الراي: لبنان يلاقي «القرارات الاتهامية» باهتزازات أمنية «مريبة»

 … حفريات «أمنية» في تلة الـ 888 الشهيرة في سوق الغرب، سكاكين «صديقة» في برج ابي حيدر، روايات «ملغومة» عن انفجار انطلياس الغامض، إطلاق نار «موضعي» في إهدن، فرار خمسة خطيرين من السجن الذي «يحبس الدولة»، احتكاكات «تسورن» الشارع والدولة، توترات مكتومة في غير مكان واجواء «مكهربة» على اكثر من مستوى.
بهذا المشهد الذي يوحي وكأن بيروت امام لوحة متحركة من «الحروب الصغيرة» يلاقي لبنان وبـ «عراء سياسي» قل نظيره الدفعة الجديدة المرتقبة من القرارات الاتهامية في جرائم على ارتباط باغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري والشظايا السياسية والامنية المتطايرة من دمشق و«أخواتها» كاللاذقية وحمص ودير الزور والبوكمال والشريط السوري المتاخم لشمال لبنان.
فلبنان، الذي غالباً ما كان «يدار» من سورية، يستجر اليوم الهزات الارتدادية لـ «البركان» المتفجر في الشقيقة التي دخلت نفق من الشقاء الذي يصعب التكهن في شأن مصيره، وسط تعاظم الضغوط الاقليمية والدولية على نظام الرئيس بشار الاسد وتحوّل الاحتجاجات الداخلية «بقعة دم» آخذة بالانفلاش، الامر الذي يفاقم التحديات في وجه لبنان ويجعله فوق «فوهة» من الاحتمالات المأسوية.
هذا الواقع يعكسه حرص مرجعيات لبنانية على «تعقب» تطور المواقف العربية والاقليمية والدولية من الملف السوري، لا سيما غداة خروج المملكة العربية عن صمتها وما اشيع عن «إنذار تركي» اخير للأسد مقروناً بـ «فترة سماح» الاسبوعين، ورمي ايران بثقلها للحؤول دون تحول اهتزاز النظام في سورية سقوطاً لـ «دفرسوارها» الاقليمي الاهم، وتلويح الولايات المتحدة بموقف اكثر صرامة حيال الاسد والقول له «باي باي».
وقال قريبون من شخصيات لبنانية زارت المتراس الاقليمي ـ الدولي المتقدم على تخوم الازمة السورية، اي تركيا، ان الصورة في انقرة كانت حتى الامس القريب ضبابية نتيجة ما يشبه «التكافؤ» بين عوامل القوة والضعف في مكان نظام الاسد الذي يتكئ على دعم ايراني مطلق ويفيد من تهديدات طهران ويلاعب الغرب في ضوء «التريث» الناجم عن التجربتين الليبية واليمنية.
غير ان هؤلاء الذين يعتقدون ان حركة الشعب السوري تحولت رقماً صعباً، ينظرون الى «كسر الصمت» العربي حيال ما يجري في سورية، انطلاقاً من موقف الرياض والكويت والبحرين ومجلس التعاون والجامعة العربية، على انه اندفاعة في ملاقاة الموقف الدولي واحتمال بلوغه مجلس الامن في مسار تصاعدي من شأنه تعرية الاسد من بعض عوامل القوة التي كان يتسلح بها.
وكشفت اوساط واسعة الاطلاع في بيروت، تسنى لها لقاء القيادة التركية ان انقرة عازمة على التدرج في موقفها المتشدد من دمشق، وقالت لـ «الراي» ان هذا التدرج سيلحظ سحب السفير ومن ثم قطع العلاقات فالدفع في اتجاه تشكيل قوة ضغط اقليمية ـ دولية ايذاناً بالذهاب الى مجلس الامن.
غير ان الاكثر قلقاً في بيروت هو ان لبنان يلاقي هذه الاحتمالات في ظل «اهتزاز امني» عبّرت عنه اخيراً مجموعة من الوقائع المثيرة، ابرزها:
* ما اشيع عن حفريات «امنية» نفذها «حزب الله» في تلة الـ 888 في سوق الغرب، في اطار «رسالة سياسية» للزعيم الدرزي وليد جنبلاط، وهي التلة الشهيرة المشرفة على منطقة عاليه. اذ ذكرت صحيفة «الجمهورية» نقلاً عن مصادر واسعة الاطلاع ان «الاتصالات بين جنبلاط من جهة وبين (حزب الله) من جهة أخرى شملت تطويق تحرك ميداني حصل في تلة 888».
وجاء ان: «الاتصالات كان سببها أن جنبلاط قلق عندما بلغته معلومات تفيد عن «تركيز» منصات لصواريخ كاتيوشا وراجمات صاروخية في تلة الـ888، فسارع إلى إبلاغ «حزب الله» عبر احد نوابه بوجوب سحبها ملوّحا باتخاذ موقف، وقد تولى هذه المهمة النائب أكرم شهيّب الذي اتصل بمسؤول وحدة الارتباط والتنسيق في «حزب الله» الحاج وفيق صفا الذي استمهله بعض الوقت ليرد عليه بأن من أقدم على ذلك هم عناصر غير منضبطين ينتمون إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ــ القيادة العامة وليس الى المقاومة، وتمت معالجة الأمر (…) غير ان جنبلاط فهم من الأمر «رسالة ما» أُريد توجيهها اليه على خلفية مواقفه الأخيرة».
