الصراعات السياسية بين الجزء والكل

عندما تغوص في التفاصيل تنسى الصورة الكلية، كما ان إدراكك للصورة الكلية يعطيك تفسيراً أكثر دقة لمجريات الأحداث من حولك، ولو أسقطنا مفهوم الصورة الكلية والصورة الجزئية على الواقع السياسي، لأدركنا كثيراً من الحقائق الغائبة عن الأذهان.
إن الصراع الطائفي في منطقتنا صورة جزئية، بينما الصراع السياسي هو الصورة الكلية، ولفهم دوافع الصراع الطائفي، علينا فهم الصراع السياسي، ففي علم السياسة هناك قوى عالمية وإقليمية ومحلية، وكلما صعدت إلى مستوى أعلى فهمت دوافع ومبررات الصراع الإقليمي والمحلي.

كما يجب أن نستوعب أن في كل منظومة (عالمية كانت أو إقليمية) تكمن مراكز قوى، تلك المراكز هي التي تهيمن على السياسات الداخلية للدول وتتحكم بها، بينما تكون الدول الضعيفة في أي منظومة ساحة صراع بين مراكز القوى في تلك المنظومة، ولو تلفتنا حولنا لاستوعبنا من تلكم القوى الإقليمية التي تمثل مراكز القوى، ومن تلكم التي تعطينا مثالاً واضحاً للدول الضعيفة.
 
وساحات الصراع الإقليمي أو الدولي لا تجد مجالاً إلا في الدول التي تكون فيها مساحات الحرية واسعة أو تكمن فيها مبررات الصراع، ومبررات الصراعات السياسية المحلية في منطقتنا ذات الأصول الإقليمية في منطقتنا هو صراع ذو جذور دينية، متمثل في تأجيج الخلافات الطائفية بين الشيعة والسنة بالدرجة الأولى.

العراق مثال واضح لجميع أنواع مبررات الصراعات الإقليمية، حيث تزداد فيها الصراعات لكثرة مبررات الصراع فيها، ففيها المبررات العرقية (عرب وأكراد)، وفيها المبررات الدينية (سنة وشيعة)، كما أن الانفتاح على الديموقراطية بشكل سريع مفاجئ، خلق حالة من عدم الاستقرار، بعد عقود من الحكم بالحديد والنار، مما سيحتاج إلى أعوام تطول أو تقصر للوصول إلى بر الأمان.

وفي الكويت، ولأن للحرية مساحات واسعة، اختلقت مراكز القوى المحلية والإقليمية مساحات صراع فئوية ودينية وعرقية، فمساحات الصراع في الكويت دينية (سنة وشيعة)، وفئوية (حضر وبدو)، وعرقية (عرب وعجم)، وورقة الصراع الأخيرة أضعفها لاكتفائهم بالاستقطاب الطائفي.

إن أساس الصراع في أي منظومة هو الصراع السياسي، وتستثمر مراكز القوى تلك الإثنيات في تأجيج الصراعات المحلية أو الإقليمية لتنفيذ أجندتها وتحقيق مصالحها، فإذا رأيت صراعاً في الدول الضعيفة في أي منظومة، لا تغص في تفاصيلها، ارتفع قليلاً، وسِّع نظرتك، لترى الصراع الحقيقي بشكل أوضح. 

السابق
شكاوى من الضاحية..
التالي
الاخبار: بلمار يمدّد حماية شهود الزور