الجمهورية: سجال عنيف بين حزب الله وتيار المستقبل والأكثرية تحتسب الأرباح وتستعد لاستحقاق المحكمة

مّا وقد تجاوزت الحكومة "القطوع الكهربائي" بأقلّ الخسائر الممكنة، فإنّ السؤال الذي طرحته الأوساط السياسية قاطبة هو: ماذا بعد؟ فيما لاحت في الأفق مؤشرات على ان الساحة الداخلية ستشهد مزيدا من التحركات بين متضامنة مع الشعب السوري وأخرى متضامنة مع نظام الرئيس بشار الاسد مثلما حصل في وسط بيروت عصر امس.

والجواب عند رئيس مجلس النواب نبيه برّي على هذه "الـ ماذا بعد؟" ينبغي ان يكون، في رأيه، ملف النفط تنقيبا واستخراجا "لأنّ هذا الملف هو أهم من كل الملفّات الأُخرى"، حسب ما قال لـ"الجمهورية"، مشددا على ضرورة الاسراع في إصدار المراسيم التطبيقية لقانون النفط والبدء بالتلزيم، بالتزامن مع إجراء مفاوضات مع قبرص لاسترجاع مساحة 870 كيلومترا مربّعا من مساحة مياه لبنان الاقليمية قرصنتها اسرائيل بموجب الترسيم الحدودي البحري الذي أجرته مع قبرص بمعزل عن لبنان. وأكّد تصمميمه على الدفع في الملفّ النفطي بكلّ ما أوتي من قوة وإمكانات ووسائل للوصول به الى الخواتيم المرجوة والتي يعوّل عليها إنقاذ لبنان ماليّا واقتصاديا.

أمّا الجواب عند الآخرين موالاة ومعارضة فهو غير واضح، او متروك للظروف في احسن الحالات، علّها تستولد ملفّات جديدة تطرح على بساط البحث، او التّساجُل، على هامش الاستحقاقات الكبرى الداخلية والاقليمية والدولية والتي من المنتظر ان تدهم لبنان، ولعلّ ابرزها ملف المحاكمات في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي ستبدأ في 20 من ايلول الجاري، حسب ما اعلن أمس رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أنطونيو كاسيزي.

ففي الوقت الذي طوت الحكومة ملفّ الكهرباء وسط سباق محموم بين فريق رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي جيّر الإنجاز لنفسه، وفريق وزراء تكتل "الإصلاح والتغيير" الذي ادّعى احتكار "الانتصار الكهربائي"، بدأت تتسلّل الى الأروقة الحكومية هموم العلاقة التي يجب ان تقوم بين لبنان والمحكمة الدولية على اكثر من مستوى، سواء على مستوى تمويلها أو استحقاق البدء بالمحاكمات الغيابية.

بدء المحاكمات

وقد أصدر كاسيزي أمس، وفقًا لقواعد المحكمة، قرارا بأنه يجوز لغرفة الدرجة الأولى فيها أن تجتمع قبل بدء المحاكمة لتناول مسائل متنوّعة مثل عقد جلسةٍ لمثول المتّهم أمامها للمرّة الأولى إذا كان قيد الاحتجاز، والبتّ في ما إذا كانت المحاكمة الغيابية صحيحة، والفصل في الطلبات الأوّلية. وأعلن انّ المحاكمات ستبدأ في العشرين من أيلول الجاري.

وكشفت مصادر قانونية لـ "الجمهورية" أنّ الإعلان عن اختيار ستة محامين لبنانيين من المتخصصين في المحاكمات الجزائية في إطار لائحة المحامين المقبولين للعمل في المحكمة، يشكّل أولى الخطوات العمليّة لبدء المحاكمات.

تزامُنا، ربطت مصادر مطّلعة بين هذه الخطوات والبحث في بند تمويل المحكمة من دون ان يهتزّ التضامن الحكومي "بعدما نجا بأعجوبة" بإقرار الملف الكهربائي وسلسلة المخارج التي وزّعت "الأرباح السياسيّة" على كلّ مكوّنات الحكومة، كلّ من باب الحدّ الأدنى من المطالب التي كان ينادي بها.

وعلى صعيد تمويل المحكمة، جزمت المصادر نفسها بأنّ رئيس قلم المحكمة فون هابيل انهى زيارته لبيروت مطمئنا الى وجود قرار حكومي بهذا التمويل مهما كانت العقبات التي تحول دونه على المستوى السياسي وتبلغ مخارج قانونية ومالية عدة يمكن أن تؤدي الى تمويل من خارج البحث فيه في مجلس الوزراء على اعتباره إجراء يتصل بتطبيق قانون برنامج سبق لمجلس النواب ان أقرّه، وبات إلزاميّا تضمين المبالغ المقرّرة فيه سنويا من ضمن الموازنة العامّة لكلّ سنة.

