«كمين راشيا»: عملية نوعية لفرع المعلومات ضد مطلوبين في قضية الإستونيين السبعة

 لم تستطع الخلية الإرهابية التي عبثت بأمن البقاع (شوقي الحاج وسامر الحسيني) منذ أكثر من عام، بدءاً من حوادث مجدل عنجر، والاعتداء على الجيش اللبناني، وعناصر فرع المعلومات، مروراً بخطف الدراجين الأستونيين السبعة بعد عودتهم من دمشق، وصولاً إلى إطلاق النار على دورية تابعة للمعلومات في جلالا، والاعتداء على الطبيبة سلام مسعد روفاييل وإحراق سيارتها في جب جنين، فضلاً عن حوادث السرقة والسلب التي كان آخرها سلب المواطن إيلي جريج سيارته في خربة قنافار وغيرها من الاستهدافات، الإفلات أمس من قبضة القوى الأمنية، وفي طليعتها القوة الضاربة التابعة لفرع المعلومات، حيث تمكنت بعد عملية رصد واسعة للأماكن التي يرتادها أفراد الخلية، والبقعة التي يتحركون فيها والطرق التي يسلكونها، والشقة التي يستأجرونها تحت أسماء وهمية لطلاب جامعات، والأوقات التي يختارونها للتحرك ليلاً، من الإطباق على الخلية والإيقاع بأفرادها وسط كماشة كمائن محكمة الإغلاق من كافة الاتجاهات، على الطريق الدولية بين مفرق خربة روحا – ومثلث عزة – البيرة – الفالوج في منطقة راشيا، متمكنة من إعاقة تحرك سيارة الجيب المسروقة وبداخلها عناصر الخلية، بواسطة أشواك حديدية، زرعت في الطريق لحظة عملية المطاردة القصيرة التي لم تتعد مسافتها كيلومترين، حيث جرى خلالها تبادل لإطلاق النار بين الطرفين من أسلحة رشاشة متوسطة وخفيفة، ما أسفر عن مقتل إرهابيين اثنين، وإصابة ثلاثة عناصر من القوة الضاربة التابعة لفرع المعلومات بينهم ضابط برتبة رائد.
وفي تفاصيل، العملية وفقاً لمصادر أمنية أن فرع المعلومات تمكن مؤخرا، بعد عمليات رصد واسعة لمناطق مشبوهة في المنطقة، من تحديد موقع الشقة السكنية المفروشة، التي يستأجرها أفراد الخلية الإرهابية تحت أسماء وهمية مجهولة، تعود لطلاب جامعات من بيروت، إلى جانب الطريق الدولية التي تربط نقطة المصنع – براشيا، وبالتحديد في مبنى سكني مؤلف من طابقين وطابق سفلي يقع بين مفرق خربة روحا ومثلث مذوخا – البيرة – عزة، تستخدم واجهته الرئيسية المطلة على الطريق كمؤسسة تجارية، وهو يخصّ المواطن ب. ط. من بلدة خربة روحا. ومن خلال المتابعة لأعمال المراقبة الليلية والنهارية للشقة، ثبت بالدليل القاطع أن عناصر الخلية الإرهابية، يستخدمون في تحركاتهم سيارة جيب نوع «ليبرتي» سوداء اللون، سلبت من صاحبها إيلي جريج (زحلة)، على يد أفراد تلك الخلية بتاريخ 31 آب الماضي، أثناء خروجه من حفل فني في «نادي البقاع الغربي» في خربة قنافار، وذلك لتنفيذ عملياتهم الإرهابية التي استهدفت أكثر من منطقة في البقاع في الآونة الأخيرة، والتي كان آخرها الاعتداء على الطبيبة روفاييل، وسلبها سيارتها وإحراقها عند مكب نفايات جب جنين، وإطلاق النار على دورية تابعة للمعلومات في بلدة جلالا في البقاع الأوسط، وإصابة عنصرين من أفراها أحدهما برتبة معاون والآخر برتبة رقيب.