ولم ينف الوزير «الجنبلاطي» غازي العريضي الذي كان التقى الامين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله اخيراً ما تردد في هذا الشأن، لكنه تحدث عن «إشاعات وروايات اثر عمليات حفر شوهدت قبل ان يتبين انها جرت من بلديات في المنطقة».
* استمرار «شظايا» انفجار انطلياس الغامض بـ «التطاير» على المستويين السياسي والاعلامي نتيجة الروايات اليومية «المتناقضة» عن طبيعة الانفجار وملابساته، وسط اهتزاز صدقية الحكومة التي لم تخرج بـ «خلاصة واحدة» ومقنعة بعدما قال وزير الداخلية ان الانفجار «فردي» وذهب قاضي التحقيق العسكري الى وصفه بـ «الارهابي».
* حصول توترات ذات دلالات رغم طابعها «الموضعي» كضرب السكاكين بين عناصر من حركة «امل» وأخرى من جماعة «الاحباش» في برج ابي حيدر وسقوط اربعة جرحى، في الوقت الذي كانت إهدن في الشمال «تلملم» زيول عملية اطلاق نار اسفرت عن سقوط خمسة جرحى، وسط دعوات لـ «ضبط النفس» والاحتكام الى الدولة وأجهزتها.
* تداعيات عملية فرار خمسة سجناء من سجن رومية المركزي، وهي العملية التي جعلت هيبة الدولة واجراءاتها خلف «القضبان» بعد تكرار مثل هذه العملية وبـ«سيناريوات» شبيهة.
على وقع هذا الاهتزاز الامني ومعه صورة الحكومة تنتظر بيروت رزمة جديدة من القرارات الاتهامية سيصدرها المدّعي العام للمحكمة الدولية القاضي دانيال بلمار، بعدما عزز رئيس المحكمة القاضي دانيال فرانسين صدقية التهم التي وجهها الى المتهمين بالجرائم المترابطة مع جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ولا سيما منهما محاولتي اغتيال نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع السابق الياس المر والنائب مروان حمادة واغتيال الأمين العام السابق للحزب الشيوعي جورج حاوي.
ولفتت تقارير اعلامية في بيروت نقلاً عن اوساط تتابع اعمال التحقيق الجارية الى اقتراب موعد إصدار القرارات الاتهامية الجديدة في مهلة اقصاها منتصف الأسبوع الجاري، وسط حديث عن اتهامات مباشرة ستوجه الى بعض من المطلوبين الأربعة من مسؤولي «حزب الله» الذين شملتهم الدفعة الأولى من القرار الاتهامي، اضافة الى اسماء جديدة ستشملها القرارات وستحدث ضجة إضافية، خصوصا إذا صحت المعلومات التي تتحدث عن وجوه معروفة متورطة في هذه الجرائم لا يمكن النيابة العامة التمييزية والأجهزة الملحقة بها ان تدّعي عدم العثور عليها وتسليمها الى القضاء.
وفي سياق متصل، نشرت مجلة «در شبيغل» الأسبوعية الألمانية في عددها الصادر امس الاثنين معلومات قالت انها تؤكد علاقة إيران بعملية اغتيال الحريري. وقالت المجلة من دون الإفصاح عن مصدر معلوماتها، إن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أصدرت أخيراً أربع مذكرات توقيف ضد أربعة عناصر ينتمون إلى «حزب الله» اللبناني، «تتتبّع بصورة مكثفة آثاراً تقود إلى إيران».
وقالت المجلة في خبرها الأخير إن الأربعة المتهمين سافروا إلى إيران عام 2004 وأجروا على مدى أشهر عدة تدريبات عسكرية في «معسكر الخميني للتدريب» القريب من قمّ للتدرب على عملية الاغتيال. وأضافت أن المشرفين على الأمر «أقاموا ديكورات شبيهة بمسرح الجريمة، بما في ذلك تنفيذ تفجير تجريبي».
وتابعت أن «كتائب القدس» الإيرانية التي تعتبر اليد اليمنى للحرس الثوري، «هي التي أشرفت على كامل العملية»، مضيفة أن «مسؤولين في الاستخبارات السورية شاركوا أيضاً فيها».
وزادت «در شبيغل» أن الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله «اضطر في الأخير إلى الاعتراف بأن الأربعة عناصر في حزبه، لكنه نفى وجود أي صلة لهم باغتيال الحريري».
وبعد أن لاحظت أن «الحكومة اللبنانية التي يسيطر عليها حزب الله لم تكن قادرة على بذل جهود للبحث عن الأربعة وتسليمهم إلى المحكمة الدولية رغم التزامها بذلك دولياً»، نقلت عن أجهزة استخبارات غربية أن «ثلاثة منهم على الأقل فروا من لبنان وأصبحوا الآن في إيران». 

السابق
الأسد أخطر من إسرائيل!
التالي
قرطباوي: للاسراع في المحاكمات وبناء سجون جديدة