المسيحيون وسورية

في المرة الأولى التي يتعرض فيها النظام البعثي في سورية الى انتكاسة فعلية، بعد أكثر من أربعين عاماً من حكمه، تُقرر جماعة مسيحية لبنانية وازنة، أنها اللحظة المناسبة للإلتحاق الكامل بهذا النظام. انهم العونيون الذين شرعوا ومنذ بدء حركة الاحتجاجات في المدن السورية بمضاعفة انحيازهم الى الجاني في سورية. في الإسبوع الفائت زار وزيرهم الأول جبران باسيل دمشق والتقى رئيسها، وفي نفس اليوم كان تلفزيونهم يستضيف السفير السوري في بيروت، و "أدباؤهم" في الصحافة المكتوبة يستفيضون في شرح حماية البعث للإقليات.

وللعونيين صولات وجولات في مجال الاستثمار قصير المدى. المسألة بالنسبة اليهم لا تعدو أكثر من حسابات الأسابيع المقبلة، فيلوح لهم ان في الانحياز الى نظام متداعٍ مصلحة تفضي الى الفوز بمدير عام وزارة الشؤون الاجتماعية مثلاً، ولا بأس هنا من التضحية بمستقبل جماعة بأكملها لقاء هذا الجزاء.

في مقابل مصطلح "عسف الأكثريات"، استحدث ذات يوم مصطلح "دهاء الأقليات"، لكن الواقع اليوم يحضّنا على ابتكار مصطلح جديد، نقترح ان يكون "الغباء الأقلي".

لكننا أيضاً لسنا حياله في الحالة العونية، إذ إننا هنا في حضرة الرياء الكامل والعار من أي ادعاء، وربما كان من غير المفيد الإمعان في يأسنا من هؤلاء.

لكن يبقى من المفيد التساؤل عما اذا كان في الانحياز العوني الى الجلاد في دمشق تعبير عن بعض مشاعر المسيحيين اللبنانيين في هذه اللحظة السورية؟ الجواب للأسف نعم، فقد سمعنا في لبنان اشارات من فئات غير عونية تبدي خوفها على "الأقليات" في سورية في ظل حركة الإحتجاج. في أوساط حزب الكتائب خرجت أصوات من هذا القبيل، والكنيسة أيضاً لم تبخل على النظام في الشام ببعض المدائح. الصوت المسيحي العادي وغير الحزبي وغير المنسجم عادة مع موقع النظام السوري تقليدياً هو اليوم صامت وحائر، اذا لم نقل انه يميل خطوة باتجاه خصومه السابقين. لا بل ان البعض من خصوم النظام السوري من بين المسيحيين اللبنانيين راحوا يفصلون على نحو فصامي وهذياني بين فوائد تصدع النظام عليهم في لبنان، وبين مخاطر هذا التصدع على موقع الأقلية المسيحية في سورية، وكأنهم يقولون للمواطنين السوريين "إننا نحب نظامكم لكم، ولكننا نكرهه لأنفسنا".

الموقف "المسيحي" اللبناني من الانتفاضة السورية، يعرض قضية الدفاع عن حقوق الأقليات في المنطقة الى مأزق أخلاقي فعلي، اذ لطالما شكلت مسألة حماية الأقليات أحد معايير قياس مدى احترام الأنظمة لحقوق جماعاتها، لكننا هنا أمام وضع معكوس، ويتمثل في مدى التزام الأقليات اجماعات وطنية حول مصالح الدولة والمجتمع.

فعندما تقول غالبية الشعب السوري: "الشعب يريد اسقاط النظام"، تصبح زيارة جبران باسيل قصر الشعب في دمشق في غير مصلحة المسيحيين في لبنان وفي سورية.

السابق
الحياة تدبّ في البرلمان
التالي
أوساط دار الفتوى تستغرب الحملة الحريرية على قباني