“وثيقة التفاهم”:امتحان الحكومة

– على الحكومة الجديدة أن تحاسب الفاسدين، القريبين منها أولا
– حكومة نجيبة تبدأ بميقات العدالة وملف "شهود الزور" بلا مساومة.

الجمعة 8 تموز 2011

ورقة التفاهم بين التيار الوطني الحر وحزب الله التي انجزت في شباط 2008 باتت اليوم امام امتحان تحقيق الاهداف التي تضمنتها، في برنامج الحكومة خلال المرحلة المقبلة. وتستحق هذه الوثيقة ان يحظى اصحابها بتشجيع لما تضمنته من عناوين يطمح اللبنانيون الى تحقيقها على مستوى الدولة ومؤسساتها. وعلى رغم ان ما انطوت عليه من اهداف على هذا الصعيد قد نجده في العديد من الاوراق السياسية لاحزاب او جبهات وفي بيانات حكومات سابقة، الا ان اللبنانيين تواقون الى ان يشهدوا خطوات جدية في الاصلاح السياسي والاداري، و"معالجة الفساد من جذوره"، كما "الحد من تأثير المال السياسي والعصبيات الطائفية" و"وضع مهل زمنية لمعالجة هذه القضايا" كما ورد في وثيقة التفاهم.
يمكن للبنانيين ان يتفاءلوا اليوم بعد نجاح هذا التحالف المؤسس بين العماد ميشال عون والسيد حسن نصرالله، في تكريس الانتصار، عبر اسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري بالاستقالة، ونجاحهما في تأمين الاكثرية لتسمية الرئيس نجيب ميقاتي، ثم للحكومة التي اصر النائب علي عمار ان يمنحها منفردا الثقة بعدد اصابع اليدين.
لقد ولى زمن الهزائم وهاهي صفحات الانتصار تتوالى، فقد نجح حزب الله اليوم في ان يضم الى سيرته، كحزب المقاومة ثم المعارضة، حزب السلطة بامتياز إذ يشكل، بذاته اولا، وبتحالفاته الوثيقة تاليا، ركيزة هذه الحكومة وواسطة العقد بين عناصرها، والاهم انه، بخلاف الحكومات السابقة، ازاح تيار المستقبل وحلفاءه الذين افسدوا السلطة وتآمروا على الدولة والمجتمع فضلا عن المقاومة، كما تشير ادبيات الحزب من اوصاف الحد الادنى.
لا يطمح اللبنانيون إلى ان يستفيقوا غدا ليجدوا انفسهم قد انتقلوا من جحيم الدولة المعطلة والعاجزة والفاسدة، الى جنة الدولة القوية والعادلة والقادرة. لكنهم يريدون ان يصدقوا ان حكومة "وثيقة التفاهم"، قادرة على ان تضع الدولة ومؤسساتها في مسار اصلاحي جدي، يبرر كل المقدمات التي ادت الى تشكيل هذه الحكومة. وقبل ذلك ينتظرون كيف ستفتح ملفات الفساد وكيف سيلاحق المسؤولون عن نهب المال العام كما ورد في "وثيقة التفاهم". سيصفق اللبنانيون كثيرا لهذه الحكومة اذا نجحت في وضع آلية شفافة لكشف مثل هذه الجرائم والمحاسبة عليها، ولضمان نجاحها يحسن ان تبدأ بمكوناتها او القريبين منها قبل ان تنتقل الى الخصوم، حتى لا تتهم بالكيدية او المذهبية. ويمكن الاستفادة من تجربة الرئيس اميل لحود على هذا الصعيد (1998-2000).
يريد اللبنانيون تحقيق العدالة في جريمة شباط 2005 وسواها، وهو ما اكدت عليه الحكومة اليوم، لذا ينتظر من هذه الحكومة ان تبدأ على الاقل بقضية شهود الزور، ليس في سبيل الوصول الى العدالة فحسب، بل لان اللبنانيين سمعوا كلاما خطيرا من مكوناتها على هذا الصعيد، وجرى اسقاط الحكومة السابقة بذريعته. لذا لا بد لعصب هذه الحكومة من ان يشتد امام هذا الملف، وان يبادر وزير العدل الى وضعه على طاولة مجلس الوزراء تمهيدا لاحالته على السلطة القضائية بهدف كشف "المتآمرين" الذين اعاقوا سير العدالة كما ظل يتردد على مسامع اللبنانيين. فهذه الحكومة، حكومة يسيطر عليها الحزب والتيار، كي تكون نجيبة، يجب ان تبدأ بميقات العدالة، وتعطي المثال بانها لن تعتمد ازدواجية المعايير، بل ستثبّت معايير القانون الذي يعلو فوق الجميع، اذ لا يمكن ان يعفى عن المجرم او الفاسد او "العميل" لأسباب سياسية، او يتغاضى عنه لأنه مع "المقاومة". هذه الحكومة مطالبة ليس بالسكوت عن المرتكبين بل بتنفيذ القانون.
ما تقدم من قبيل التمنيات الصادقة، المتجاوزة لكثير من الحقائق غير المشجعة التي يعرفها اللبنانيون في بنيان هذه الحكومة وما يحيط بها وبمؤلفيها وفريقها، ولكن مع ذلك يتمنى الكثيرون الا تكون حكومة اقتسام المغانم، كما لا نحب ان نصدق انفسنا بأن هذه الحكومة ستستدرج مواقف عدائية متصاعدة عربيا ودوليا، ولا نريد ان يتل علينا احد في وقت لاحق ان هذا من انجازات الحكومة.
لا نريد لهذه الحكومة، التي اقتضى تشكيلها ما يقارب الخمسة شهور، ان تعيش اقل من مدة مخاضها. نريد لحزب الله والعماد ميشال عون ان ينجحا في اقناع من لم يصدقهما من اللبنانيين انهما قادران على تحقيق نموذج ايجابي لادارة شؤون الدولة الداخلية والخارجية.

السابق
المقدح : بداية طيبـــة للحكومة… وتصعيد ضد الاونروا
التالي
«هستيريا» الانحياز لإسرائيل