المحكمة أيضاً تطالِب بـزوْدة!

دارت الأيام، وصار فؤاد السنيورة يشغل باله بزيادة حجْم الدّين العام، وهو الذي لم يرفّ له جفن طوال عقدين من الزمن أدار فيهما المالية العامة حتى أوصل أرقام الدّين إلى الفلك، و"شربَك" الحسابات التي نجح "المنجّم المغرَبي" ابراهيم كنعان في فك شيفراتها وحل رموزها، تمهيداً ليوم الحساب.
اليوم، نجد أن "الملياردير" فؤاد السنيورة مهموم، لأن الدّين سيزيد 32 مليون دولار إذا لم يلتزم لبنان بسداد حصته من تمويل المحكمة الدولية! فوفق ما صرح به بالأمس بعد زيارته دارة آل كرامي في الرملة البيضاء، فإن القرار 1557 يرتب على لبنان التزامات إذا تخلف عن الوفاء بها، تتحوّل ديناً ممتازاً على الدولة اللبنانية.

وإذا كان السنيورة يتناسى ولا ينسى، فإننا أيضاً لا ننسى أن "التهريبة" التي تورّط بها يوم كان رئيساً لحكومة فاقدة للشرعية (وفاقد الشيء لا يعطيه)، جعلت من رسالة غير رسمية موقعة من 71 نائباً تستصدر ذلك القرار الهجين الذي جاء في بعض بنوده تحت الفصل السابع، فقط لكي تكتمل مسرحية التغطية على جرائم التزوير التي ارتكبتها مجموعة لبنانية معروفة بالتعاون مع لجان التقصي والتحقيق الدولية منذ بيتر فيتزجيرالد وصولاً إلى دانيال بلمار، مروراً بديتليف ميليس وسيرج براميرتس.
لقد فات السنيورة أن يخبرنا ما إذا كان قد احتسب، من ضمن الـ32 مليون دولار، الـ5 ملايين يورو التي تطلب الأمم المتحدة من لبنان أن يزيدها على حصته من تمويل المحكمة.
فقد أعلن وزير الخارجية والمغتربين عدنان منصور في حديث إلى موقع "الانتقاد" الالكتروني أن وزارته تلقت بالفعل في 28 أيلول الماضي كتاباً من الأمم المتحدة تطالب فيه لبنان بأن يسدد حصته من تمويل المحكمة عن العام 2011، وكشف أن المبلغ المطلوب ازداد 5 ملايين يورو.

ولما سئل الوزير عمّا إذا كانت هذه الزيادة هي عبارة عن فوائد على المبلغ الأساسي، باعتبار أن لبنان قد تأخر في السداد، قال "أن المسألة تقاس على ما يبدو من خلال عملية ارتفاع سعر صرف اليورو أو انخفاضه، فجرى لحظ مسألة انخفاض اليورو عن السنة الماضية بالنسبة إلى اليوم، لا سيما أن لبنان يدفع حصته من تمويل المحكمة باليورو".
كأن المحكمة لا يكفيها ما فيها من تسييس وتزوير وفضائح واستقالات وصلت إلى رئيسها، حتى يُدخِلها القائمون عليها إلى التداول في ألاعيب البورصة العالمية، لا سيما إذا تذكرنا أن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون متهم بالفساد المالي، وذلك بحسب التقرير الذي أعدته العام الماضي مسؤولة مكتب خدمات المراقبة الداخلية المكلف بمكافحة الفساد في الأمم المتحدة السويدية إينغا بريت ألينوس، التي أنهت خمس سنوات من العمل في المنظمة الدولية بمخاطبة الأمين العام بالقول: "إن أعمالكم ليست مؤسفة فقط بل تستحق العقاب أيضاً".  
الأهم من ذلك، هو أن الدولة اللبنانية المطالبة بـ 32 مليون دولار، وفوقها "حبة مسك" قيمتها 5 ملايين يورو، لم تقدم لها المحكمة منذ انطلاق عملها في آذار 2009، أي كشف عن حساباتها المالية، وبذلك تكون حسابات كي مون (مفتاح القمر)، وهو المشرف الأول على ميزانية المحكمة والمخوّل بموجب القرار 1557 بتوفير مصادر التمويل، شبيهة بحسابات السنيورة الضائعة منذ العام 1993.
بعد هذا وذاك، وبعد سلسلة الفضائح في "الحقيقة ليكس" و"ويكيليكس"، وبعد التصريح الشهير لـ"الشرق الأوسط" في 6 أيلول 2009 عن الشهود الزور، (قبل مشهدية خلع الجاكيت في 13 آذار 2010)، لا يتورّع نواب المستقبل وإعلامه ومعهم مَن تبقى من جماعة الـ"14" عن ممارسة البلطجة من خلال التهويل بعقوبات دولية تفرضها على لبنان منظمة بان ما غيره، إذا لم تسارع الحكومة إلى اتخاذ قرار بتمويل المحكمة؟

الجواب على هذه "الولدنات" يستدعي العودة إلى حديث الوزير الرصين عدنان منصور الذي يشرح الأمر ببساطة وبدبلوماسية مشهودة فيقول: "أن التزامات لبنان ليست فقط في موضوع المحكمة الدولية، هناك التزامات ومساهمات في مجالات كثيرة، كأن يقوم لبنان مثلاً بدفع حصته في تمويل الجامعة العربية، أو في تمويل الأمم المتحدة… ولكن ليس هناك فترة زمنية محددة للدفع، يعني أن أي بلد يمكن أحياناً أن يتأخر سنة أو سنتين عن دفع مثل تلك المبالغ".
ويرى الوزير منصور: "أن كل شيء في أوانه، ولبنان سيأخذ في الاعتبار مصلحته الوطنية العليا، والموضوع عندما سيطرح سيؤخذ فيه القرار، وحتى الآن لم يطرح، وليس هناك من عجلة في هذا الأمر. صحيح أن الأمم المتحدة طلبت من لبنان أن يسدد حصته من تمويل المحكمة، لكنها لا تستطيع أن تحدد لنا متى يتمّ الدفع، غداً أو بعد شهر…"

ويمكن أن نضيف إلى كلام الوزير أن ميزانية الأمم المتحدة تعاني على الدوام من تأخر الكثير من دول العالم عن سداد حصصهم، وعلى سبيل المثال فإن المبالغ المستحقة على الولايات المتحدة للأمم المتحدة والتي تتأخر وتتراكم منذ سنوات تصل إلى نحو مليار دولار.
على أية حال، نحن اليوم في لبنان نعيش موسم زيادات وإضرابات من كل حدب وصوب، حتى أن التهديد بالإضراب لم يقتصر على العمال، بل أن أرباب العمل باتوا يهددون بالإضراب، وربما تكون هذه سابقة تجعلنا ندخل مرة جديدة إلى موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية، بعد الحمص والتبّولة واللحمة المشوية، (بالإذن من الوزير فادي عبّود ومن بلدية ضهور الشوير).
وبما أن الشيء بالشيء يذكر، فلماذا لا تلوح المحكمة ومعها الأمم المتحدة بالإضراب العام عن العمل، علّ الحكومة اللبنانية تسعى إلى تفادي الإضراب فتسلق قرار تمويل المحكمة كما سلقت قرار زيادة الأجور؟ 

السابق
السفير السوري احتج على اتهام دمشق بخطف العيسمي: يضر بالتنسيق بيننا
التالي
ميقاتي نفى خبر لقائه بلمار