الراي: هجوم دفاعي لـحزب الله يؤشر لـمنازلة قاسية في لبنان

بقيت بيروت تحت وطأة الهجوم المباغت والأعنف الذي شنّه نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم على «تيار المستقبل» تحديداً الذي يقوده الرئيس السابق للحكومة سعد الحريري. ورغم ان قاسم معروف بدأبه على توجيه انتقادات لاذعة الى فريق 14 آذار عموماً، فان حملته على «المستقبل» اكتسبت بعداً جديداً لم تعزله اوساط الفريق المعارض عن مجموعة تطورات يعتقد انها ستساهم في رفع منسوب الاحتدام السياسي والاعلامي في البلاد في المرحلة القريبة المقبلة.

وكاد هذا الهجوم الذي قابله «المستقبل» ونوابه بردود من «العيار الثقيل»، ان يحجب الانظار عن الزيارة التي بدأها امس الثلاثاء لبيروت الرئيس الفلسطيني محمود عباس، والتي يتوّجها اليوم الاربعاء بحدَث تاريخي هو رفع علم فلسطين فوق سفارة «الدولة» الفلسطينية في بيروت في حضور رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وذلك بعدما كان مجلس الوزراء استبق وصول «ابو مازن» الى لبنان باتخاذ قرار بدء تنفيذ إقامة علاقات ديبلوماسية مع دولة فلسطين، ورفع مستوى التمثيل من ممثلية إلى سفارة.

وتكتسب زيارة عباس التي تستمرّ يومين اهمية خاصة لانها تأتي وسط الاستنفار الديبلوماسي والسياسي الفلسطيني استعداداً لطلب العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الامم المتحدة بعد افتتاح الدورة العادية للجمعية العمومية الشهر المقبل وذلك خلال رئاسة لبنان لمجلس الامن، وهو ما يفسّر اللقاء المرتقب بين «ابو مازن» ومندوب لبنان الدائم لدى الامم المتحدة السفير نواف سلام اضافة الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري وميقاتي ووزير الخارجية عدنان منصور.

وفيما كانت بيروت تتهيأ لهذا الحدَث، قدّمت اوساط بارزة في المعارضة لـ «الراي» قراءة لخلفيات مواقف الشيخ قاسم، الرجل الثاني في «حزب الله»، عازية اياها الى عوامل عدة ابرزها:
اولاً: ان «حزب الله» أُحرج احراجاً ملموساً في الارتباك الذي ساد موقف وزير الداخلية مروان شربل عقب انفجار عبوة ناسفة بالشخصين اللذين نقلاها وجهّزاها في محلة انطلياس قبل ايام خصوصاً ان الوزير، الذي سارع الى تبني رواية محطة «المنار» الناطقة باسم الحزب عن ملابسات الحادث بعد اقل من ساعة من حصوله، اضطرّ لاحقاً الى اعلان تصويب لموقفه مع صدور الادعاء العسكري الذي حمّل الحادث خلفية ارهابية. ومع ان احداً لم يوجّه اي شبهة او اتهام الى الحزب، فان الاصرار على «الطابع الشخصي» للحادث اظهر الحزب كأنه يقلل اهميته مسبقاً مما عرّضه وعرّض الحكومة والسلطة معه لحملة حادة من المعارضة أغضبت الحزب.

ثانياً: تعتقد الاوساط نفسها انه أبعد من مضاعفات انفجار انطلياس، فان «حزب الله» بدأ يعدّ لمرحلة نشر أجزاء جديدة من القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وكذلك ربما لقرارات اخرى تتصل بالملفات المترابطة معها اي محاولتي اغتيال الوزيرين الياس المر ومروان حماده واغتيال جورج حاوي، وذلك يرفع وتيرة التصعيد بازاء «تيار المستقبل» الذي تشكل الملفات العائدة للمحكمة الدولية ورقة القوة الاساسية التي يمتلكها مع فريق 14 آذار في المرحلة المقبلة. ولذا من غير المستبعد ان يكون الشيخ قاسم قد مهّد بموقفه الاخير للكلمة التي سيلقيها مساء اليوم الاربعاء الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في افطار للهيئات النسائية للحزب والتي ينتظر ان يتطرّق فيها الى موضوع المحكمة وملفاتها وكذلك الى تطورات اخرى كالأزمة السورية.

