الراي: تدشين ثلاثية البرلمان بهجوم مزدوج على ميقاتي و«حزب الله

مع ان مجريات الجلسة النيابية العامة التي بدأت امس في لبنان لمناقشة البيان الوزاري للحكومة الجديدة والتصويت على الثقة بها غداً الخميس مبدئياً لم تكن مفاجئة لأحد، فإن اليوم الاول من المداخلات النيابية اتخذ بعداً سياسياً بارزاً لجهة رسم اطار المواجهة السياسية وسقف النبرة في التعبير بين نواب 14 آذار ونواب فريق الأكثرية الجديدة.

ويمكن القول في هذا السياق ان اليوم الاول طبعته الهجمات النارية الحادة في مداخلات نواب 14 آذار الذين تعاقبوا بكثافة على الكلام وشنوا اعنف الحملات على الحكومة ورئيسها نجيب ميقاتي وعلى «حزب الله» لجهة الموقف الحكومي من المحكمة
الخاصة بلبنان.

لكن هذه الهجمات بدت مضبوطة بسقف التعبير السياسي الحاد من دون ان تذهب ابعد من ذلك الى استثارة اي استفزازات شخصية. وبذلك بدت قوى 14 آذار كأنها اوصلت الرسالة السياسية منذ مطلع جلسات المناقشة وهي رسالة من شقين: الاول تأكيد السقف الذي رسمه لقاء «البريستول» يوم الاحد والذي اعلن المعركة المفتوحة مع الاتجاهات الحكومية والسياسية والحزبية الدافعة نحو التنكر لإلتزامات لبنان حيال المحكمة الدولية. وبدا هذا السقف مرتفعاً وثابتاً في مجمل مداخلات نواب 14
آذار امس. اما الشق الثاني فهو الافادة الى اقصى الحدود من مناسبة الجلسات النيابية المفتوحة على مدى ثلاثة ايام سعياً الى اضعاف الحكومة ورئيسها امام الرأي العام المحلي من خلال كثافة النواب المتكلمين ومضامين مداخلاتهم خصوصاً لجهة التركيز المتصاعد على تراجع الحكومة عن مستوى التزام الحكومات السابقة للمحكمة وكذلك على «الظروف الانقلابية» التي رافقت ولادتها وصولاًالى النقطة المركزية الاخرى المتمثلة في ابراز «وصاية» حزب الله على الحكومة وسيطرته الفعلية على قرارها.

وقد بدا واضحاً ان رئيس مجلس النواب نبيه بري ترك قائمة طالبي الكلام على غاربها لخطباء 14 آذار في ضوء عاملين اساسيين: الاول انه اراد اعطاء انطباع عن «ادارة» حيادية للجلسة. والثاني ان معظم نواب الأكثرية و8 آذار الراغبين في الرد والكلام لاحقاً انتظروا نواب 14 آذار ليحددوا في ضوء ذلك حجم الردود وطبيعتها. وهو امر يحمل على الاعتقاد ان عدداً لا يستهان به من نواب الاكثرية سيطلب الكلام في مواجهة نواب 14 آذار مما يرشح الجلسات الى التمديد يوماً اضافياً اي الى يوم الجمعة علماً ان استمرار التركيز على موضوع المحكمة دون سواه من المواضيع يكاد يختصر هذه الجلسات من بدايتها الى ختامها.

وكانت الجلسة «الافتتاحية» لمناقشات البيان الوزاري صباح امس دُشنت بتلاوة الرئيس نجيب ميقاتي نص البيان الوزاري كما اقرته الحكومة وهو يأتي في 8 صفحات فولسكاب، وأبرز ما فيه البند 14 الذي إعتمد صيغة «حمالة أوجه» في الموقف من المحكمة الدولية لم تنص على التزام القرار 1757 (انشئت المحكمة بموجبه بالفصل السابع) بل على «انّ الحكومة (…) ستتابع مسار المحكمة الدولية الخاصة بلبنان التي أنشئت مبدئياً لإحقاق الحق والعدالة بعيدًا عن أي تسييس أو انتقام وبما لا ينعكس سلباً على لبنان واستقراره ووحدته وسلمه الأهلي».

وبعدما التزم ميقاتي بهذه الصيغة، انتقلت 14 آذار الى مرحلة «تنفيذ» التحذير الذي كانت وجّهته الى رئيس الحكومة على قاعدة «إما تعلن صباح الثلاثاء الالتزام الصريح بالقرار 1757 ومندرجاته التنفيذية وإما ترحل انت وحكومتك غير مأسوف عليكما»، وذلك من دون ان تشفع برئيس الحكومة المواقف التي اعلنها امام نقابة الصحافة اول من امس والتي اعلن فيها ان «علينا التعاون بواقعية تامة مع موضوع المحكمة مع تأكيد استقرار لبنان»، مؤكداً ان تمويل حصة لبنان في موازنة المحكمة «سيدرج ضمن الموازنة العامة في حينه».

