الإليزيه: يجب اتهام مسؤولين سوريين

تدلّ ثلاثة محاضر اجتماعات صادرة عن السفارة الأميركية في باريس على توظيف سياسي واضح لعمل لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. فإحدى وظائف تحقيقات رئيس اللجنة الألماني ديتليف ميليس، بحسب الفرنسيين هي «إعداد الأرضية» لنزع سلاح حزب الله. أما بشأن توظيف هذه التحقيقات في التعامل مع سوريا، فلا يُستبعد أن تؤدي إلى انقلاب على نظام الحكم في سوريا. وبالتالي يعدّ الفرنسيين هذه التحقيقات أولوية على حساب حقوق الإنسان في سوريا.

ربط نزع السلاح باغتيال الحريري

شدّد الدبلوماسي الفرنسي هيرفيه بيزانسنو خلال اجتماعات ضمت مسؤولين من السفارة الأميركية في باريس وممثلين عن وزارة الخارجية الفرنسية وعن الإليزيه (البرقية الرقم 05PARIS6580 الصادرة يوم 26 أيلول 2005) على ضرورة التركيز على ربط قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1559 (2004)، الذي يركّز على نزع سلاح حزب الله، بالقرار 1595 (2005)، الذي أنشأ لجنة التحقيق الدولية المستقلة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. قال بيزانسنو للأميركيين: «علينا أن نتحرّك في مراحل، ونصنّف قرار مجلس الأمن 1595 أولوية تسبق القرار 1559؛ إن تطبيق الأول يساعد على إعداد الأرضية لتطبيق الثاني، إذ إن حزب الله سيفقد تدريجياً التبريرات لاحتفاظه بقوته العسكرية».

وتحت عنوان «سوريا: تأثير تقرير ميليس على الاستقرار في سوريا»، تكهّن الفرنسيون بأن «توريط سوريا على نحو مباشر في تقرير ميليس قد يؤدي الى سقوط نظام الأسد لمصلحة علويين نافذين، أو انقلاب سنّي، أو قد يؤدي ذلك الى تدعيم سلطة الرئيس بشّار الأسد. وبما يخصّ هذا الاحتمال الأخير يتكهّن المسؤولون في الإليزيه بأنّ بشار قد يسلّم رستم غزالي وغازي كنعان، لكنه سيمنع المسّ بأفراد عائلته مثل آصف شوكت، وآل المخلوف، وشقيقه ماهر». وقال مستشار الإليزيه لشؤون الشرق الأوسط دومينيك بوش إنه لا يستبعد حصول «انقلاب في القصر».

أما بشأن زيارة رئيس الاستخبارات العسكرية السورية آصف شوكت باريس في أيلول 2005، فعدّها المسؤولون الفرنسيون «غير محبّذة من جهة، وجزءاً من عملية التشاور الثنائي بين الأجهزة الأمنية من جهة أخرى»، لكن اللافت أنهم أقرّوا بأن جهاز الاستخبارات الفرنسي (دي أس تي) لم يُعلم الإليزيه مسبقاً بموعد الزيارة، وبأن مدير الاستخبارات كان المسؤول الرسمي الفرنسي الوحيد الذي استقبل شوكت في باريس.

مضاعفة العقوبات على سوريا

عقد نائب مستشار الأمن القومي الأميركي إيليوت أبرامز سلسلة اجتماعات في 22 تشرين الثاني 2005 مع كبار المسؤولين الفرنسيين، ومنهم مستشار الإليزيه لشؤون الشرق الأوسط دومينيك بوش، ومستشار رئيس الحكومة الفرنسية للشؤون الدبلوماسية كريستوف فارنو وهيرفيه بيزانسنو من وزارة الخارجية الفرنسية، وغيرهم، لمناقشة قضايا المنطقة، والتركيز على سوريا ولبنان وإيران وغيرها من القضايا. وبحسب محضر الاجتماع (05PARIS8072 تاريخ 29-11-2005) «كان بوش على يقين من أنّ (الرئيس السوري) بشار الأسد لن يتعاون مع (رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ديتليف) ميليس. فتعاون كهذا يمكن أن يؤثر في استقرار النظام، بحيث إنه لا تفرقة بين أجهزة الأمن السورية وعائلة بشّار». تلازماً مع ذلك توقّع بوش «بذل الرئيس السوري أقصى الجهود للإيحاء بأنه يتعاون عبر استمراره في تقديم اقتراحات غير عملية إلى ميليس، والسعي إلى تحريك عناصر موالية لسوريا في لبنان والعالم العربي».

وشدّد بوش، بحسب ما جاء في المحضر، على أن عدم ردّ مجلس الأمن على عدم تعاون سوريا يُفقد هذا المجلس صدقيته. واقترح عقوبات أممية تستهدف مشتبهاً فيهم تحددهم لجنة التحقيق، «ولنذهب الى أبعد من ذلك، أي الى ضمّ مسؤولين رسميين سوريين من مستوى أرفع،
إضافةً الى مؤسسات رسمية سورية مثل الجيش والأجهزة الأمنية وحزب البعث».

