العجرفة وأزمة نظام وشيكة في إيران

 «إن الدولة تتجه نحو أزمة» – كان هذا ما قاله محمد خاتمي، الرئيس السابق للجمهورية الإسلامية، مؤخرا في تقييمه للوضع الراهن في إيران. وقد اجتمع خاتمي، وهو من الملالي من الشريحة الوسطى، مع بعض نخبة النظام السابق في طهران ليعبر عن مخاوفه تجاه مستقبل الحكومة الدينية التي يبلغ عمرها 32 عاما. ولا يعد خاتمي الوحيد الذي لديه مثل هذه المخاوف، فقد قدم علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ملا آخر ورئيس سابق، تحليلا مشابها.

تتمثل الأزمة في أن توقعات الطرفين مرتبطة بالانتخابات التي ستجرى عام 2012 للمجلس الإسلامي المقبل. وهناك تاريخ من الانتخابات البرلمانية في إيران – تحت نظامين ملكيين والنظام الخميني – يعود إلى عام 1906. على الرغم من ذلك فلم تكن أي من الانتخابات الـ24 التي أجريت خلال المائة عام الماضية انتخابات حرة ونزيهة. ويتمثل السبب في أن إيران، وعلى الرغم من الانتخابات، لم تكن ديمقراطية أبدا. إن الهدف من الانتخابات هو ترتيب موازين القوى داخل المؤسسة الحاكمة. وحتى هذا المدى، حققت الانتخابات هدفا مفيدا، حيث قدمت بديلا للصراع بين النخبة وكانت تعد فرصة في بعض المناسبات للتعبير عن بعض القضايا المهمة للمجتمع ككل.

إن الجديد في هذا الأمر أن فصيل النخبة، وهو الأكثر قوة حاليا، يحاول التخلص من الفصائل الأخرى. ويعتقد علي خامنئي، «المرشد الأعلى»، الذي اضطر إلى اقتسام السلطة مع عدد مختلف من الرؤساء والبرلمانات منذ عام 1989، أنه بإمكانه أن يسيطر على السلطة الآن.

وقد حدث هذا الشقاق بين المؤسسة الحاكمة منذ الانتخابات الرئاسية المتنازع عليها عام 2009 التي حققت طموحات خامنئي. وعندما أعلن أن أحمدي نجاد قد فاز في الانتخابات، حتى قبل الإعلان الرسمي عن النتائج، أوضح خامنئي أنه هو من قام باختيار الرئيس، وليس الشعب الذي ذهب إلى الانتخاب. إن ما فعله خامنئي قد منح أحمدي نجاد الرئاسة ولكنه حرمه الكثير من شرعيته وسلطته، ففي ولايته الثانية، أصبح أحمدي نجاد رئيسا مجروحا وضعيفا سياسيا، وهو ما يبعد كل البعد عن ولايته الأولى عندما تظاهر أنه محبوب «الجماهير الفقراء» مما أسهم في تقلده السلطة.
ومنذ عام 2009، استخدم خامنئي منصبه للتركيز على «ولاية الفقيه» أو حكم علماء الدين، وهو ابتكار شبه ديني تم تصميمه عام 1979 يعمل على تركيز السلطة في يد آية الله الراحل روح الله خميني. وحتى هذا لم يبد كافيا لخامنئي، فقد عمل على تشجيع رفاقه على إطلاق فكرة «ولاية الفقيه المطلقة» أو «الحكم المطلق لعلماء الدين».

وكان هذا ما ذكرته صحيفة «كيهان»، الصحيفة اليومية التي تنشر آراء خامنئي، في المقال الافتتاحي لها الشهر الماضي، حيث نشرت «مع عدم وجود الحكم المطلق لعلماء الدين، يكون التحدث عن الإسلام والحكومة الإسلامية لا معنى له. كان هذا الهدف الذي بث من خلاله الإمام (الخميني) حياة جديدة في الإسلام». إن فكرة تقديس الفرد التي أحاطت بشخصية خامنئي كانت لتجعل حتى صدام حسين يحمر وجهه خجلا.

وتذكر صحف حكومية أن الزهور أينعت في شيراز عند التحدث عن زيارة وشيكة له، وأن المصريين في ميدان التحرير «تحمسوا» بسبب حبهم لخامنئي، وأن كل كلمة ينطق بها خامنئي ترتجف لها الولايات المتحدة، بينما تنظر البشرية بأكملها إليه باعتباره «المرشد والدليل نحو مستقبل مشرق».

