“كان زمان”… أعاد المجد لحياة القرية القديمة

حين تستنطق الكلمة الصورة، فتخرجها عن صمتها،وتحولها الى شريط أحداث، فتستعيد الذكريات من عمق الذاكرة المدفونة، ذاك يعني أنك في عمق قرية التراث، متحف "كان زمان" في بلدة خربة سلم الجنوبية، الذي يجردك من حدودك، ويدخلك الى عالم الوجود وإن بشكل جامد.
فأن تتلمس جزء من الحلم،خير من أن لا تجده وهذا ما تعيشه في"كان زمان"،بأحداثة وصوره ومقتنياته،حيث كان الفلاح يغزو أرضه عشقاً بإنتاج جيد، وربة المنزل تتأهب لتحضير المونة البيتية، التي تأتي بها من "حاكورة الدار"، والفتيات يسولفن على البيدر، وهن يحرسن الحقل ويملأن الجرار من عين الضيعة، وكان زمان أبو شكري الذي يأتي بسيارته الفخمة يتباهى بإمتلاكه إياها في زمن الحنطور والحمار والحصان… ولكن ما كان زمان، أصبح حاضرا في متحفٍ أول، يجسد صورة الحياة القروية بكافة جنباتها، المرقطة بلون التعب المجبول بالعز… تحت عنوان"كان زمان"
على مساحة 600 متر مربع، تسدل الضيعة القروية حدودها،لتيعيد رونق الجدود عبر صورة جديدة، خالية من شوائب الحياة، فداخلها تلحظ جمالية الخيال الذي تحول الى واقع ممزوج بحكاية تسرد تفاصيلها شخصيات أٌحضرت لتكون اللاعب الملك في تلك الزاوية…. يتسنى لزائر القرية أن يزور ماضيه من على شرفة الصورة، اذ يُعد بوابة مفتوحة على الماضي، على تقاليد الماضي، التي تتجسد بما يقارب الألف قطعة أثرية من ادوات الجدود، فجاء المتحف ليثلج قلوب جيل يجهل تلك الحياة.

كاميرا… ونورج
ما إن تطأ قدمك أطراف القرية، حتى تستوقفك الحاجة أم علي برائحة خبزها التي تخبزه على الطابون"، وتفوح رائحته في أرجاء المكان، تصل الى حدود الحاج أبو يحي الذي يعمل "مصوراتي الضيعة"، لا يهدأ ولا يكِل وهو يسحب عدسته ليلتقط صوره هنا وهناك،في المقلب الأخر تقع عينك على الفلاح الذي يكاد وجهه أن يلامس التراب، وهو يحرث الأرض بنِير مربوط على حمار، فيما زعيق الرجال يصدح من البيدر يجرون النورج ويطحنون القمح، تتجمد تلك الصورة فيرتع صدى بنت الضيعة القروية التي تمر بثوبها القروي المرقع، تتغنج بمشيتها وهي تحمل جرة المياه،لتملأها من على النبعة، فيما تجهد ام محمد في إعداد السماق والتين المجفف والكشك والقاورما لتخزنها بالخوابي الفخارية والزجاجية…
تتوقف أصداء الصورة لتجد نفسك تحاكي الحياة القروية بأبعادها الخيالية، التي حضرت أدواتها الى ذاك المتحف،ورقدت تذكر الزائر بقيمة الحياة القديمة ببساطتها رغم تعبها، في رحلة الاقلاع عكس الزمن الى حضن القرية،التي تحمل في نواتها أجيالاً من العادات والتقاليد والتراث، تحمل مجتمعاً يحفظ كل شيء، ويأبى أن يٌرسل الى زمنه البعيد.
 
لقد حضر المجتمع القروي بقوته الى داخل"كان زمان"،وحضرت حكايا القرية التي عششّت في أعماقها التي غزت الحاضر من على صهوة الماضي، بحيث يجسد الحرية التراثية المتحررة من قيود التطور، حرية ببساطتها، أضفت نكهة تراثية جديدة، الى النكهات التي يتذوقها المواطن، ولكنها الأقوى، نظرا للروابط القوية التي تربط الماضي الأصيل بالحاضر.

معادلة جديدة
وهذا ما جسده الحاج حسن محمود في ضيعته،فحين تجد جلسة السمر الشبابية على موسيقى المهباج والقهوة العربية، وبمحاذاتها تجد ام علي تسلق القمح في الخلقينة، وفتيات يعملن في الخياطة، وهذا خير شاهد على اللُحْمة القروية يقول ماجد، الذي يحاول أن يبث عبرها رسائل للجيل الجديد، "فهو يدرك تعطشه لتلك الحياة، فهو عايشها، ويعيش على ذكراها رغم غربته إلى أمريكا يقول ناصر ثم يعقب "فالحاج ماجد يدعو الجيل الى سبر أغوار حياة غابت عنه تفاصيلها، وحضر طيفها، يدفعه للتعمق في فهم حياة الضيعة"، والذي نجح ماجد في تقديمها على طبق ماسي حيث قدم عدة الخياط والتصوير، والأسلحة وعدة الفلاح والمنزل القروي والسيارات القديمة والحنطور،قدمها بطريقة فنية متقنة تجذب المرء ليحيك عبرها قصة القرية.
لقد خلق ماجد في "كان زمان"، معادلة زمنية جديدة، معادلة الماضي الذي ينافس الحاضر، وربما نجح الى حد كبير، "فالاصرار الذي واكبه على تحقيق حلمه، والذي بقي يصارعه أكثر من 15 عاماً، ونفّذه بقريته هو كان سلاحه" يقول المشرف على المتحف ناصر ماجد، الذي يشير الى أن "الحاج ماجد كان يعمل خياطاً، ومنها إنطلق، إذ جمع كل أدوات الخياطة القديمة، وإنتقل الى عدة الفلاح كاملة، ليتنقل الى الأسلحة وادوات الاكل القديمة النحاسية، وكل ادوات المرأة القروية التي تساعدها في طبخها، من "الصاج"، إلى"الطابونة" "والبابور والمداخن الحجرية".
ومن هنا إنطلق الحلم "للوصول الى ضيعة التراث" كما يفيد ناصر الذي يعامل المتحف كطفل صغير ولد بعد سنين طويلة من العقم، ولد وحمل معه الحلم، "من رحم الخوف من اندثار الحياة القروية، فكان المطلوب النبش في عمقها لاعادة احيائها،من هنا ضم المتحف "السريدي" التي تعلق على الحمار، النورج يربط الى بقرتين تربط بخشبة لطحن القمح، الخليقنة لسلق البرغل، الطابونة، الصاج، الداخون القديم، البابور القديم وأدوات الأكل من أسطل حديدية، الاسلحة، الشاعوبة، آلات التصوير، الليرات القديمة، السيارات، فلقد حاولنا إدخال النور الى ظلمة الحياة القروية" يقول ناصر.
ولا يفت ناصر الإشارة إلى أن "الحاج ماجد يملك فكرة اقامة البيت القديم، وفق اجنحة على الطريقة القديمة ضيعة"، هذا ويفتح المتحف أبوابه كل نهار جمعة وسبت وفي الأعياد. 

السابق
النهار: ميقاتي من الديمان: السنّة شريك إيجابي
التالي
صور: سوريا ليست بخير