متمّمات السقوط

اكتملت أو تكاد حلقة الحصار على سلطة دمشق. وأخطأت "قراءات" مبتسرة وذات غرض ومهينة للعقل، في الافتراض المَرَضي بأنّ تلك السلطة نجحت في تخطّي مرحلة الخطر، وأنّه لم يتبقّ أمامها سوى معالجات موضعية جُلّها يتعلّق بمدينة حمص وبعض ريفها.

ما توالى من خطوات ومواقف في الأيام الماضية على المستوى الرسمي العربي، وما سيستتبع ذلك من إجراءات ميدانية أساسها اقليمي الطابع، دولي الغطاء، عدا عمّا يحصل من متفرّقات المواجهات الدموية في أكثر من نقطة، كل ذلك كفيل بتكوين حكم حاسم، للمرّة الأولى منذ 8 أشهر، بأنّ طريق العودة من الأزمة المفتوحة قد أُقفلت تماماً، وأنّ الآتي مرهون بعلم الغيب، في تفاصيله وتكتيكاته، لكنه في خطوطه العريضة صار معروفاً ومتداولاً وأوّل العارفين به هم أهل السلطة في دمشق قبل غيرهم.
كأنّنا نقرأ في كتاب مفتوح عنوانه يلخّص تفاصيله. وتلك فيها من غرائب الاستبداد الكثير، ومن رعونة العنت ما هو أكثر. ثم بعد ذلك فيها باب خاص عن الفارق الجذري بين الذكاء والتذاكي: المهلة التي أعطتها الجامعة العربية لتنفيذ مبادراتها، افترضتها سلطة النكران في دمشق مهلة لها، تتمكن خلالها من حسم ميداني في حمص يشبه الذي تم في حماه، وقبلها في درعا وجسر الشغور واللاذقية. معالجة دموية مباشرة ومكلفة تنتهي بموجبها التجمّعات الكبيرة للمتظاهرين، وتبدأ بانتهائها مرحلة ترقيع وإعادة ترميم وتجميل في النظام وتفاصيله، على أن تُسمّى كل تلك العملية إصلاحاً لكن تحت سقف النظام.
 تذاكي المأزوم لا ينتج إلاّ أزمة مضاعفة. لم ينتبه، أو لم يرد، أو لم يستطع أهل السلطة المأزومة الأخذ بما تراكم على مدى الأشهر الثمانية الماضية. لا من جهة الداخل الذي أسقط بالضربة القاضية نظرية الحصانة عن نظام يدّعي الممانعة ويفعل كل شيء معاكس لها. ولا من جهة الخارج (ومعظم الخارج) الذي وجد أمامه حالة سلطوية تكاد أن تصير فريدة من نوعها وطبيعتها ومافيوزيتها في المنطقة والعالم.. فتحرك لمواكبة ما يحصل وأخذ "القرار" الأخير!
.. المهلة العربية الأخيرة كانت أخيرة. التذاكي والدموية وحسابات المأزوم في رأس سلطة دمشق، دفعته إلى افتراضها فرصة أو غض طرف، أو تغاضياً مقصوداً، فظلّ يعمل بكامل وتيرته وكأنّه، حتى لو نجح مرحلياً في ميدانياته التدميرية والدموية، سيفلت في النهاية من السقوط والأفول.

أعَانَه العرب والأتراك على أن يكون ذكياً فآثر البقاء متذاكياً.. وفي واقعه أساساً لا شيء يسرّ. وفي ذلك نقطة وحيدة تسجّل في خانته لمصلحته، ويُسجَّل معها في خانة السوريين الأحرار والعرب، المزيد من الأسى والمآسي والأحزان والبلايا: لو أخذ بالإصلاحات المطلوبة، لوضع بيده حجر الأساس لبنيان سيكون بديلاً عن بنيانه، ولو رفض، كما فعل، فإنّ السقوط أيضاً سيكون رديفه الحتمي. لكن بين الخيارين ظهرت "الطبيعة الأولى" له و لسلطته: "نحن أو سوريا وأهلها. نبقى معاً أو نذهب معاً". وفي هذه الحسبة المألوفة (قبله فعلها صدام حسين والقذافي) تكمن أوّل أسباب ودواعي السقوط والإسقاط، وأوّل أسباب بلايا عرب اليوم بممانعة لا تعرف إلاّ تعميم الخراب وتلك البلايا! 

السابق
الانباء: عون بعد بري: الموقف السوري لا يمكن أن ينقذه إلا تدخل خادم الحرمين
التالي
الحياة: بري بعد اتهامه بمنع محاسبة الحكومة: حق للنواب استعجال استجوابها