تنفيذ الكمين

ولفتت المصادر إلى أن عملية الرصد، دلّت على ان أفراد الخلية، يتحركون عند منتصف الليل وحتى انبلاج الفجر في اتجاهات عدة، بحيث يركنون السيارة عند عودتهم خلف المبنى المستأجر، بعيداً عن عيون المارة العابرين. كما أنهم يسلكون طرقا جانبية أو رئيسية خالية من الحواجز الأمنية، ويعمدون إلى تنفيذ عملياتهم بشكل خاطف، ويخلدون إلى النوم نهارا.
وذكرت المصادر أنه بعد تجميع تلك الخيوط، نصبت القوة الضاربة التابعة لفرع المعلومات، بدءاً من الساعة العاشرة والنصف من ليل الإثنين – الثلاثاء، كمائن عدة مخفية على شكل كماشة، بعيداً عن أعين المواطنين بين مفرق خربة روحا ونزلة عزة – البيرة في قضاء راشيا، بحيث لا يمكن الإفلات منها. وثبتت نقاط مراقبة واستطلاع متقدمة وعلى مقربة من الشقة المستأجرة. ودعّمت تلك الفرق والنقاط بالعناصر المدججة بالأسلحة الرشاشة الخفيفة والمتوسطة. بعد منتصف الليل بعشر دقائق تحركت سيارة الجيب من أمام الشقة سالكة الطريق العام بين مفرق خربة روحا باتجاه مثلث الفالوج، وبوصولها إلى نزلة عزة – البيرة، طاردتها سيارتان تابعتان لفرع المعلومات لمسافة قصيرة، وجرى تبادل لإطلاق النار بين الطرفين، فعمدت الكمائن المنصوبة إلى توزيع الأشواك الحديدية على الطريق، ما ادى إلى إعاقة تحرك سيارة الجيب وانقلابها بعد إصابة عجلاتها بالرصاص. وقد أسفرت العملية عن مقتل اثنين من أفراد الخلية كانا داخل السيارة، هما، كنان ياسين وشخص آخر (لم تحدد هويته). كما أصيب الرائد في فرع المعلومات خ. ع. والرقيب إ. ن. وقد أشرف على العملية المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، ورئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن.
واستمرت العملية حتى الساعة الرابعة والنصف من فجر اليوم، حيث حضرت سيارات تابعة للصليب الأحمر اللبناني، ونقلت الجثتين إلى مستشفى بعبدا الحكومي.
القوة الضاربة التابعة لفرع المعلومات كانت قد حولت المنطقة المستهدفة الى منطقة مقفلة عسكريا، حيث منعت عبورها في الاتجاهين من قبل السيارات المدنية والمواطنين، واحتجزت بعض الأهالي الذين خرجوا من منازلهم لاستطلاع ما يجري على الأرض وذلك لبعض الوقت، وريثما انتهت العملية، كما عملت القوة على مداهمة الشقة المستأجرة وفتشت محتوياتها وصادرت بعضها، في حين عملت فرقة أخرى على مداهمة منزل صاحب الشقة الحاج بدري طه واعتقلته لإجراء التحقيقات معه.
ومن خلال معاينة مسرح الحدث ظهرت بقع من دماء القتلى حيث انحرفت سيارة الجيب، ولوحظ وجود قبعة سوداء وبعـــض المحسنات النسائية، وزجاجة عطر، «مشاية رجالية» من نوع باتا.
ووصفت المصادر، هذه العملية الأمنية بالعملية المتقنة والمحبوكة، نظرا ً لخطورة افراد الخلية الإرهابية المستهدفة، ووصفت نتائجها بالناجحة جدا، بعدما عبث افرادها بالأمن والاستقرار في المنطقة، وحاولوا زرع بذور الفتنة الطائفية، لا سيما أن لأفرادها علاقة بعملية خطف الدراجين الاستونيين السبعة بعد عودتهم من دمشق عن طريق نقطة المصنع الحدودية وذلك في منطقة الفيضة كفرزبد في البقاع الأوسط، الى جانب الارتكابات الإرهابية التي نفذتها بحق الجيش اللبناني وما نتج عنها من استشهاد الرائد عبدو جاسر من صغبين والرقيب زياد الميس من بر الياس على طريق مجدل عنجر، مرورا باغتيال المعاون صبري من عداد عناصر فرع المعلومات، وإطلاق النار على دورية المعلومات في جلالا – ثعلبايا الأسبوع الماضي وإصابة اثنين من عناصرها، وصولا الى الاعتداء على الطبيبة مسعد منذ أيام وسلبها سيارتها وحرقها في مكب نفايات جب جنين، والعبث بالمزارات الدينية المسيحية ومحتوياتها في عميق وتل الذنوب ودير طحنيش في البقاع الغربي.