وهذا ما يجعل انتخابات المجلس المقبل أكثر إثارة، حيث يهدف خامنئي إلى خلق مجلس يسيطر عليه فصيله الخاص، وهذا يعني حرمان الفصائل الأخرى المرتبطة برفسنجاني وخاتمي من الـ100 مقعد الخاصة بهم في المجلس الذي يتكون من 290 مقعدا. وقد فشلت محاولات من قبل خاتمي ورفسنجاني لمنع التطهير التام لأنصارهما عن طريق محاولة للتوصل إلى اتفاق مع خامنئي. ولا داعي للذكر أن الفرق المرتبطة بمير حسين موسوي، رئيس الوزراء السابق ومهدي كروبي، رئيس المجلس السابق، لن يسمح لها بأن تتقدم بأي مرشحين، ناهيك عن الفوز بمقاعد.

وبعد أن تسبب خامنئي في فقدان أحمدي نجاد لشرعيته، سعى إلى حرمان الرئيس من سلطته الدستورية، حيث اعترض «المرشد الأعلى» على اختيارات الرئيس للوزراء، كما أمره علانية بأن يتخلى عن بعض سياساته الرئيسية. ولكن الأسوأ من ذلك هو اعتقال عدد من المقربين لأحمدي نجاد من أصدقائه وأفراد أسرته بتهم ملفقة مثل «نشر معتقدات خاطئة» و«ممارسات فاسدة». وقد اشتكى خاتمي منذ سنوات أنه إبان النظام الخميني لا يكون الرئيس سوى «عامل». ولكن الآن يحاول خامنئي أن يقلل من سلطات الرئيس حتى يصبح مجرد دمية. على الرغم من ذلك فإن أحمدي نجاد ليس خاتمي وربما لن يقبل التراجع من دون قتال.

ويسيطر خامنئي على مجلس الأوصياء على الدستور الذي يتكون من 12 ملا يقومون باختيار المرشحين للانتخابات. لهذا فإنه من الممكن أن يعترض «المرشد الأعلى» على ترشح أي شخص متهم بولائه لأحمدي نجاد. كما يسيطر «المرشد الأعلى» على العديد من أجهزة الأمن ويحظى بدعم قوي من فيلق الحرس الثوري الإسلامي، الموازي لجيش إيران. على الرغم من ذلك فإن الانتخابات في الجمهورية الإسلامية «مرتبة» مسبقا بواسطة وزارة الداخلية على مستوى وطني، ومحافظين إقليميين على مستوى محلي. إن هذه الآليات لا يزال يسيطر عليها أحمدي نجاد وزملاؤه. في الوقت نفسه، فإن أسفنديار مشائي، كبير محللي أحمدي نجاد قد أمضى خمس سنوات في إعداد شبكة من المؤيدين في جميع أنحاء البلاد. ويسيطر مشائي على الشبكة التي من الممكن أن تؤثر على الانتخابات، مستخدما مزيجا من سلطته في الدولة، وحوافز تجارية وتحالفات محلية والقومية الزائفة.

ولن يكون من السهل إنشاء مجلس يسيطر عليه خامنئي بنسبة 100 في المائة. وعن طريق سعيه إلى السلطة المطلقة من الممكن أن يشجع خامنئي الترتيبات التي بدت خيالية منذ عام مضى. ولكن ماذا عن تحالف غير معلن يربط بين فريق أحمدي نجاد وفرق رفسنجاني وخاتمي وموسوي وكروبي؟

لا يخلو التاريخ القصير للجمهورية الخمينية من مثل هذه القصص الغريبة التي يتحول فيها أصدقاء مخلصون إلى أعداء لدودين ويتحول الأعداء اللدودون إلى إخوة محبين. ولكن الأهم من ذلك، سيكون من غير الحكمة التغاضي عن وجود الفيل في الغرفة، أعني الشعب الإيراني الذي ربما لا يرحب بفرض الحكم المطلق في الوقت الذي تتجه فيه باقي دول الشرق الأوسط نحو التعددية السياسية.

لا يقدم تابعو خامنئي أي منفعة له بالعمل على تغذية عجرفته. ومن الممكن أن تكون الأزمة التي تحدث عنها خاتمي ورفسنجاني أزمة نظام غير قادر على تشكيل علاقة قوية مع المجتمع الإيراني بوجه عام.
 

السابق
أوغاسبيان: ميقاتي وضع نفسه في المأزق الكبير
التالي
لبنان في أمس الحاجة إلى المحكمة الدولية