شباب يعشق الحرية والاستبداد! –

الحوار بين القادة اللبنانيين من فريقي 8 و14 آذار مقطوع الى اجل غير مسمى. لكن الفايسبوك قادر على تأمين فسحة حوارية من نوع آخر بين الأضداد، خصوصاً من فئة الشباب التي تعد الأكثر إقبالاً على هذا الموقع الاجتماعي.

حين يتمحور السؤال المطروح للنقاش حول ديموقراطية زعماء الأحزاب الذين يتحدثون عن الثورات العربية وكأنهم الملهمون لشعوبها، فان قارىء رسائل الحوار الشبابي الدائر سيعثر على أكثر من مشترك يمكن البناء عليه لاستخلاص عبر تشخيص الأزمة.
طارح السؤال –محور النقاش- على الصفحة الفايسبوكية المرصودة هو احد الشبان المستقلين الذي انخرط لأسابيع بين شباط ونيسان الماضيين في حملة اسقاط النظام الطائفي، قبل أن يشهر احباطه غداة فشل التحرك لأسباب يقول إنها "علمية وموضوعية تختصر بعبارة: الشعب لا يريد اسقاط النظام الطائفي ولا رموزه". لكن ما لم يكن مفهوماً بالنسبة للشاب "المحبط" يكمن في الثقافة الشائعة التي تجعل الشباب الموالين للاحزاب ينبرون الى التهليل لقيم الحرية ورفض منطق الحزب الواحد والحاكم الاوحد فيما يرفعون صور قادة الاحزاب التي يوالونها الى مرتبة الأيقونة، لا بل يذهبون ايضا الى الدفاع عن ازدواجية موقفها تجاه الثورات الدائرة في العالم العربي.
في النقاش "الفايسبوكي" الدائر، لم يستطع مناصر الحزب الاشتراكي إقناع الآخرين كيف انبرى وليد جنبلاط الى اطلاق النار ابتهاجا في باحة قصره في المختارة مع سقوط حسني مبارك، وكيف ابدع في اطلاق الصفات الوجدانية والفلسفية على حركة الشعوب العربية التواقة الى الحرية والى التحرر من العقول الاسيرة، وكيف أنه في الوقت نفسه الحاكم الاوحد لحزبه القادر على تقدير ظروف التموضع السياسي لمجموعة كبيرة من الناس منذ استشهاد والده في انتظار تبلور واكتمال ظروف توريث ابنه تيمور.
ولم يستطع من يصف نفسه بـ"المدافع الشرس عن المقاومة" أن يبرر للآخرين احتفاء "حزب الله" بسقوط زين العابدين بن علي وحسني مبارك، واندفاعه "العاطفي والسياسي" في الدفاع عن انتفاضة الشعب البحريني في الوقت الذي يؤيد بشار الأسد المعتمد خياراً عنفيا في مواجهة المطالبين بالحرية من السوريين. وبالطبع لم يتمكن هذا المحاور المدافع عن "ديموقراطية الشورى" في الحزب التي لا يعرف عنها الاعلام غير نتائجها التي تنتج هيكليات حزبية جديدة كل فترة، لم يتمكن من اقناع الآخرين بحرية قائمة على ربط سيادة وطنية بولاية فقيه خارج الحدود يعتبر الحاكم الاوحد الاممي لمقلديه في الدين والسياسة.
لم يستطع "المستقبلي" بدوره أن يشرح لمجادليه كيف أن حزبا ليبراليا كالمستقبل لا يتقدم صفوفه الا أشخاص من آل الحريري، وكيف أن زعميه المتبني ثورتي مصر وتونس بعد انجلاء غبارهما، أيّد ثورة الشعب السوري وتجاهل ما جرى في البحرين.
والأمر نفسه لم يكن "القواتي" قادرا على تبريره بغير الرغبة بعدم اخضاع البحرين لولاية الفقيه "الديكتاتورية". ويكتب هذا المحاور في احد ردوده "لا يمكنني تصور وجود قائد للقوات غير سمير جعجع لأن لا قبطان بحكمته في هذه المرحلة". وعلى المنوال نفسه، تقرر المحاورة العونية أن "لا ضير في حظوة جبران باسيل القيادية في التيار بسبب كفاياته، كما لا ضير في تأجيل الجنرال ميشال عون للانتخابات داخل تياره مرة بعد أخرى لأن الشعب غير جاهز بعد لهذه التجربة بسبب الطبائع الشخصية التي قد تؤثر سلبا على المصلحة العامة". مصلحة "الشعب- الاقلية" تقتضي بالنسبة للشابة "المنادية بالديموقراطية الحقيقية" الدفاع عن بقاء النظام السوري لأن "اغلب من يطالبون بالحرية اليوم في سوريا تحركهم أميركا والوهابيون".
لسوء الحظ لم يكتمل في هذا الحوار "الفايسبوكي" عقد ممثلي اطياف السياسة اللبنانية. فلم يتسنَّ لكتائبي الدفاع عن الوراثة السياسية في حزبه. ولم يتسنَّ لاحد ممثلي الحزب الديموقراطي الدفاع عن توزير طلال ارسلان صهره كبديل منه في الحكومة الجديدة. تماماً كما لم يتسنَّ لاحد ممثلي حركة امل الدفاع عن "ديموقراطية القرار والانتخابات داخل الحركة" ولا الامعان في شرح الاختلافات البنيوبة بين بنغازي ودرعا والتي تتيح مناصرة مطلب غالبية شعب الأولى بالحرية ومعاداة مطلب الثانية.
لم تزد هذه الفسحة الحوارية الافتراضية الشاب المحبط من التغيير إلاّ إحباطا لا لسبب إلا لتيقنه من ضرورة رفع شعار "تغيير الشعب قبل المناداة بتغيير النظام". والمهمة الأصعب تبدأ، برأيه، بتحرير الشباب في هذا المحور او ذاك من العقول
الأسيرة.

السابق
سيارة انزلقت من فوق جسر في حاصبيا
التالي
الديار: جنبلاط يسعى لحوار سنّي ــ شيعي وقاسم : نحن مع الحوار بين اللبنانيين