سورية: الثورة على الفورة

اللقاءات التي اجراها الرئيس بشار الأسد مع قيادات لبنانية الأسبوع الماضي، لم تَخْلُ من الرسائل السياسية الهامة على ضوء ما يجري في المنطقة من أحداث ولا سيما منها ما يجري في سورية.
ما نقله أولا الرئيس الأسبق للحكومة اللبنانية سليم الحص عن الرئيس الأسد بأن الأحداث في سورية قد انتهت، كان بمثابة الإعلان الرسمي السوري عن ذلك بعد اكثر من ستة اشهر من "الحرب الدولية" على سورية، التي خيضت بأيد داخلية وابواق خارجية أعطت لتلك الأحداث بعدا فظيعا من الممارسة التسلطية على الشعوب والحكومات في المنطقة العربية.

لم يكن الرئيس السوري ليعلن ذلك لولا تأكده من أن الحكومة في بلاده قد اعادت السيطرة على الشارع، علما انها لم تفقدها يوما بالرغم من حداثة سنها، و"العمر الوزاري" لوزرائها الذين اثبتوا قدرة عالية في التعامل مع الأحداث متجاوزين كل الصخب الذي يحصل حولهم، وهذا بحد ذاته يعكس حالة الثقة بالدولة وقدرتها على تخطي الصعاب التي تواجهها. لكن الرئيس السوري الذي اختار أن يطلق إعلانه عبر لبنان وشخصياته ذوات البعد القومي، اراد أن يعطي لذلك الإعلان بعدا بحجم الهجمة التي واجهها طيلة الفترة الماضية، فهو التقى بالرئيس الحص لما يمثل من فكر قومي – عربي اضافة الى انه الشخصية السنية المعتدلة والمنفتحة والتي لا تنتمي الى "جماعة الإخوان المسلمين" الذين باتوا الركيزة الأساسية للسياسة الأميركية في المنطقة العربية والشرق الأوسط بقسمه التركي، مع الأخذ بعين الاعتبار ما وصلت اليه تلك الجماعة من انقسامات تراوحت بين الاعتدال والتطرف.

بعد الرئيس الحص حل الرئيس عمر كرامي ونجله ضيفين على الرئيس الأسد في دمشق في استكمال لمضمون الرسالة التي بدأت مع الرئيس الحص والتي يكرس هذا الجزء منها عملية الحملة المضادة على الهجمة الدولية في الإطارين السياسي والدبلوماسي التي تتحضر لهما دمشق لتوسيع رقعتهما ـ الإطارين ـ انطلاقا من فتح ابواب الزيارات للعديد من المسؤولين في المنطقة ومن العالم الذين باتوا يقرعون الأبواب بحثا عن لقاء ولو تحت عناوين "تسووية" أو نقل لرسائل من هنا وهناك. في حين ان دمشق التي تنهي فصول القضاء على الجماعات المسلحة التي عاثت في البلاد فسادا، بدأت فعليا عملية ثورتها عليهم لتطبيق الإصلاحات التي اُعلن عنها في وقت سابق ومنذ ما قبل اندلاع الأحداث هناك.
 
"الفورة" التي انطلقت ضد الحكومة والدولة في سورية كانت بشكل واقعي ضد الإصلاحات التي بدأت لا للمطالبة بها، لأنه لو سمح بتطبيقها لأفقدت "المحتجين" مسوغات تحركهم، في الوقت الذي ستبدأ فيه الدولة ثورتها الفعلية لتطبيق الإصلاحات و"قمع" المعارضين لها من أجل منع التغييرات التي تحلم بها الولايات المتحدة و"إسرائيل" في المنطقة.

اعلان الرئيس الأسد عن انتهاء الأحداث عبر شخصيتين عربيتين لبنانيتين هو حلقة في سلسلة من التحركات السياسية التي ستستكملها العاصمة السورية وتوسع من دائرتها، لتعكس محورية سياستها في مقابل المحور الآخر الذي ركب موجة "العنف الشعبي" بعد سقوط الحل العسكري في الوحل اللبناني من خلال الحرب التي شنتها "اسرائيل" على لبنان عام 2006، وكان لسورية الدور الأبرز في كسبها من خلال دعم المقاومة والجيش الذي نفذ ما عليه في المواجهة إن تجاه العدو "الإسرائيلي" أو على مستوى الداخل اللبناني في لجم التنظيمات الأصولية والمتشددة التي تتصل مباشرة بالمنظمات الإرهابية المنتشرة في العالم العربي.

لن يقف الأمر عند حدود الشخصيات القومية العربية السنية في بيروت، بل سيتعداه الى تفعيل الاتصالات مع إيران بالدرجة الأولى، وإن كان ذلك لا يشكل علامة فارقة بالنسبة الى الغربيين وحتى بالنسبة الى بعض الرأي العام، إلا أنه ليس مفصولا عن تكريس سياسة المحاور التي لها أيضا امتداداتها الدولية، وهو ما يشير اليه فشل المجتمع الدولي في استصدار قرار موحد ضد سورية في مجلس الأمن والأمم المتحدة، في حين أن لائحة العقوبات التي صدرت بحق شخصيات سورية أو تلك التي تفرض نوعا من الحصار على سورية يعرف من اتخذها بأنها ليست سوى جزء من الحملة الإعلامية وخطة التجييش ضد سورية في العالم.

ما يشير الى ذلك ايضا وبشكل أساسي الموقف الروسي الذي عبّر عنه وزير خارجيتها سيرغي لافروف في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة والذي كان حاسما فيها لجهة رفض السياسة الدولية المتبعة تجاه سورية، واضعا بذلك حدا للطموح الدولي بشن حملة عسكرية على سورية أو حتى فرض الحصار كما جرى في ليبيا.

لم يبتعد الأمر ايضا عن اميركا اللاتينية التي اعلنت احدى دولها الرئيسية وهي فنزويلا عن رفضها للنهج الدولي في التعاطي مع الأحداث في سورية، ليتضح أن سورية قد بدأت بـ"الثورة" على "الفورة" التي لم تعد تعرف تركيا ـ الجار الأقرب الى سورية ـ كيف تتعاطى مع أزمتها التي خلقتها لنفسها من خلال المواقف الحادة التي لم تترك فيها مجالا للتسوية أو التراجع أو حتى حفظ ماء الوجه بعد ما اتخذته من مواقف.
لبنان كان البداية، لكنه لن يكون النهاية، في الثورة السورية المضادة التي ستخوضها الدولة هناك ضد "مثيري الشغب" المحلي والدولي.  

السابق
عون يتحسَّس زعامةً في الراعي..
التالي
بعلمه او لا؟