واتفق أبرامز مع بوش على أن أي متابعة لقرار مجلس الأمن 1636 (الذي يفرض قيوداً على الأشخاص الذين تشتبه لجنة التحقيق الدولية فيهم، ويحث السلطات السورية على التعاون معها) «يجب أن تذهب أبعد من الأشخاص الأربعة أو الخمسة الذين سمّاهم ميليس. وقال إننا اليوم نفكّر في عقوبات إضافية قد تُفرَض على أشخاص معيّنين أو مؤسسات».

وفي فقرة أخرى من المحضر يتفق الفرنسيون مع أبرامز على «ضرورة حضّ الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، على تقديم دعم أكبر إلى ميليس، وصدّ النصائح السلبية التي يقدّمها إليه (نائب الأمين العام للأمم المتحدة، الدبلوماسي الجزائري الأخضر) الإبراهيمي وآخرون. وذكر بوش أن شيراك خابر أنان هاتفياً يوم 19 تشرين الثاني، مشدداً على ضرورة دعم ميليس. ويعتقد بوش أن أنان لا يريد أن يخسر ناخبيه العرب، وأنه قام بجولة على عواصم عربية دفعته الى إعادة النظر في موقفه، بأن الدول العربية لا تدعم الضغط على سوريا».

مستشار رئيس الحكومة الفرنسية كريستوف فارنو تناول «احتمال أن يسلّم الأسد آصف شوكت لمحققي لجنة التحقيق الدولية ـــــ وكان مستشار الإليزيه بوش قد استبعد ذلك على نحو قاطع ـــــ وقال إن ذلك سيفتح الباب أمام سهولة إصدار قرار عن مجلس الأمن الدولي يحضّ سوريا على التعاون من دون معاقبة الشعب السوري. وشدّد فارنو كذلك على التنبه للديناميّة داخل مجلس الأمن والاستقرار الإقليمي، وخصوصاً مواقف مصر والسعودية، وذلك قبل استعجال إصدار قرار يتبع القرار 1636. ذكّر أبرامز فارنو وآخرين بأن الملك السعودي عبد الله غسل يديه من سوريا، وأن الرئيس المصري مبارك يتبعه في ذلك. وافق فارنو على أن بشار غير محبوب من القيادتين السعودية والمصرية، لكنه أشار الى أنّ رغبتهما في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة قد تمنعهما من التحرّك بحسم وبسرعة لتجنّب الضغط المضاعف على سوريا».

وخلال تبادل الآراء بين أبرامز والمسؤولين الفرنسيين بشأن سوريا اتفق الفريقان على أنه لا إشارات إلى «مؤامرات علوية أو سنّية ضدّ النظام، لكن لا أحد يمكنه أن يستبعد كلياً انقلاباً مفاجئاً، وأن المخاوف من توسّع نفوذ الإخوان المسلمين في سوريا مبالغ فيها».

تحقيق ميليس أَولى من حقوق الإنسان

ناقش المسؤول السياسي في السفارة الأميركية في باريس مع الدبلوماسي الفرنسي هيرفيه بيزانسنو (وزارة الخارجية الفرنسية) في 18 تشرين الثاني 2005 قضية اعتقال السلطات السورية «الناشط الديموقراطي» السوري كمال لوباني. وبحسب محضر الاجتماع (05PARIS7922 تاريخ 21 تشرين الثاني 2005) عبّر بيزانسنو عن الموقف الفرنسي بشأن ذلك على النحو الآتي: «رغم إشكالية وضع حقوق الإنسان في سوريا، لا ترى الحكومة الفرنسية حاجة إلى تحويل اعتقال لوباني الى قضية، وخصوصاً في ظلّ الأجواء السياسية المتوترة». واللافت هنا إضافة المسؤول الفرنسي أن «هناك أولويات للحكومة الفرنسية تتفوق على ذلك، مثل تحقيقات (رئيس لجنة التحقيق الدولية في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ديتليف) ميليس».

وتفهّم الدبلوماسي الفرنسي الأسباب التي دفعت الأميركيين إلى الاهتمام بموضوع لوباني لأنه اعتُقل بعد لقائه مسؤولين أميركيين في واشنطن.
وقال بيزانسنو إن الحكومة الفرنسية «لن تثير الموضوع علناً، ولن تتصل بالحكومة السورية بهذا الشأن. ورغم أن وزارة الخارجية كانت مستعدة للتعليق على قضية توقيف لوباني، لم يطرح مع الأسف الصحافيون الموضوع خلال اللقاء الإعلامي اليومي، وبالتالي مرّ الزمن للتعليق على ذلك». وأضاف بيزانسنو إن وزارة الخارجية الفرنسية تريد أن تعرف المزيد عن لوباني «لأن نوعيته ليست واضحة»، وحتى تتمكن الوزارة من اتخاذ موقف حاسم «علينا أن نتأكّد أن هذا الشخص بعيد عن الشكوك، وأنه شخص يتمتّع بشخصية نوعية».

السابق
نظام الأسد وحكمة معاوية!
التالي
الشاعر كامل رضا: الجنوب شاعر يملي قصائده على من يحسن الإصغاء إليه