وزير العدل

وأمس عبّر وزير العدل شكيب قرطباوي لـ"الجمهورية" عن استغرابه "لسيل المعلومات التي تتحدّث عن موافقة هذا الوزير او ذاك على ملف تمويل المحكمة قبل ان يبحث مجلس الوزراء في هذا الملف"، رافضا "التكهّن من اليوم بما سيكون عليه الوضع".

وعلّق قرطباوي على المخارج التي تقول بوضع مبالغ مالية في تصرّف رئيس الحكومة يمكن ان يجيّر من خلالها ما يتصل بتمويل المحكمة الى حساباتها في لاهاي، فقال: "إنّ الملفّ لم يطرح بعد معه ولا على مستوى مجلس الوزراء، وعند طرحه سيكون لنا الموقف المناسب ولكن في الوقت المناسب". ولفت الى "الأخبار التي تدخل في باب التمنيات والرغبات"، فدعا الى "التزام مضمون القرارات الرسميّة متى صدرت". وأكّد انّه لم يتناول هذا الموضوع بالبحث مع رئيس قلم المحكمة الدولية، معتبرا "أنّ اللقاء معه كان بهدف التعارف والبحث في بعض المواعيد والاستحقاقات والإجراءات القانونية وفق ما يراها هابيل والأجهزة المعنية في المحكمة".

تنفّس الصعداء

إلى ذلك، تنفّست الحكومة الصعداء بعدما ارتاحت من هَمّ مشروع الكهرباء لتستعد لمنازلة جديدة حول الخطة الكهربائية سيكون مسرحها المجلس النيابي، إذ بدأ نوّاب المعارضة استعداداتهم لهذه المنازلة منتظرين وصول هذه الخطة الى المجلس لمناقشتها.

فيما أكّد بعضهم "أنّ من الاسهل ان يمرّ مشروع الكهرباء في مجلس النوّاب بعد إدخال التعديلات عليه".

مواقف وزاريّة

في غضون ذلك، ملأت الساحة المحلّية مواقف لفريقي الغالبية والأقلّية يجير كلّ فريق منهما الإنجاز الكهربائي لمصلحته.

وفي هذا الاطار أكّد رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون في حديث تلفزيوني مساء أمس "أنّ خطة الكهرباء بقيت كما هي ولم يطرأ أيّ تعديل عليها، لكن التوزيع المالي تغيّر". وأمل من تيّار "المستقبل" تأييد الخطة في مجلس النواب، قائلا: "مبدئيّا الخطة ستقرّ وقد حققنا إنجازا". وقال: "لست حجما صغيرا وأنا شريك أساسيّ في القرار، والهدف الاساسي إنارة لبنان بعد 20 عاما من الظلمة وصرف مليارات الدولارات بلا فائدة. ورفض "الدخول في سجال مع أحد"، وقال: "لا أشعر بأنّني مطوّق من الحلفاء، وإنّني معتاد على السكاكين من أيّ جهة كانت"، مؤكّدا أنّ "حلفائي في الحكومة الجميع ولا أحد".

وحذّر عون من أنّه "إذا لم تسِر خطّتي الإصلاحية فلن يبقى لبنان"، معتبرا أنّ وزير الاشغال غازي العريضي "أعطِي ملايين المبالغ ويصرفها خارج اطار المراقبة، ولا رقابة على مجلس الإنماء والإعمار ولا على مجلس الجنوب وصندوق المهجّرين". وقال: "لم أسمع أنّ الرئيس ميقاتي هدّد بالانسحاب إلّا في الصحف". وقال: "لا اريد ان اتحدّى احدا ولا أحد يتحدّاني". مؤكّدا أنّ "مسار الإصلاح طويل". وقال: "لا ملفّ اثرناه في السابق سينام، وبفقسة زرّ سنعيد طرح ملف الشهود الزور عبر وزير العدل شكيب قرطباوي، لا مشكلة لي مع السُنّة". وأضاف: "اذا لم يرضَ ميقاتي بإقالة الموظفين السُنّة الستّة (منهم المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي، الامين العام لرئاسة مجلس الوزراء القاضي سهيل بوجي، المدير العام لشركة "اوجيرو" الدكتور عبد المنعم يوسف، رئيس فرع المعلومات العقيد وسام الحسن) يكون قد اعتبر نفسه فوق القانون، وعندها تكون المشكلة وطنيّة". ولفت الى انّ وزير الداخلية مروان شربل "إمّا يجهل ما يقوم به مرؤوسه أشرف ريفي وإمّا أصبح مثله".

وإلى ذلك أبدى وزير المال محمد الصفدي ارتياحه الى قرار مجلس الوزراء في شأن تمويل الخطة الكهربائية. وقال: "إنّ التجزئة سهّلت الأمور وفتحت الباب أمام التحاور مع الصناديق الدولية العربية والإسلامية لتمويل المراحل المقبلة من الخطة".