وكان النائب مروان حماده (تعرض لمحاول اغتيال في الاول من اكتوبر 2004) اول المتكلّمين من نواب 14 آذار وأكثرهم قسوة في مخاطبة الحكومة ورئيسها. وقد توجّه الى الحاضرين واللبنانيين «آسفاً آسفاً آسفاً»، وقال: «آسف اولاً للمشهد حيث في بعض المقاعد بعض الزملاء الذين أكنّ لهم أواصر الوفاء وأسألهم اليس للعدالة مكان؟ وآسف لتحويل مناسبة برلمانية شبه جلسة تمهيدية للمحكمة الدولية تنقلب فيها الأدوار بين منصة الادعاء وقفص الاتهام. وآسف اخيرا لكوننا نأخذ لبنان الى حيث يعود منه العرب الى حكم الحزب الواحد، حزب السلاح».

واذ اعلن «ان قلقنا على البلد مما نشهده من ارتهان كلي لهيمنة السلاح ومنطق القوة ومن تغييب العدالة وتشريع الجريمة»، خاطب ميقاتي قائلاً: «لا يا دولة الرئيس ميقاتي، صديقك الرئيس الحريري لم يستشهد «مبدئياً» بل اغتيل بـ 2 طن من المتفجرات»، مضيفاً: «لا يا دولة الرئيس، الشهداء لهم كلهم حق مقدس سيلاحقك وسيتابعك الى دهر الداهرين»، متسائلاً « لماذا هذه المعارضة الشرسة للمحكمة الدولية، هل لأنها اسرائيلية او اميركية ام لان تحت ابط احدهم مسلة في لبنان او محيطه؟»

.
وفي حين توجه إلى الرئيس نبيه بري قائلاً: «ان المحكمة الدولية حمتك أنت والرئيس ميقاتي (من الاغتيال)»، اضاف: «لرفيقي وليد بك أقول ان المحكمة التي آنذاك لم تحم كمال جنبلاط (اغتيل العام 1977)، حمتك يا وليد بك وانت الذي كنت على رأس قائمة المغضوب عليهم اقليمياً». وتابع: «نحن لا نتهم هنا احدا، لكننا نريد ان نعلم، بالتأكيد قبل مهلة الثلاثمئة عام، مَن قتل رفيق الحريري وسائر الشهداء ولا نقبل ان يُجزم بان فلان قتل وليس احد آخر. كما لا نقبل في المقابل ان يقال كل الناس قتلت الا فلان. فالمعادلة الحقيقية، ان رضي القتيل أن يرضى القاتل ايضا».

ومن فريق 8 آذار، كانت ابرز المداخلات لنائب «حزب الله» علي عمار الذي استغرب الصفات التي تطلق على الحكومة وعلى رئيسها، لافتاً الى «ان لنا عدوا واحدا هو الاميركي والاسرائيلي». وتوجّه الى النائب حمادة قائلاً له: «آسف لأن المقاومة لم تسقط في حرب يوليو 2006، ولو سقطت لما كان هناك لا محكمة دولية ولا قرار إتهامي».

وقد انطلقت جلسات الثقة على وقع ارتدادات «الانفجار» الكلامي بين ميقاتي وبين قوى 14 آذار وتيار «المستقبل» الذي ردّ بعنف على ردّ رئيس الحكومة القاسي على بيان البريستول يوم الاحد فاتهمه «بتبديل الاثواب واتقان فنون الاختباء وراء شعارات الاعتدال والوسطية». وقال: «عجيب أمرك يا نجيب وأنت تحاول ان توحي ان الرئيس سعد الحريري كان سباقا في المساومة على دم الشهداء وهو الامر الذي سبقك اليه ولي أمرك السياسي المرشد الاعلى للحكومة الجديدة (…) انت تعلم وهم يعلمون ان الرئيس الحريري قالها بكل صراحة وجرأة ومسؤولية انه يريد مؤتمرا للمصالحة والمسامحة ينقذ البلاد من واقع الانقسام ويؤسس لمرحلة لا مكان فيها لسطوة السلاح والتسلط على الدولة ومقدراتها، لكن الذي أتى بك الى سدة رئاسة الحكومة يعتبر نفسه أكبر من البلد ومن العالم ومن العدالة»، مضيفاً: «عجيب أمرك (ميقاتي) وأنت تنقلب على نفسك وتاريخك والجمهور الذي أتى بك الى مقاعد مجلس النواب لتنسخ ما يقوله «حزب الله» حرفياً».

ويذكر ان اول من امس كان شهد حضوراً لافتاً لرئيس كتلة «المستقبل» فؤاد السنيورة الاحتفال الذي اقيم بذكرى غياب العلامة السيد محمد حسين فضل الله في الضاحية الجنوبية لبيروت والذي تخللته كلمات تتضمن انتقادات للمعارضة (يتولى السنيورة قيادتها في غياب الحريري) من الرئيس بري وكلاماً قاسياً ضد 14 آذار من نائب الامين العام لـ «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم.

واعتُبر حضور السنيورة الاحتفال بمثابة «رسالة» بان اي اتهام في جريمة اغتيال الرئيس الحريري لا يمكن ان يعني اتهاماً لطائفة او حزب.

السابق
الحياة: البرلمان اللبناني يبدأ مناقشة بيان الحكومة بإيقاع «مضبوط» والمعارضة تركز هجومها على بند المحكمة والسلاح
التالي
نفوذ حزب الله..