أخطر ما في القرار: أبو عدس

ليس أخطر ما في القرار الاتهامي الأحداث الموثّقة حول كيفية تنفيذ عملية الاغتيال، وليس أخطر ما فيه كيفية مراقبة رفيق الحريري وشراء الميتسوبيشي وتوزيع الخطوط وشرائها وتنسيق العمل الميداني، بل ربما تكون واقعة "أبو عدس" الأكثر رمزية والأكثر مدعاة إلى القراءة والتحليل.

فواقعة "أبو عدس" تقود إلى فهم حلقة مظلمة في تاريخ العمل الأمني الذي يتهم به اليوم من اتهمه القرار الظني بقتل رفيق الحريري، مضمونها وآليات عملها واحدة: الاختباء وراء لافتة السلفية العنفية، والقيام باستعمال هذه اللافتة إلى الحد الأقصى، وتحميلها مسؤولية أعمال الإرهاب والاغتيالات.

ولا بد من التوقف عند مضمون القرار الظنّي، في قضية "أبو عدس" للإشارة إلى أنّ عملية إعداد منظمة النصرة والجهاد الوهمية كانت متلازمة مع التخطيط لعملية الاغتيال، وكانت جزءا أساسيا منها. ولا بد من التذكير أيضا أنّ قوى لبنانية عدة سبق لها أن حاولت استباق القرار الظني بضخ معلومات عن هوية الانتحاري الذي فجّر الميتسوبيشي بالقول إنه سعودي الجنسية، ذلك لإكمال المشهد الذي يوحي أنّ رفيق الحريري قد اغتاله تنظيم القاعدة ردّا على حملة التطهير التي نفذتها المملكة السعودية في حق قيادات هذا التنظيم وأعضائه.

وبعد التمعّن في مضمون القرار في الفقرة المتعلقة بـ"أبو عدس" وكيفية اصطياده من جامع الحوري في الطريق الجديدة، أصبح من الممكن رسم صورة مترابطة لمسلسل تضليل هوية المسؤولين عن الاغتيال، هذا المسلسل الذي نفذت أولى حلقاته مع بث قناة "الجزيرة" شريط "أبو عدس"، والذي استكمل برمي رواية اتهام الأستراليين الستة، وانتهى بنشر معلومات مفبركة في شأن ضلوع ما يسمّى بشبكة الـ13 في المسؤولية عن تنفيذ الاغتيال، والهدف من كل ذلك كان واضحا، وتأكد بعد نشر القرار الاتهامي، وهو الاختباء خلف تنظيم القاعدة، هذا إذا تعذّر الاتفاق مع كوادر أو عناصر من هذا التنظيم كي ينفذوا عمليات أمنية مقابل خدمات تبادلية وتسهيلات لا تنتهي في لبنان، بل تمتد إلى إيران وسوريا والعراق.

ولم تعد قوى عربية أساسية مطلعة على كيفية تنسيق هذه التكتيكات مع تنظيم القاعدة، تتكتم على ما لديها من معلومات. وفي هذا الإطار، علم أن مسؤولين سعوديين باتوا يتحدثون ببعض التفاصيل عن تعاون النظامين السوري والإيراني مع السلفية العنفية، إذ تملك الدوائر السعودية تفاصيل موثقة عن كيفية إيواء وتجنيد المقاتلين الإسلاميين منذ العام 2003، وما قبل ذلك داخل الأراضي السوريّة والإيرانية، إذ كان المقاتلون يصلون إلى سوريا ويطيرون إلى إيران، حيث يتم تدريبهم، ثم ينتقلون منهما إلى العراق لتنفيذ عمليات تفجير في المدن، كما يحاولون الدخول إلى السعودية لتنفيذ عمليات واغتيالات ضد الأسرة الحاكمة، كما أنهم هم مَن رفدوا تنظيم "فتح الإسلام" المفبرك بالمقاتلين الذين بقي جزء منهم في المخيّم ورفض الجزء الآخر البقاء لتأكيدهم أنّ هدف هذه المجموعة وقيادتها لم تكن تأتمر بقيادة القاعدة ولم تضع أجندة لتنفيذ عمليات جهادية، بل كان القصد منها تفجير الوضع الداخلي اللبناني وتوظيف هذه الأعمال لعرقلة مسار المحكمة الدولية وإرباك الطائفة السنّية بأدوات سنّية.

بعد كل هذا المسار المتقن في استعمال القاعدة لتنفيذ مخططات تتصل بهز الاستقرار، لا تخفي مراجع مطلعة تخوّفها من استكمال هذا المسلسل بطرق مختلفة، وترصد هذه المراجع حركة بعض العناصر الأسلامية المتطرفة التي تم تحفيزها وإعدادها للاستعمال عند الحاجة، في مرحلة تشهد تطورات سريعة على صعيدي المحكمة الدولية وتنامي احتمالات التغيير في سوريا.

السابق
الجمهورية: القرار الاتّهامي يطلق العدّ العكسي لانطلاق المحاكمة …نصرالـله يحذّر من فتنة والحريري يعتبر كلامه غير بريء
التالي
مصلحة اسرائيل