نعم … هناك خطر على سعد الحريري!

ظهر الرئيس سعد الحريري وكأنّه يتقصّد عدم إيضاح الأسباب الحقيقية لغيابه عن الساحة اللبنانية، كما لموعد عودته إليها.

ولكن على مدى الأسابيع الأخيرة، لم يوفّر أركان "تيار المستقبل" مناسبة إلّا وتحدّثوا فيها عن "المخاطر الأمنية" التي تكمن وراء بقاء الحريري في الخارج، ونشرت معلومات وسيناريوهات عدّة لعملية استهداف محتملة لرئيس الحكومة السابق. لكن الحريري بدا في إطلالته الإعلامية أقلّ اهتماما بالجانب الأمني، معتبرا أنّ المخاطر موجودة دائما. وأنّ عودته إلى لبنان ستتم في موعد "قريب جدّا".

إلّا أنّ المعلومات التي تتسرّب من المصادر الوثيقة الصلة بالحريري تؤكّد أنّ البعد الأمني لبقائه في الخارج هو الأساس. فالرجل منذ أن جرى إسقاط حكومته، يجد نفسه في دائرة الاستهداف. وقد تبلّغ من مرجعيّات أمنية داخلية ودبلوماسية خارجية، أنّ المرحلة تتسم بطابع شديد التحدّي. فالإسقاط القسري لاتّفاق الدوحة وحكومة الحريري يمهّد لتصفية "تيار المستقبل" و14 آذار سياسيّا، وفي هذه الأجواء تصبح المخاوف من دخول العامل الأمني على الخط واردة.

لعبة حياة أو موت

المرحلة تذكّر كثيرا بفترة 2004-2005. حينذاك، كان الرئيس رفيق الحريري خارج الحكم، ويتمتّع فقط بقيادة "تيار المستقبل" وكتلة نيابية. لكن الصراع السياسي بينه وبين دمشق وحلفائها في الداخل كان قد وصل إلى حدود الانفجار، وفي ظلّ هذه الظروف جاء من يستهدفه جسديّا. وهذا السيناريو تخشى المراجع تكراره مع الرئيس سعد الحريري، عملا بقاعدة أنّ تكرار المعطيات عينها يمكن أن يؤدّي إلى النتائج عينها، وقراءة المعطيات القائمة حاليّا تثير مجالا أوسع للهواجس، لأنّ القوى المعنية تجد نفسها اليوم على مفترق حاسم بين البقاء والانفراط، سواء في لبنان أو المنطقة. والمعركة التي تخوضها هي معركة حياة أو موت. فالجميع يلعب "صولد"، وقد يقوم طرف ما، من خارج اللعبة بالدخول إليها أيضا عن طريق الأمن.

لذلك، لا عودة للرئيس الحريري في ظلّ هذه المعطيات. كما أنّ أركان 14 آذار جميعا يمارسون أقصى درجات الحيطة أمنيّا في ظلّ استحقاقات داهمة، من شأنها في خلال هذا الصيف أن تبلور الصورة، وتتوقّع المصادر أن يكون صيفا ساخنا، سياسيّا على الأقل، إذا لم ينطبع أيضا بمظهر أمني.

فالمعادلة القائمة حاليّا لا تتحمّل الاستمرار على ما هي عليه أكثر من أشهر قليلة، أي حتى الخريف المقبل حَدّا أقصى.

وبناء على تبلور هذه المعطيات، يحدّد الحريري موعد عودته إلى لبنان، وهو في أيّ حال، متفائل بأنّها قريبة. ففريق 14 آذار يواكب عقارب الساعة التي تتقدّم، ولكن بهدوء ويريد أن يصل معها إلى الموعد المرتقب.

لن يجالس جنبلاط على ضفّة النهر

هذا يعني أنّ الحريري لن يعود قبل سقوط الحكومة الحالية، ولن يعود إلّا بتوافر الظروف التي تسمح ب

"استرداد" الغالبية التي تمّ إسقاطها من خلال "تهديد" وليد جنبلاط بشخصه وجماعته. وكان لافتا أنّ الحريري حمل بعنف على ميقاتي والوزير الصفدي، متّهما إيّاهما بـ"الخيانة"، فيما احتفظ لـ"أبو تيمور" بكلّ آيات الشكر والتقدير. وهو يعتقد بأنّ هناك مجالا لإصلاح ما صنعته الأيّام بين جنبلاط و14 آذار، بعد إنضاج الظروف. والتفاؤل الذي يملكه الحريري يسمح له بتوقّع تطوّرات قريبة لمصلحة 14 آذار.

لكن، وفي غياب الحريري، ليست 14 آذار في الوقت الضائع. وإعلانها انطلاقَ حملتها لإسقاط الحكومة من مقرّ الأمانة العامّة من شأنه أن يبقي الحصان في ساحة المعركة. وبعدما كان بقاء الحريري في الخارج قد أثار تحفّظات لدى بعض 14 آذار، "لأنّه ليس وحده المهدّد جسديّا"، فإنّ "لقاء الرفاق" في باريس قبل أسابيع الذي جمع الحريري والرئيس أمين الجميّل، وأركانا في الأمانة العامّة، كان كفيلا بمعالجة التحفّظات والاتّفاق على صيغة للتحرّك جرت ترجمة مقدماتها في "البريستول" وساحة النجمة. وتفهّم الجميع خصوصيّات المخاطر الأمنية للحريري.

وعلى رغم ذلك التفهّم، حاول الحريري في إطلالته عدم التركيز على الجانب الأمني لغيابه، لعدم إثارة أيّ انطباعات جديدة من هذا القبيل لدى بعض أوساط الحلفاء. وطمأن الجميع على عودته "قريبا جدّا".

لن يجلس الحريري كما يفعل وليد جنبلاط، على ضفّة النهر منتظرا القدَرَ إلى أن يرى جثّة عدوّه تعبر من أمامه، بل هو ينتظر في عواصم القرار، المحكمة الدوليّة والقضاء… لا القَدَر، ليجلب إليه الحقيقة والعدالة، ويراهن على دينامية "الربيع العربي" لتفعل فعلها في بيروت وسائر الشرق الأوسط. وهو الذي خلع سترته و"الكرافات" في يوم 13 آذار الفائت وقال: "نريد أن نتنفّس"!.

السابق
اليونيسكو تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل!
التالي
تغييرٌ عربي لصالح متغيّراتٍ دولية!