وفي المقلب الآخر، وفيما اعتبر نوّاب تكتل التغيير والإصلاح "أنّ مشروع الكهرباء هو لجميع اللبنانيين وأنّ المنتصر هو لبنان"، شنّ نواب المعارضة حملة على عون "الذي يخوض معارك وهمية خاسرة ويوهم الجميع بأنّه انتصر"، وأبدوا استعدادهم "لمناقشة مشروع الحكومة في مجلس النواب وإقرار ما يرونه مناسبا".

ووصف النائب بطرس حرب القرار الكهربائي بأنّه "انتصار للمعارضة، لأنّ التعديلات التي أُدخلت على اقتراح القانون الذي قدّمه العماد عون جاءت متبنّية الملاحظات والتحفظات التي كانت قوى المعارضة السياسية أبدتها بهدف منع هدر الأموال العمومية والحؤول دون تكرار تجارب الماضي المتعلقة بمشاريع الكهرباء والتي هُدِرت سابقاً".

السعد

وقال النائب فؤاد السعد لـ"الجمهورية": "إنّ الموقف من مشروع الكهرباء ليس موقفا سياسيّا بمقدار ما هو موقف ثقة بالأشخاص الذين سينفّذونه، فلو كان الوزير السابق فؤاد بطرس مثلا وزيرا للطاقة لكُنّا وافقنا بسهولة على المشروع من دون أن نوافق لعون وباسيل".

وأكّد "أنّ القضية تستلزم مناقشة في العمق ودرسا مشبعا، فمشروع كهرباء لبلد بكامله لا يكون بصفحتين ونصف صفحة".

ولاحظ السعد "أنّ الفريق الاكثري غير راضٍ بما أعطي له ولا الفريق المعارض راضٍ بالمشروع حسب ما عُدّل". وقال: "كنّا نريد ضوابط أكثر بكثير من تلك التي وضعت. صحيح أنّ الضوابط الموضوعة "مش حبتين"، لكن كان يمكن وضع ضوابط أكثر، وكلّ ذلك نتيجة عدم الثقة بمن سيتولّى الموضوع". وأكّد "أنّ لبنان في حاجة إلى كهرباء، فالناس ينامون في الظلمة. ونحن لسنا ضدّ حصولهم على الكهرباء في شكل دائم، لكن نريد الضمانات الكافية لكي ينفّذ المشروع كما يجب". وقال "إنّ فريقي الحكومة رضيا، بصعوبة وعلى مضض، نتيجة الخوف على مصير الحكومة. فـحزب الله لا يصدّق حتى الآن أنّ له حكومة ولن يتخلّى عنها كُرمى عيني عون".

"المستقبل" و"الحزب"

في غضون ذلك، تصاعدت حدّة اللهجة بين حزب الله وتيار "المستقبل" واستمرّ التراشق الكلامي بينهما. وفيما وصف رئيس "كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد خطاب "المستقبل" بـ"الفاجر و تفوح منه رائحة الأَسن ونتانة الفتن"، استغربت مصادر في تيّار "المستقبل" هجوم "حزب الله" عليه في هذه المرحلة، "خصوصا وأنّ الخطاب السياسي للتيار ليس بجديد"، وأشارت إلى "أنّ المشكلة مع الحزب تنتفي عند تخلّيه عن السلاح". وإذ استبعدت "حصول أيّ فتنة سنّية- شيعيّة"، أكّدت "أنّ الطائفة السنّية لا تملك سلاحا، وتاليا ليس لديها مقوّمات الفتنة".

فتفت

وقال عضو كتلة "المستقبل" النيابية النائب أحمد فتفت لـ"الجمهورية" إنّ "الإناء ينضح بما فيه، نتانة الكلام لم تنشأ إلّا من ثقافة "حزب الله" وهي ثقافة الميليشيا والسلاح والقمع والسيطرة على الناس. فكلّ كلام لا يتناسب مع فكرهم السياسي يحاولون وصفه بأبشع الاتهامات". وأكّد "اعتماد التيّار الخطاب السياسي نفسه، فما نقوله اليوم سبق أن قلناه امس، ولا شيء جديد. نحن نقول إنّ "حزب الله" ميليشيا لأنّه تخلّى عن المقاومة ووجّه سلاحه الى الداخل". وسأل: "لماذا لم ينزعجوا عندما كانت الصحيفة القريبة منهم تنشر وثائق "ويكيليكس"؟ ما يدلّل إلى أيّ مدى كانوا انتقائيين". وأضاف: "إنّ النتانة التي رأيناها عندما طالبت إحدى المذيعات على احدى محطاتهم التلفزيونية باغتيالي وعلى رغم ذلك لم يُتّخذ أيّ إجراء في حقّها، ونحن لا نعرف النزول إلى مستواهم المتدنّي أخلاقيّا، بل نقول صراحة إنّ حزب الله ميليشيا، ليس بمنطق السلاح فقط، وإنما بالمنطق الفكري والأخلاقي".

السابق
فلسطين في الأمم المتحدة…
التالي
لقاء بين ممثل الامم المتحدة في لبنان ومسؤول العلاقات الدولية في حزب الله في الامس