ثالثاً: ترى الاوساط المعارضة ان توجيه «حزب الله» حملته نحو «تيار المستقبل» وتصعيدها يأتي عقب الاهتزاز الذي شهدته الحكومة في حين يتباهى الحزب دائماً بان هذه الحكومة هي عنوان التماسك والتحالف الثابت بين قوى الاكثرية. ويبدو واضحاً ان الازمة التي تسبب بها حليف الحزب العماد ميشال عون مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزراء الحزب التقدمي الاشتراكي (يترأسه النائب وليد جنبلاط) حول اقتراح الكهرباء قد احرجت الحزب الى حدود بعيدة، ثم تبين لاحقاً ان هناك «امراً ما» بين الحزب والنائب جنبلاط في مناطق نفوذ الأخير استدعت زيارة الوزير غازي العريضي للسيد نصرالله. ولا تستبعد الاوساط ان يكون جنبلاط بادر قبل يومين الى اعلان موقف سلبي من اعتماد النسبية في قانون الانتخاب على سبيل توجيه رسالة واضحة الى الحزب وحلفائه داخل الحكومة تدلل على عدم مماشاتهم في اتجاهات معينة.

رابعاً: تضيف الاوساط المعارضة الى مجمل هذه العوامل، البُعد المتصل بانعكاسات التطورات السورية على لبنان. ففي رأي الاوساط نفسها ان تصعيد الحملة على «المستقبل» وفريق 14 آذار سيتواصل في ضوء الاتساع اللافت للتظاهرات المؤيدة للشعب السوري في الكثير من المناطق اللبنانية. ومع ان هذه التظاهرات لا تحصل بقرار من «المستقبل» على ما هو مؤكد وثابت، فان الحملة عليه تستهدف اطلاق رسائل تحذيرية له، وهو الامر الذي تقول الاوساط ان «المستقبل» بدأ الرد عليه بما يلزم عبر نوابه وسياسييه في الساعات الماضية.
وكان الشيخ قاسم شنّ هجوماً عنيفاً على «المستقبل» متهماً اياه بانه «ميليشيا». وتوجه الى قوى 14 آذار قائلاً «بماذا تتباهون؟ بإنجازاتكم في لبنان؟ كل الإنجازات هدر وفساد ومديونية عالية ومشاكل داخلية، وإثارات مذهبية وطائفية، ولا يجوز أن يستمر الأمر على هذه الشاكلة».
وقال: «لم نكن نعتقد ان السلطة تعمي القلوب الى هذه الدرجة، عندما أُسقط الحريري وحكومته، قامت الدنيا ولم تقعد ونزل السلاح الميليشياوي لحزب «المستقبل» الى الشارع وبدأت التهديدات من كل حدب وصوب (…) على الأقل احترموا آراء الناس الذين أتوا بكم في يوم من الأيام، فهم الذين قالوا لكم لم تعودوا جديرين في يوم آخر، وبالتالي إذا كنتم تريدون خيار الناس، عليكم أن تسلموا لا ان تحدثوا الفوضى وتبدأوا بالفتن لأنكم لم تبقوا على رأس السلطة».
واعتبر ان «حزب «المستقبل» مشكلته انه لا يريد الاعتراف بان لبنان متعدد الطوائف والقوى وان لبنان للجميع، ويعتقد ان رئاسة الحكومة حكر عليه (…)، وبالتالي هم قاموا بهذه التصرفات وكادوا يحرقون البلد عندما واجهوا هذه المصيبة التي أصابتهم»، مضيفاً: «حزب المستقبل اليوم ميليشيا بكل ما للكلمة من معنى، فالميليشيا ماذا ينقصها؟ الميليشيا هي التي تحمل السلاح وتخرج الى الشوارع، وهم فعلوا ذلك في طرابلس وبيروت وطريق الجديدة وأماكن مختلفة، الميليشيا هي التي تخرب عندما لا تكون قرارات الدولة أو مساراتها على خاطرهم وهم فعلوا ذلك في مواقع مختلفة، الميليشيا هي التي تشوش فترفض الحكومة رئيسا وأعضاء قبل بيانها الوزاري».

