تخفيض جزء من ديون اليونان

تتسم عملية الإنقاذ المالية الأخيرة لأوروبا بطابع غرائبي.. تفقد الكلمات معناها المعتاد، فاليونان، على سبيل المثال، قد تعثرت بشكل واضح عن سداد ديونها، ولكن لا أحد يقول ذلك، وفي يوليو (تموز) وافق المقرضون في القطاع الخاص «طوعا» على قبول تخفيض في فوائد قروضهم الممنوحة إلى اليونان نسبته 21 في المائة، وعلى الرغم من أن هذه النسبة قد ارتفعت الآن لتصل إلى 50 في المائة، فإن موافقة المقرضين في القطاع الخاص عليها ما زالت توصف بأنها «طوعية». ولكن في حقيقة الأمر فإن هذه الطواعية شبيهة بما يحدث عندما يكون أحد الأشخاص واقعا تحت تهديد أحد اللصوص، فيخرج محفظة نقوده ويقدمها له خوفا على حياته، مثلما يقول دوغلاس إليوت من معهد بروكينغز للسياسات العامة.
ووفقا لتعريف مؤسسة التقييم الائتماني العالمية، «ستاندرد آند بورز»، فإن التعثر السيادي هو «العجز عن تسديد فوائد القروض أو تسديد الدفعات الأساسية لأصول القروض، الواردة في الشروط الأصلية للالتزام المقدر»، وهكذا يبدو واضحا أن الموافقة على تخفيض بنسبة 50 في المائة لم تكن جزءا من السندات الأصلية، ولكن نتيجة لأسباب سياسية وقانونية، لم يكن من الملائم إعلان تعثر حكومة اليونان، وفضل الأوروبيون بدلا من ذلك تسمية نسبة الديون التي ألغاها القطاع الخاص بـ«مشاركة القطاع الخاص»، ويا له من أمر يبعث على الاطمئنان!
وتكمن مشكلة أوروبا في الحيلولة دون أن يؤول مصير أي من الدول الـ16 الأخرى التي تستخدم اليورو، وخاصة آيرلندا والبرتغال وإسبانيا وإيطاليا، وأيضا بلجيكا وفرنسا، لذلك المصير الذي لحق باليونان، فإذا اعتقد المستثمرون أن التعثر أو «مشاركة القطاع الخاص» أمر لا مفر منه، فإنهم سيتخلون عن الاستثمار في ديون هذه البلدان، مما قد يجعل حدوث انهيار مالي أمرا مؤكد الحدوث على نحو يتعذر تجنبه؛ فمن المنتظر أن يتم إغراق الأسواق بالسندات الحكومية، مما سيرفع أسعار الفائدة الخاصة بها بدرجة كبيرة، كما ستتكبد البنوك الأوروبية – التي تعتبر من أكبر المستثمرين في السندات الحكومية – خسائر ضخمة قد تؤدي إلى حالة من الذعر في الأوساط المالية. ويعد نظام أوروبا المصرفي أضخم بكثير من نظام الولايات المتحدة، وهو يحصل على ثلاثة أخماس تمويله من سوق الودائع الكبيرة، والأوراق التجارية وما شابه ذلك، كما كتب أوليفييه ساركوزي، وهو رئيس قطاع الخدمات المالية في شركة «كارليل غروب» للأسهم الخاصة، في صحيفة «فايننشيال تايمز»، فقد قال إنه إذا ما فر كبار المستثمرين بشكل جماعي، فإن النظام المالي الأوروبي قد ينهار «فهناك أوجه تشابه واضحة مع ما حدث في عام 2008» – عندما أدى تعثر بنك «ليمان براذرز» إلى حدوث حالة من الذعر في الأوساط المالية – «بحيث لا يمكن تجاهلها». (ساركوزي أميركي الجنسية، وهو الأخ غير الشقيق للرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي).
ولمنع حدوث ذلك، تبنى زعماء أوروبا مجموعة جديدة من التدابير، فإضافة إلى شطب نسبة 50 في المائة من الدين اليوناني، ستشمل خطة الإنقاذ ما يلي:

