“يوم العصا البيضاء”… الكفيف ينظر لنفسه

على الرصيف في عين المريسة تجمّع أمس أولاد يعانون الإعاقة البصرية، يعرضون على المارة قدراتهم وطاقاتهم الفكرية، التي لا يملك كثر ممن يملكون نظرا ثاقبا ولو جزءا بسيطا منها. هكذا حاولوا أمس رفع الصوت بوجوههم البريئة وحركاتهم الذكية وفطنتهم المحبّبة امام المجتمع والدولة للمطالبة بأبسط حقوقهم الإنسانية، في بلد اعتاد أبناؤه الأصحاء استعطاء حقوقهم وترجي الإستماع إليهم، فكم كان مخجلا أن يطالب أمثالهم بحقوقهم بدل الحصول عليها من دون قيود.
فرحة انهماكهم في القيام بالواجب لتعريف الناس إليهم وإلى مطالبهم لطّفت زحمة الصباح الخانقة، فالناس التفّت حولهم لإلقاء نظرة على ما يجري. ضحكاتهم وأحاديثهم المرحة كسرت رتابة المشهد الصباحي على الرصيف، وأوجدت حشرية إيجابية لدى صيادي السمك والمارة والرياضيين وغيرهم ممن صودف وجودهم حينها.
اغتاظ علي سماحة من مغادرة الرصيف باكرا فأسرّ لصديقه مهدي بيرم "ليه ما منضلّ لـ12؟". أراد الإفادة من كلّ لحظة ليُسمع الناس صوته، وكم كان حديث إبن الـ 14 سنة لـ"النهار" واعيا وحكيما، اذ لخّص وجوده على الرصيف بالآتي: "نحن هنا من مؤسسة الهادي لمناسبة يوم العصا البيضاء، لنقول للناس إن لنا حقوقاً في كل شيء، خصوصا في العمل والتعليم والطبابة، فبطاقة الإعاقة لا تنفع في كل المستشفيات والمستوصفات، في حين أن في الخارج يؤمنون للكفيف العمل والمسكن والتعليم والطبابة". وأضاف بثقة: "المجتمع جاهل هنا لأنه ينظر الى الكفيف على أنه لا يجيد شيئاً ولا يمكنه الإستمرار بمفرده، لينظروا إلى طه حسين فقد كان كفيفا وتمكن عبر طاقاته أن يكون كاتبا وشاعرا حتى أنه تبوّأ منصب وزير تربية في مصر". وتابع: "أتمنى عندما أكبر أن أتمكن من الخروج والسير بمفردي، لكن هذا غير ممكن في لبنان، لأن الطرق تتبدل كل يوم وهي غير مجهزة للمكفوفين كما في الخارج. أتمنى لو أنني لا أعيش في لبنان، ومع ذلك أحب بلدي، وأتمنى أن تسمع الدولة صوتنا وتساعدنا".

أهداف الحملة
شرحت مسؤولة النشاطات والإعلام في مؤسسة الهادي للإعاقة السمعية والبصرية واضطرابات اللغة والتواصل فريال بزي غايات الحملة لـ"النهار"، مشيرة إلى أن "15 تشرين الأول هو يوم العصا البيضاء، أي يوم الكفيف العالمي، وقد نظمنا حملتنا للفت أنظار الناس إلى أن للكفيف القدرة على الحركة والتنقل إن وفرنا له الوسائل المطلوبة. ومن خلال النشاط أظهرنا للناس كيف أن الكفيف الكبير، بمجرّد أن نعرّفه إلى المكان، قادر عبر المساندة والعصا البيضاء أن يتعرف إلى كل المعالم، وبمجرد أن يتعرف إليها يصبح قادراً على تخزين المعلومات والتنقل بمفرده من دون أن يصطدم بشيء. كذلك وزعنا على الناس كتيّبات وملصقات تشرح كيفية تأهيلنا للكفيف الصغير ليجيد التحرّك من طريق الصوت والتنقل باستقلالية من دون مساعدة".
 
وتعرض المؤسسة في الملصق مجموعة من المطالب التي تأمل أن تحققها الدولة وهي: "تجهيز الطرق والأرصفة بمعالم أرضية لتفادي اصطدام الكفيف، وتخصيص أماكن انتظار آمنة عند مواقف الباصات ووسائل النقل، بالإضافة إلى تكييف وسائل النقل العام والخاص بما يتلاءم مع حاجات الكفيف وبجهاز ناطق يعلمه بمحطات التوقف والصعود، وتنبيهه صوتيا عند اشارات السير ليتمكن من المرور، وطباعة كل الإرشادات العامة على الطرق وفي المراكز الحكومية والطبية والتجارية وغيرها بأحرف البرايل لإنهاء الإجراءات في سهولة، وتخصيص أماكن سير مزودة بحواجز أمان خصوصا عند المنزلقات".
وبرغم الوعي الإجتماعي الذي بات متوافرا تجاه طاقات وقدرات الكفيف، وفق بزي، "غير أن المجتمع لا تزال لديه علامات استفهام حول قدرته على التنقل باستقلالية وهذا ما نركز عليه في حملتنا".

في المشروع
فيما انهمك الأولاد بعرض قدرتهم على التنقل أمام الناس وإظهار كيفية الكتابة عبر البرايل واستخدام الهاتف والكومبيوتر الناطق، وارتداء الملابس والتفاعل في اللعب من طريق الصوت، عرضت منسقة برنامج العلاج الإنشغالي في مؤسسة الهادي رنا شري لـ"النهار" ما يتضمنه مشروع بدأت المؤسسة العمل عليه مع المركز الثقافي البريطاني، "فعبر العلاج الإنشغالي نعمل على تحفيز المهارات الحسيّة ومهارات الحركة والتنقل والإستقلالية للكفيف، وهذه المهارة تتطلب من التلميذ أن يعرف المفاهيم المكانية وكيف يميز بين فوق وتحت واليمين واليسار، حتى يعرف كيف يوجه نفسه. ندربه كذلك على كيفية تحريك رأسه وتمييز الأصوات وملامح الأمور وملامسها، فيميز الأشياء والإرتفاعات". وأوضحت أن "مهارات الحركة والتنقل تجعله يعرف كيف يكون مستقلا بالتنقل في أي مكان وهو واثق من حركة جسمه". ولفتت إلى أن المؤسسة "انطلقت في مشروعها إلى المدارس والأماكن العامة"، آملة في أن "نتمكن لاحقا من تنظيم حلقات توعية بمشاركة الناس". 

السابق
اتصلت بعشيقها ألف مرّة..فاعتقلت
التالي
أرخص كومبيوتر لوحي