الحريري وتويتر: سلطة افتراضية لشيخ مأزوم

الحوار الإلكتروني لرئيس الحكومة السابق سعد الحريري له فوائد كثيرة. أولاها أن الرجل خرج من عزلته ولو قليلاً. ربما أتاح له هذا التواصل الخروج افتراضياً من سجنه الطوعي. وربما أعاده، ولو على سبيل التخيل، الى مواجهة آلاف من أنصار وخصوم يتجمعون لقراءة ما يقول بدل سماعه. وفي هذه الحالة الجديدة من التواصل بين الشيخ المأزوم والآخرين، ما يعفيه من ارتباكات الخطابة. وهذا يهوّن على أنصاره الدفاع عنه، كما لا يعطي خصومه حجة لتجاهل بعض ما يقول، لكن الخشية، كل الخشية، أن يتعود أخونا هذه الطريقة في التواصل، فنكون عندها أمام تيار افتراضي وأمام جمهور افتراضي وأمام حشد افتراضي وأمام خطاب افتراضي. وساعتها، لن يكون بوسع سعد التوقف للحظات لسماع التصفيق والصفير أو عبارات الثناء، بل سيفترض أنها حاصلة، وخصوصاً أن التواصل الإلكتروني يتيح آليات عدة لإبداء الثناء من خلال ابتسامة، أو النكاية من خلال مج اللسان، او الاحتجاج من خلال وجه عابس. كلها وسائل نعرفها منذ الصغر، ونحتاج إليها على ما يبدو كي لا نشعر بالكبر. وفي الحالتين، سيكون سعد سعيداً ويسعد الآخرين اذا ما اكتفى بهذه الآلية من التواصل حشداً أو تحريضاً أو انتقاماً أو نقداً لكل الآخرين من حوله.

والجلوس قبالة الحاسوب يستهلك وقتاً طويلاً. يقول بحاثة بريطانيون إن إدمان الألعاب الإلكترونية، أو استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بات اكثر صعوبة من إدمان المخدرات، وإن العلاج يقتضي خطوات لا يمكن تحقيقها بصورة تامة، إذ لا يمكنك منع الآخرين في المنزل او العمل من استخدام الحواسيب، ولا يمكنك إجبار المدمن على منع استخدام حاسوبه. ولا يمكنك اعتبار الإنترنت وسيلة مضرة، فتعمد الى حرمان مجموعة او أفراد إياها. ما يعني أن العلاج من هذه الآفة، يتطلب عملية عزل طويلة. وبعدها، سوف تراهن على أن الشخص نفسه، قد كره هذا النمط من التواصل، وأصر على تغييره، لكنه سيكون عرضة حيث يكون، في المنزل او العمل او المقهى او الحديقة او الجامعة او أي مكان آخر، لمواجهة اختبار العودة الى ما أدمنه سابقاً. 
في حالة الشيخ سعد الأمر يسير. باعتبار أن الرجل أبلغنا هوايات بعضها يتطلب الابتعاد عن الحاسوب. مثل الغوص، أو ركوب الدراجات النارية. أما في حالة الطبخ، فهو يقدر على القيام بالأمرين معاً. وهذه حال عدد كبير من محترفي الطبخ الذين يقومون بأعمالهم ويقدمون نصائح أو دروساً إلى هواة أو محتاجين من خلال المخاطبة عبر هذه الوسائل، علماً أن منطق الأمور يشير الى أن الشيخ سعد، مأخوذ هذه الأيام بطريقة مواجهة أزمته المهنية الأصلية، حيث يواجه أقسى أزمة مالية عرفها منذ ولادته. وبعدما باع ما باع من مؤسسات تدر له الأموال الكثيرة، اضطر الى توزيع ما عاد إليه على مشروعات عدة، بينها سداد قسم من ديونه. ووضع بعضها في خدمة استثمارات كبيرة، لكنها متوسطة الأجل داخل المملكة العربية السعودية. وبعضها الثالث وضعه في مشاريع خاصة بقصد أن يعالج له مشكلة السيولة المتوقفة منذ وقت، لكن الحريري في هذه الحالة، تعلّم أمراً مهماً، هو أن ترك الأعمال للآخرين، حتى للأقرباء او المساعدين المقربين، لم يعد أمراً محبباً، إذ أظهرت التدقيقات التي أجرتها جهات متخصصة في مالية «سعودي أوجيه» أن الفساد والتلاعب جاءا من الأقربين، لا من الأبعدين. ولأن الحريري قرر ـــــ ليس معلوماً السبب الحقيقي ـــــ الامتناع عن مقاضاة ناهبيه، فهو لجأ الى الطريقة البدوية في طلب استعادة بعض ماله، وسامح من لم يكن بمقدوره أن يلزمه إعادة ما سرقه او حصل عليه بالاحتيال وباستخدام النفوذ. وفي الحالتين، لم يعط الشيخ الشاب أيّ إشارة جدية إلى تغييرات كبيرة في آليات عمل مؤسساته. ولو أن مناخ الاستنفار قائم فيها منذ وصوله الى السعودية لمواجهة الأزمة الأبرز. وهو ما يجعل السعوديين، من أفراد العائلة المالكة الى رجال أعمال ونظراء له الى عامة يظهرون أكثر من أي وقت مضى علامات الاستياء، ويتندرون بحكايات أبرزها ما يفرق بين الرجل وأبيه. ثم إنه يواجه الآن رواسب الأزمة الشخصية مع عائلة ولي العهد الجديد نايف. وثمة شكوك كبيرة عند مساعدين لسعد، في أن يكون نايف قد قرر ألا يتيح للشيخ ما كان متاحاً له سابقاً. فكيف سيكون عليه الأمر إن تولى نايف إدارة البلاد كما كانت حال الملك عبد الله يوم كان ولي عهد الملك السابق فهد، في مرحلة عجز فيها الأخير عن الحكم؟

النتائج الأولية تقول إن سعد لا يملك الآن الادعاء بأنه مستعد للعودة الى أداء الدور السياسي نفسه في لبنان. وعملية حرق الجسور بينه وبين النظام السوري تثبت استحالة عودته الا في ظل متغيرات كبيرة جداً، من بينها تراجع نفوذ سوريا في لبنان. وبالتالي، فإن الحريري الذي لا يعرف كيف يعيد التماسك الى صفوف أنصاره، يتكل حتى إشعار آخر، على أن الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، وعرب أميركا بزعامة السعودية، لم يقرروا بعد اعتماد غيره ناطقاً باسمهم في لبنان. ثم إن خصومه أو منافسيه في لبنان على زعامة الغالبية السنية، لم يقدموا على الخطوات التي تدفعه الى خوض اختبار حقيقي. وبانتظار ما يأتي من الله، فإن «تويتر» سيكون الصديق المفضل لشيخ المستقبل! 

السابق
أبناء بنت جبيل يهددون بالنزول الى الشوارع بسبب انقطاع الكهرباء
التالي
هل هي نهاية حزب الله؟