صفقة شاليط والعجز الإسرائيلي

أكثر الساسة والمعلقون في إسرائيل من الحديث عن أن صفقة تبادل الأسرى مع حركة حماس تمّت فقط لانعدام أي خيار آخر. ومن المؤكد أن الخيار المقصود هو الخيار العسكري الذي تبين أنه لم يكن قائماً أساساً بسبب العجز الاستخباراتي في الحصول على معلومات حول مكان احتجاز شاليت. وكان رئيس الأركان السابق، غابي أشكنازي، أول من أقرّ بهذا العجز فور إنهاء مهام منصبه عندما قال إن إسرائيل لا تعرف شيئاً عن مكان احتجاز شاليت.
ويشدد المراسلان في صحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل وأنشل بابر على أن الجيش الإسرائيلي لم يعرض طوال السنوات الخمس الأخيرة على القيادة السياسية أية خطة عملياتية للإفراج عن شاليت. ويعتبران هذه الحقيقة دلالة «إخفاق مقلق للأذرع الامنية. والشاباك هو الذي يتلقى في هذا الشأن أكثر الضربات وقد اعترف قادته بفشلهم في العثور على المعلومات الاستخبارية ذات الصلة». ومع ذلك يقولان إن التدقيق في المعطيات يبين أيضاً أن الجيش كان له ضلع في هذا الإخفاق.
وقد نقلت «هآرتس» عن المسؤول السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية العقيد (احتياط) رونين كوهين قوله إن «انتهاء قضية شاليت بهذه الصورة يوم حزين للجيش الاسرائيلي». ويصف كوهين عدم قدرة الجيش على عرض بديل عملياتي لتخليص شاليت بأنه «فشل صارخ. لم يتحمل الجيش قط مسؤولية عن الجندي. طرحوا الأمر ببساطة على الشاباك».

وكان رئيس الشاباك السابق، يوفال ديسكين قد اعترف بأن الفشل بشأن شاليت هو «إخفاق شخصي»، برغم الجهود التي بذلتها منظمته. كما أن خليفته يورام كوهين اعترف بأن عدم وجود المعلومات الاستخبارية دفع اسرائيل الى الموافقة على الصفقة بصورتها الحالية. ان عدم قدرة «الشاباك» على أن تقول بيقين أين يُحتجز شاليت، في حين ينجح في أن يزوّد مرة بعد اخرى بمعلومات دقيقة عن مكان وجود نشطاء ارهاب اغتالهم الجيش الاسرائيلي، قد عبر عن خرق استخباري مقلق، على مبعدة كيلومترات معدودة عن حدود اسرائيل.
 
وكان قائد شعبة التخطيط الأسبق في هيئة الأركان العامة الإسرائيلية الجنرال غيورا آيلاند، الذي ترأس لجنة عسكرية للتحقيق بهذا الشأن قد كتب في «يديعوت أحرونوت» قبل أيام أنه لا يفهم سبب عدم انشاء قيادة مختصة «هدفها استغلال الضجيج (زمن القتال) لتحديد مكان جلعاد وتخليصه… هذا خطأ استخباري وعملياتي».
ويشير هارئيل وبابر في «هآرتس» إلى أن قيادة الجيش الإسرائيلي خشيت بعد حرب لبنان الثانية من جعل استعادة شاليت هدفاً بين أهداف الحرب. وقالا إن الخوف نبع من الفارق بين التصريحات المتعجرفة، وواقع إعادة جثتي الجنديين الإسرائيليين في حرب لبنان بعد عامين من انتهاء الحرب.

كما يوضح المقال في «هآرتس» أن إسرائيل طوال سني التفاوض لم تعمد لاختطاف «أوراق مساومة» وأن من تم اختطافهم فعلاً لم يؤثروا في النتيجة. فقط في تموز هذا العام قرر رئيس الأركان الجديد بني غينتس تعيين لجنة تبحث في سبل معالجة قضية شاليت. ولكن هذه اللجنة لم تفد في شيء خصوصا بعد تعيين المفوض الخاص دافيد ميدان لمعالجة المسألة.
والواقع أن الإخفاق في قضية شاليت لا يتعلق فقط في عدم امتلاك خيارات أخرى للإفراج عنه وإنما يبدأ في وقوع عملية الأسر أصلاً. ومن المعروف أن أسر شاليت تم في عملية اجتازت فيها ثلاث خلايا فلسطينية عبر أنفاق امتدت مئات الأمتار عبر الحدود إلى ما خلف الموقع العسكري. وأدارت هذه الخلايا اشتباكاً وفجرت عبوات وأسرت شاليت وعادت إلى غزة.
وكتب المراسل العسكري لـ«هآرتس» عاموس هارئيل تحت عنوان «ثمن التغطية على الحقيقة» أن رئيس الاركان حينها الجنرال دان حلوتس أبلغ المراسلين العسكريين أنه لم تتوفر لديهم إنذارات حول العملية. واستفز ذلك رئيس الشاباك الذي أكد أنه سبق وسلم الجيش الإسرائيلي إنذاراً متكاملاً حول العملية المتوقعة.
وقد نشرت «هآرتس» قبل عامين صيغة الانذار كما تم توثيقها بعد ذلك في تحقيق الجيش الاسرائيلي. «تنوي عناصر ارهابية تنفيذ عملية نوعية في الحال. يبدو أنها في منطقة جنوب القطاع، مع تأكيد منطقة سوفا ـ كيرم شلوم. ليس واضحا مخطط العملية لكنه ممكن والحديث عن دخول من طريق الجدار. والانقضاض على هدف قرب الجدار أو على معبر جنوبي القطاع، أو نفق تفجيري أو عملية دخول».
بناء على الإنذار عززت قيادة الجيش الإسرائيلي قواتها بصورة محدودة فوق شريط طوله 14 كيلومتراً. ولكن هذه التعزيزات لم تكن كافية لمنع وقوع العمليـة ونجاح المقـاومين في أســر شـاليت.
ومن المهم جداً أن هذا الموضوع وخلافه سيعود لاحتلال عناوين الصحف في إسرائيل خلال الأيام المقبلة بعد أن تهدأ الفرحة بعودة شاليت. 

السابق
الاخبار: الموازنة في حالة موت سريري
التالي
فرحة تحرير الأسـرى في مخيمات برج البراجنـة وشاتيـلا