلاء السكان على المستوى النيابي والبلدي، اضافة الى ضرورة تحوله الى رافعة للاندماج في النظام العام».
وحذّر من «أن التمادي في التغاضي عن هذا الشأن الاجتماعي الجدي سيدفع «أشرف الناس» الى الانفضاض من حول الحزب وان بقوا متمسكين بمبدأ المقاومة، ولن ينفع مسؤولي الحزب حينها مسايرة… ولن أضيف أكثر كي لا تتحول المسألة الى تشهير، لا سمح الله. وأدعو الى قراءة تجربة مَن سبق في الادارة المدنية والأمن الذاتي والمجتمع القومي وغيرها، وبالأخص قراءة تجربة حركة «فتح» في لبنان والفاكهاني».

السابق
الاستخبارات الأميركية تهرب من بيروت
التالي
مستشار وزير الزراعة محمد الخنسا: في انتظار تشريع القانون الخاص بالزراعات العضوية