والسفراء العرب لم يخرج منهم أحد!

أحرج السفيران الأميركي والفرنسي نظراءهما السفراء العرب القابعين في مساكنهم في دمشق، بعد أن خرجا للاطلاع على مظاهرة حماه أول من أمس. خرجا من العاصمة وغامرا في ظروف خطرة قد تستهدفهما باسم الشبيحة أو المندسين، ودخلا منطقة المتظاهرين الذين قذفوهما بالورود رغم الخذلان الأميركي والعربي لهم في محنتهم الكبيرة.
موقف السفراء العرب الصامت من جنس عمل الحكومات العربية، لم أسمع ولم أر ولن أنطق، وبالتأكيد لن أغادر مبنى السفارة. وموقف الحكومات العربية تقليدي حيث إنها تاريخيا تتجنب الانحياز ضد أي حكومة «شقيقة» مهما كانت أزمتها الداخلية إلا إذا كانت على عداء معها. وهذا سر استثناء ليبيا من الحصانة الرسمية العربية حيث أيدت الحكومات العربية إيقاع عقوبات سياسية وعسكرية ضد «شقيقهم» نظام القذافي، وإرسال قوات دولية لإسقاطه. باستثناء قطر، لم تتبن أي دولة عربية موقفا منحازا للانتفاضة في سوريا رغم أن العالم العربي مصدوم مما يرى ويسمع كل يوم من قتل وتنكيل هناك.
هنا علينا أن نسجل أنه لم يخرج في تاريخ العرب مثلما خرج من المتظاهرين في سوريا، عددا وأياما. لم يحدث قط في الثورات الحديثة أن دامت الانتفاضة بمثل هذه الحدة، والمواجهات، والإصرار، والدم، والاستمرارية لأكثر من ثلاثة أشهر كما نرى في سوريا. احتجاجات سلمية أدهشت العالم بصبرها وإصرارها في مواجهة القتل المؤكد، في كل مرة تخرج مظاهرة يقتل منها لفيف من المحتجين، ثم يعود المتظاهرون غدا لنفس الشارع فيقتل مجموعة أخرى ثم يخرجون، وهكذا. أمر لم نر له مثيلا على مدى ثلاثة أشهر، وقد لا يستمر بهذه السلمية في وقت يصمت فيه العالم ولا بد أن يتحول إلى المواجهة المسلحة. المظاهرات السلمية تستمر في حال شعر المتظاهرون أن العالم يفعل شيئا، وهذا ما لا يحدث هنا!
من الطبيعي أن يتساءل البعض: ما الذي يفيد تدخل الحكومات العربية والضغط على «شقيقاتها» من الأنظمة؟ الأهم كان دفع الحكومة السورية باتجاه الحل السلمي الداخلي بالترغيب والتهديد، بإشعاره أن هذه الأنظمة لديها قوى محلية ضاغطة أيضا لا تقبل منها السكوت عما يحدث لإخوانهم في سوريا. أعتقد أن شعور النظام السوري منذ بداية الأزمة أن ظهره محمي من قبل معظم الحكومات العربية، يدافعون عنه حتى لا يعاقب في المحافل الدولية، هو الذي ورطه في الولوغ في الدم والتنكيل والقتل للمدنيين المتظاهرين المسالمين. ولو أن الحكومات سعت للضغط على النظام السوري مبكرا وحذرته من مغبة التمادي ربما كان سلوكه مختلفا، وربما ما بلغت الحالة نقطة اللاعودة التي وصلت إليها سوريا؛ الشعب يصر على الاحتجاج والنظام يستمر في القتل.

أعتقد لو مورس التدخل والضغوط الحقيقية في بداية الأزمة كان يمكن أن تنقذ النظام من نفسه، أن تردعه عن طريق العنف، وتحمله على التحاور بدلا من إرسال الشبيحة والأمن والجيش لتخويف الناس بقتلهم. فقد شعر النظام أن الجميع مستعد للسكوت عن ما يرتكبه رغم ما تذيعه وسائل الإعلام الملطخة صورها بالدماء السورية والأحداث المروعة. ولم يخرج سوى عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية، لينتقد ما يحدث ويحذر أنه لا يمكن للجامعة السكوت إلى الأبد عن ما يحدث من مجازر هناك. طبعا، المندوب السوري لدى الجامعة العربية يعرف أن كلام موسى ليس صحيحا، وأن الجامعة سكتت عن المجازر لأن الذي يقرر عقد الاجتماعات، وصياغة البيانات، وإقرار المواقف هم مندوبو الدول الأعضاء في الجامعة وليس الأمين العام. وبالتالي اعتبر تصريح موسى كلاما انتخابيا يريد منه إغواء الشارع المصري المتعاطف جدا مع نظيره الشعب السوري.

السابق
السوريون تغيروا وعلى النظام أن يتغير!
التالي
المجلس الشيعي شيّع عدنان حيدر