– توسيع حجم صندوق الإنقاذ الموجود حاليا، المسمى «مرفق الاستقرار المالي الأوروبي»، بحيث يوفر تأمينا ضد الخسائر على نسبة تصل إلى نحو 20 في المائة من المشتريات من السندات الحكومية الأوروبية، وخاصة السندات الحكومية الإسبانية والإيطالية، وهذه الحماية من المفترض أن تطمئن المستثمرين الذين سوف يواصلون الإقراض بأسعار فائدة منخفضة، ومن المتوقع أن يغطي هذا التأمين ما يقدر بنحو 1.4 تريليون دولار من السندات، (يقدم مرفق الاستقرار المالي الأوروبي قروضا بالفعل بشكل مباشر إلى اليونان وآيرلندا والبرتغال).
– إلزام البنوك الأوروبية بزيادة شريحة رأسمالها الأساسي – المتمثلة بشكل عام في حقوق المساهمين – لتصل نسبتها إلى 9 في المائة من الأصول، فالكم الكبير من رأس المال يكون بمثابة حاجز واق ضد الخسائر، والهدف من ورائها هو طمأنة المودعين لدى البنوك والمستثمرين الكبار، ووفقا لما ذكره إليوت، من معهد بروكينغز، فسيقدر إجمالي رأس المال الإضافي بنحو 100 مليار يورو (نحو 140 مليار دولار) عن رأس المال الحالي المقدر بـ1 تريليون يورو.
– إنشاء «المؤسسات ذات الأغراض المحددة» التي قد تسعى للحصول على استثمارات نقدية من البلدان الغنية، مثل الصين، والمستثمرين في القطاع الخاص.
وكان رد الفعل الأولي لحزمة التدابير إيجابيا، فقد ارتفعت أسعار الأسهم الأميركية عقب الإعلان عنها، لكن التفاصيل غير واضحة (بشأن تأمين السندات والمؤسسات ذات الأغراض المحددة، على سبيل المثال). ولكن هنالك شكوكا، كما يقول الخبير الاقتصادي ديزموند لكمان، من معهد أميركان إنتربرايز: «أنا مندهش من حالة الاسترخاء الشديدة المسيطرة حاليا على الأسواق المالية». وهناك مشكلتان كبيرتان تلوحان في الأفق:
الأولى هي شبح التعثر في السداد، حيث إن اليونان تعتبر قد تجاوزت الخط، وذلك لأن الكثير من القادة الأوروبيين قد أصروا منذ فترة طويلة على أنه لن يسمح لأي بلد تستخدم اليورو بالتعثر، ولكن الآن بعد أن حدث هذا بالفعل، فربما يقوم بعض المستثمرين ببيع سندات أوروبية أخرى ضعيفة، متسببين في حدوث سلسلة مخيفة من ردود الأفعال، قد لا يتمكن رأس المال المصرفي الإضافي من توفير قدر كاف من الحماية لها، حيث يخشى إليوت من أن يكون مبلغ الـ100 مليار يورو الإضافي صغيرا بدرجة لا تكفي لبث الإحساس بالطمأنينة.
والمشكلة الثانية هي التقشف.. فعلى غرار الأميركيين، يواجه الأوروبيون تناقضا يتمثل في حاجتهم إلى خفض الإنفاق وزيادة الضرائب من أجل تقليل العجز في الميزانية، ولكن زيادة الضرائب وتقليص النفقات قد يؤدي إلى ضعف اقتصاداتهم، وزيادة العجز في الميزانية. كما تثير النسب العالية لرأس مال البنوك مشكلة مماثلة، فإحدى طرق زيادة تلك النسب هي جمع رأس مال إضافي من المستثمرين في القطاع الخاص أو من الحكومات، ولكن هناك طريقة أخرى وهي خفض الإقراض، حيث إن حجم رأس المال الفعلي يزداد مع زيادة القروض، ولكن تخفيض حجم الإقراض سيضر بالاقتصاد، ويقول لكمان: «إنهم يعدون أنفسهم لمواجهة أزمة ائتمان».
إن ما تحتاج إليه أوروبا حقا هو خطة إنقاذ عالمية على نطاق واسع، وإن كانت مؤقتة، من شأنها أن تعطيها وقتا كافيا لتنظيم أمورها، لأنه بغير ذلك سيكون من غير الواضح ما إذا كانت حزمة الإنقاذ الأخيرة بمثابة حل حقيقي أم مجرد حل مؤقت 

السابق
إرث ليبيا من معمر القذافي
التالي
شكوك حول خطط الإنقاذ الأوروبية