هوية القتيلين

وقد تم تحديد هوية أحد القتيلين وهو كنان صابر ياسين، في حين أن القتيل الثاني لم تحدد هويته، بانتظار نتائج الفحوصات المخبرية والحمض النووي. وتتأرجح هويته ما بين أربعة مطلوبين، هم، و. ع.، و م. ح. (المعروف باسم محمد السوري)، وإ. خ.، وم. ج. وأشارت معلومات أمنية إلى أن القتيلين من المشاركين في الكمين الذي استهدف المؤهل أول راشد صبري، وعمليات الاعتداء الأسبوع الماضي.
وعمل عناصر مكتب فرع المعلومات الفني على جمع الأدلة وفحص السيارة. وتم توقيف صاحب الشقة وشخص آخر ونقلا إلى بيروت. وضبطت من المنزل أسلحة رشاشة حربية وصواعق كهربائية وقنابل. كما نقلت السيارة إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي لإجراء المقتضى مع الأسلحة والذخائر المتنوعة، ما بين رشاشات وقنابل، ومسدسات.
ولم يسجل في مجدل عنجر أمس، أي حركة غير طبيعية. وعاش الأهالي يومهم بشكل طبيعي مع متابعتهم لأخبار العملية. كما حاولوا معرفة هوية القتيل الثاني، ولم يفلحوا في ذلك. ولم يسجل أي اتصال أمني أو عسكري مع عائلات المطلوبين للتأكد من هوية القتيل الثاني.
وأصدرت شعبة العلاقات العامة في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بيانا أمس، لفتت فيه إلى أنه في إطار متابعة قضية خطف الاستونيين السبعة التي حصلت بتاريخ 23 آذار الماضي، وتمكّن شعبة المعلومات من توقيف تسعة أشخاص من المتورطين وتواري الباقين عن الأنظار، وعلى أثر المتابعة وتشديد الخناق عليهم أقدمت مجموعة منهم على اغتيال المؤهل أول راشد صبري، من شعبة المعلومات في بلدة مجدل عنجر بتاريخ 10 نيسان الماضي، نتج عنها مقتل أحد أهم أفراد العصابة المدعو درويش خنجر، كما قاموا بعدة عمليات سلب في منطقة البقاع الأوسط. على أثر تحرير الاستونيين السبعة، تابعت شعبة المعلومات عملية ملاحقة أفراد العصابة حيث تم اعتراض أحد أهم الضالعين في القضية في بلدة عرسال، بتاريخ 11 أيلول الجاري، بهدف توقيفه فحصل تبادل إطلاق نار تمكن المذكور على إثره من الفرار بعد إصابته. وبتاريخ 16 أيلول الجاري، تعرضت إحدى دوريات شعبة المعلومات لكمين مسلح في بلدة جلالا، ما أدّى إلى إصابة رتيبين أحدهما إصابته بالغة، وبنتيجة التحقيقات تبيّن أن المجموعة نفسها قامت بنصب الكمين بعد قيام أفرادها بسلب سيارة من محلة جبّ جنين، بغية استعمالها في تنفيذ العملية. وعمـــدت إلى إحراقهـــا بالقرب من مكبّ النفــايات في البلـــدة ذاتهـــا بعد التنفيذ.
على أثر ذلك استمرت عمليات رصد ومراقبة أفراد العصابة حيث تم التعرّف على السيارة التي يستخدمونها، وهي من نوع شيروكي ليبرتي لون أسود، سرقت من محلة خربة قنافار بتاريخ 31 آب الماضي، والتي تبيّن أن مستقلّيها قاموا بعمليات تخريب لعدة مزارات دينية في منطقة عميق ومحيطها. وليل 19- 20 أيلول الجاري، رُصدت السيارة المذكورة على طريق عام راشيا فأقامت قوة من شعبة المعلومات في محلة طريق عزّة – قضاء البقاع الغربي حاجزاً بغية توقيفها، وبوصولها إلى الحاجز رفض ركابها الامتثال. وقاموا بإطلاق النار باتجاه عناصر الحاجز الذين ردواّ على مصادر النيران، ما أدّى إلى مقتل شخصين مطلوبين كانا بداخلها على الفور، وإصابة عنصرين من القوى الأمنية. وتبيّن أن القتيلين من الأفراد الرئيسيين في العصابة، وبتفتيش السيارة عُثر بداخلها على أسلحة حربية وقنابل يدوية وقناع ومستندات عائدة لأشخاص تعرضوا للسلب. كما دوهمت شقة كان أفراد العصابة يستعملونها، وعثر بداخلها على أسلحة حربية وقنابل يدوية وصواعق كهرباية وغيرها.
أما أهالي بلدات عزة، والبيرة، وخربة روحا، ومذوخا، المجاورة لمكان الكمين والشقة التي كانت تسكنها الخلية، فتابعوا تفاصيل العملية وحيثياتها أمس، معربين عن استهجانهم لوجود شبكة إرهابية تتخذ لها مسكنا بالإيجار بينهم. ولفت محمد عواض (أحد الجيران) إلى أنه لم يلاحظ أي تحركات من شأنها «أن تدل على مشبوهين أو ملاحقين يجاوروننا السكن في المنطقة، باستثناء بعض العائلات التي تقطن في المبنى وهي عائلات مدنية ومعروفة»، مشيراً إلى أنه كان يلاحظ في بعض الأحيان عند عودته فجرا من عمله، سيارة جيب سوداء اللون تتجه إلى خلف المبنى، معتقداً أن السيارة يمكن أن تكون لإحدى العـــائلات. أما صاحب الفرن المواجه للمبنى أبو ياســـر، فأكد عدم ملاحظته عناصر غريبة تســـكن في المنطـــقة، لافتاً إلى أنه يفتح الفرن في النهار «ولم يرتده أي من هؤلاء».

