لا بديل عن ضرب سوريا عسكريا

لم يسجل التاريخ الحي للشعوب بأن نظاما سياسيا فاشيا مجرما إستئصاليا يمكن أن يرحل عن السلطة سلميا ومن دون إستعمال القوة المفرطة والتي هي وحدها الدواء الشافي والبلسم المعافي لكل الطغاة عبر التاريخ , ما كان يمكن لألمانيا النازية أن تخمد راياتها العنصرية المشبعة بالكراهية والعدوانية والإستحواذ وإدعاءات التفوق العرقي العنصري لولا المقاومة الشرسة لقوى الحرية والديمقراطية, فسقوط برلين عاصمة "الرايخ" تحت جنازير دبابات الحلفاء عام 1945 كان هو الفصل النهائي في تراجيديا دموية إستمرت أكثر من 12 عاما حافلة بالمصائب والدماء , وماكان ممكنا أن يتم القضاء على الفاشية الإيطالية وإستئصال جذورها العدوانية المتخلفة من دون اللجوء الى لغة السلاح والحسم النهائي, وهو ما تكفل به الحلفاء ثم أكمل الشعب الإيطالي مهمته في القصاص من الطاغية موسوليني وأعوانه ! وماكان ممكنا التخلص من الزمر العسكرية والإرهابية التي تحكمت في شعوب العالم الثالث وأستعملت سلاح التصفية العرقية من دون الحسم العسكري كما حصل في التدخل الفيتنامي في كمبوديا ضد نظام الخمير الحمر الفاشي المتطرف عام 1978, أو كما فعل الحلفاء مع نظام العنصري الصربي الهالك سلوبودان ميلوسيفيتش في يوغسلافيا السابقة وحيث تكفل قصف "الناتو" باجبار الطبقة السياسية الحاكمة هناك على تقديم رئيسها السابق للعدالة الدولية.

أما على المستوى العربي فغني عن الذكر ما حصل في العراق من مجازر ومداخلات شنيعة منذ ثمانينات القرن الماضي وصولا لعملية غزو دولة الكويت عام 1990, والتي أبدلت المعادلة الدولية برمتها وأنتجت ما كان يسمى ب¯ "النظام العالمي الجديد" وبما أنتج فيما بعد وضعا سياسيا وعسكريا جديدا في الشرق الأوسط تمثل في إنبثاق مرحلة التدخل الدولي لإسقاط الأنظمة التي تمارس عمليات القتل الجماعي لشعوبها, وهو ما تجسد في العراق في حرب عام 2003 التي أنهت وضعا, ولكنها في المقابل أدخلت البلد في دوامة أخرى من العنف والفاشية والفوضى , ولكن برغم كل المداخلات السلبية التي حدثت, ولسنا هنا بمعرض مناقشة ذلك الملف الشائك والذي تتداخل فيه أوراق وملفات كثيرة, فإن إحدى أهم النتائج المتمخضة عن إحتلال العراق وإسقاط نظامه البعثي بالقوة المسلحة كان في تبديد هالة المجد والقداسة عن الديكتاتورية والصنمية, وفي تقديم النظام وقادته أمام المحاكم, وهي حالة غير مسبوقة في تاريخ الشرق الأوسط, وحيث للحكام مكانة تقارب مكانة الآلهة اليونانية القديمة.

لقد كان معروفا, وبشكل مسبق بأن إنهيار الدكتاتوريات العربية ليس سوى مجرد مسألة وقت, وإن الشعوب ستخترق جدران الصمت وتتمرد على قوالب الخوف والرعب, وستكسر الحاجز النفسي الرهيب وتعود الى تراثها الإنساني والقيمي الرافض للظلم والإنصياع لإرادة القتلة والطغاة, وهو ما تجسد فعلا في ثورات وإنتفاضات شعوب تونس ومصر ثم ليبيا التي يحكمها منذ اربعة عقود نظام فوضوي دموي مجرم وغبي كان عارا على الشعب الليبي , وكان واضحا أيضا منذ سقوط نظام البعث العراقي في ربيع عام 2003 بأن الشق الآخر من البعث, وهو النظام السوري, أصبح في مرمى نيران الشعب السوري الذي صبر طويلا وعانى معاناة تاريخية ومروعة من جرائم النظام, وإستحواذ قططه السمان على خيرات السوريين, وهو النظام الحزبي إفتراضيا والذي تحول لمملكة عشائرية وعائلية مغلقة بعد أن صادر حق الشعب السوري في الحرية والحياة والكرامة, وحول الشعب قطعانا من العبيد يسيرهم الورثة والأحفاد الذين رضعوا الجريمة وإحتقار الشعب مع حليب أمهاتهم, وتحت دعاوي تلفيقية مضحكة من شعارات الصمود والتصدي والممانعة إلى آخر ذلك الهذيان السخيف.