وتابع: «عند كل حادثة يتهمون «حزب الله» وتبدأ التحليلات والأدلة الجنائية والمواقف القضائية والأبعاد السياسية (…) وقد حصلت حادثة انطلياس وهي حادثة جزئية عادية شخصية لا علاقة لـ «حزب الله» بها، فأقاموا الدنيا وأقعدوها ليقولوا ان «حزب الله» يدخل المناطق المسيحية ليضرب الاستقرار، في الوقت الذي اكدت فيه كل الدلائل انها حادثة فردية».

في المقابل، استدرجت مواقف نائب الامين العام لـ «حزب الله» ردوداً لا تقلّ حدة من نواب «المستقبل»، اذ سأل النائب معين المرعبي «عن نشر صواريخ وراجمات في تلة الـ 888 (في الجبل) وهل الصواريخ هي فعلا للجبهة الشعبية ـ القيادة العامة أم تابعة لحزب الله؟ وهل فعلاً توجد عناصر غير منضبطة في هذه المنطقة وغيرها؟ وهل العناصر الذين تواجدوا في انطلياس وقتلوا في الانفجار هم من «حزب الله» أم من تيار المستقبل؟ وما هو موضوع متفجرة الرويس؟».

واذ أوضح أن «كلام قاسم يجعلنا نخشى من أعمال أمنية في المستقبل»، سأل «لماذا تحركات «حزب الله» العسكرية في شمال لبنان في عكار والضنية، بين الهرمل وعكار والهرمل والضنية؟، ولماذا نصب مدافع 130 ملم؟، هل هي لمقاتلة إسرائيل من الشمال؟».

من جهة أخرى، لفت المرعبي إلى أن «فساد «حزب الله» يتمثل في تغطية عميلهم (رئيس تكتل التغيير والاصلاح» النائب) ميشال عون الذي أعطى أعلى ثمن لميغاوواط كهرباء، وهذا فقط تحت اسم السمسرات».
بدوره، اعلن النائب عمار حوري تعليقاً على وصف الشيخ قاسم تيار «المستقبل» بانه «ميليشيا» فقال: «هناك خطأ ارتكبه (قاسم) بهذا القول. فكل هذه الصفات متصلة بحزب السلاح الذي اعتدى على الجيش وارتكب 7 مايو 2008 واعتدى على الناس والبيوت، ويعتدي يومياً على القوى الأمنية في الضاحية، ويغطي انقلابا دستوريا بالقمصان السود»، وأضاف: «هذا الحزب الذي يشارك في قتل المواطنين السوريين بالتعاون مع «الشبيحة»، هو حزب السلاح»

وأكد حوري أن «لا فتنة سنية – شيعية»، لافتاً إلى أن «المشكلة أن «حزب الله» «محشور» من ناحية المحكمة ومن ناحية التغييرات في المنطقة وهو يقوم بهجوم وقائي».
واذ اعلن النائب احمد فتفت أنه «اذا كان السلاح الفردي ميليشياويا فاننا مستعدون لتسليمه»، معرباً عن خشيته من «ان يكون «حزب الله» في طور التحضير لعمل أمني ضد الناس»، قال عضو المكتب السياسي لـ «تيار المستقبل» مصطفى علوش «انّ «حزب الله» احدى أدوات القمع التي يستخدمها النظام السوري لقمع المتظاهرين وقتلهم، ولذلك فإن كلامه هو لذر الرماد في العيون».

السابق
اللواء: 35 قتيلاً ضحايا اللاذقية مدينة الأشباح ··· والدعوات تتجدَّد لتظاهرات في كل سوريا
التالي
النهار: واشنطن ترمي الكرة السورية على تركيا والسعودية ..أنقرة نفت تخطيطها لمنطقة عازلة وطهران تحذّر