ميقاتي وشربل

وكان رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قد استقبل أمس، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، ورئيس شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي العقيد وسام الحسن.
ومن جهته، ثمّن وزير الداخلية والبلديات العميد مروان شربل «العملية النوعية التي نفذتها قوى الأمن الداخلي في منطقة البقاع ضد المطلوبين في خطف الاستونيين السبعة»، مشيدا «بجهود تلك القوى وتضحياتها لتعزيز الأمن والاستقرار، وتشددها في الإجراءات الأمنية لمعاقبة المخلين بالأمن، مهما كانت الدوافع». وكشف شربل، أن المطلوبين «كانوا يعدّون لعملية خطف جديدة لأجانب، بعدما حصلوا على فدية مالية للافراج عن الاســـتونيين الســـبعة. وذلك ما فتح شهيتهم لتحـــقيق المزيد من الأموال، علما أن معلـــومة دفع الفدية قد أكدتها التحقيقات التي قامت بها القوى الأمنية في وقت لاحق».
وأوضح شربل أن «المطاردة سبقتها أخرى في خراج بلدة عرسال، أدت إلى إصابة أحد المطلوبين، الذي تمكن رفاقه من سحبه بسبب كثافة النيران التي أطلقوها، واشتباك آخر في جسر جلالا أصيب خلاله عنصران من فرع المعلومات إصابة أحدهما خطرة، فيما نتج عن الاشتباك (الأخير) مقتل اثنين من المطلوبين وإصابة ضابط وعنصر من فرع المعلومات»، مشيرا إلى أن «أحد القتيلين شارك في عملية اغتيال المؤهل راشد صبري في مجدل عنجر»، لافتا إلى أن «قوى الأمن أرسلت ضابطين إلى استونيا لمعرفة الجهة التي كانت تتفاوض معها لتحرير مواطنيها»، مؤكداً أن «عملية تعقب خاطفي الاستونيين مستمرة حتى إلقاء القبض على المتبقين». 

السابق
اليونيفيل احيت “اليوم العالمي للسلام” في الناقورة
التالي
ألف رجال اطفاء لن ينجحوا