لقد فجر الشعب السوري الحر ثورة شعبية هائلة لا تنفصل عن تراثه النضالي وصراعه الدموي ضد الإحتلال الفرنسي منذ عام 1920 بعد معركة ميسلون والملاحم الدموية التي خاضها ذلك الشعب ضد الإحتلال قبل أن تدخل سورية في دوامة الإنقلابات العسكرية ومرحلة الفوضى العسكرية والديكتاتورية والتي أجهزت على المشروع النهضوي السوري الكبير , فالشعب السوري هو شعب العطاء والحضارة والمنجزات السياسية والإقتصادية والفكرية, وهو رائد من رواد النهضة العربية الحديثة في مختلف المجالات , وشعب بتلك المواصفات والتألق لا يمكن أن يصمت على ضيم, أويخضع لطاغية, أو أن يتحول قطعيا من الخراف يتوارثه القتلة والفاشيون , فأنطلقت الثورة الشعبية السورية الكبرى قبل خمسة اشهر لتغير كل الرؤى والمعادلات النمطية ولتفرض واقعا ثوريا وشعبيا جديدا تمثل في المطالبة برحيل النظام بعد أن تحول مستنقعا طائفيا وقاعدة عدوانية من قواعد النظام الصفوي الفاشي الإرهابي في إيران , وبعد أن فشل بالكامل في التعاطي مع مشكلات الجماهير وحل الأزمة البنيوية الخانقة التي تعصف بسورية , وطبعا نظام فاشي متحكم برقاب العباد منذ نحو 50 عاما ( 1963 ) لن يسلم الراية أويرحل بسهو لة أويستجيب لمطالب الجماهير التي يحتقرها ويعتبرها مجرد غوغاء وهو ما تجسد فعلا في خطاب بشار الاسد الأول في مجلسه البرلماني حينما كان يضحك ودماء السوريين تنزف !

رسالة النظام الفاشي السوري واضحة وهي لاتنازل أوتراجع أوإصلاح أوإعتراف بحق الجماهير في تقرير مصيرها بل إعلان الحرب وتجهيز الجيوش الفاشلة التي كانت قياداتها بمثابة فئران أمام آلة الحرب الإسرائيلية بينما تحولت كواسر أمام الشعب الأعزل , وكانت حملات الإبادة العسكرية وكسر الإرادة الجماهيرية وإقامة المجازر والمسالخ الشعبية المستمرة حتى اليوم والتي يقف أمامها العالم العربي للأسف صامتا خجولا في وقفة عار تاريخية ملفتة للنظر.

بصراحة أمام مهرجان وإستعراض القوة المفرطة وإستئصال الشعب ومحاولة كسر إرادته لا بديل حقيقي عن إستعمال القوة العسكرية لحماية الناس أسوة بما حدث في ليبيا, ولا بديل أيضا عن خيار إسقاط النظام الفاسد المجرم, وتقديم أركانه لمحاكمة شعبية وعلنية تكون القمة في إسدال الستار على الأنظمة الفاشية العربية المجرمة , الشعب السوري بكل قواه وأرواح شهدائه لا يرغبون بتدخل أجنبي , ولكن الضرورات تبيح المحظورات, وقد علمنا التاريخ كما أسلفنا بأن الأنظمة الطاغية والمجرمة لا تسقط إلا بالقوة العسكرية المفرطة , فلا يفل الحديد إلا الحديد , والنظام السوري مستعد لإبادة ملايين السوريين من أجل إدامة عرشه الدموي , خيار التدخل العسكري الدولي أمام العجز العربي أضحى مسألة أكثر من ضرورية.

السابق
عن الذي ينتصر على الشعب !؟
التالي
الحياة: عباس في بيروت يؤكد الرفض النهائي لدولة يهودية الفلسطينيون في الضفة مع المفاوضات وضد أي عمل عسكري