“محبوبة” الجماهير تحرق بنارها القلوب… والشرايين

منهم من يعتبرونها نجمة السهرات، فيتحلّقون حولها حتى ساعات الفجر الأولى، وآخرون يحسبون لغيابها "ألف حساب"، هي "النارجيلة" أو ضيف الشرف كما يحلو للشباب تسميتها في جلساتهم.

تسللت النارجيلة إلى حياة ميشال ابراهيم (20 عاما) منذ بدأ يعمل نادلا في أحد المقاهي: "بحكم طبيعة عملي تعرّفت إلى النارجيلة، فكنت مجبرا على تذوّقها قبل تقديمها إلى الزبون. ومع تكرار هذه العملية اعتدت تنفيخها". يعترف ميشال بأنّ علاقته بالنارجيلة لا تزال ضمن المعقول: "مقارنة بزملائي، لا أجد نفسي مولعا بها، فقد يمر أسبوع بلا ما أرغل". ويتابع موضحا: "غالبا ما تعنّ النارجيلة على بالي في أوقات الفراغ والملل، فلا أجد من جليس أنيس سواها".

يعتبر ميشال أنّ عاملين أساسيين يزيدان من إقبال الشباب في الجنوب على النارجيلة: "أولا، تزايد عدد المقاهي والاستراحات العامة، وثانيا، منع شرب الكحول، فلا يجد الشاب من متنفّس له سوى النارجيلة".

أكثر من عادة… هواية

على رغم انزعاجه من رائحة السجائر، فإنّ علاقة وطيدة تجمع فرج خضر (36 عاما) بالنارجيلة التي تحولت إلى الهواية الأحب الى قلبه، فيقول: "ما نفع السهرة من دون مشاركتها نكاتنا ولهونا؟ من الواضح أنّها نجحت في جمع الشباب حيث فشل الآخرون".

لا ينكر خضر أن النارجيلة تحوّلت في حياته نوعا من الإدمان، "ولكن من نوع آخر"، فيوضح: "طوال سنوات اعتدت إعدادها في المنزل ولو مرة يوميا. ولكن متى أصاب الزكام أعمد إلى إيقافها، إلا أنني سرعان ما أعود إليها مهرولا".

اسم ابنتي … "نارجيلة"

كثيرة هي الأمور الطريفة التي يحتفظ بها خضر عن علاقته بالنارجيلة: "في عرس أحد أصحابي لم أرغب في الحضور كليا لأنني علمت مسبقا أنّ النارجيلة ممنوعة حيث ستقام السهرة. ولكن بعد التفكير مليا، اكتفيت بالحضور دقائق معدودة ثم غادرت، فلا معنى للسهرة من دون دخانها". ويتابع ممازحا: "لو رزقني الله ابنة لن أتردّد لحظة في تسميتها نارجيلة".

يعترف خضر بأنّ للنارجيلة مصروفا خاصا بها، ولا سيّما إذا اعتاد تذوّقها خارج المنزل: "قد تكون النارجيلة الأوفر تلك التي يعدها المرء في منزله، لكن لو دخنها في الخارج فسرعان ما سيتفاجأ بأسعارها المتفاوتة". في ضوء تنقله بين الكثير من المقاهي داخل بيروت وخارجها، يوضح خضر: "يمكن أن يبدأ سعر النارجيلة من 6 آلاف ليرة أو 7 آلاف ليرة، وقد يصل في مقاهي أسواق بيروت التجارية إلى 20 دولارا، حيث يكثر التفنّن بها".

ينطبق على إعداد النارجيلة مقولة "الفنون جنون"، على حد تعبير خضر، فلا يخفي انبهاره أمام الخيارات التي تقدمها المطاعم في إعداد النارجيلة. "يصعب تعداد النكهات، فكل ما تطلبه تجده. أما عن القالب الذي يمكن أن تُقدَّم من خلاله، فحدث ولا حرج. لوهلة قد تنسى مظهرها التقليدي".

على رغم التفنّن الذي قد تلجأ إليه المقاهي للتمايز وجذب المزيد من الزبائن، كوضع أناناس أو ليمونة أو حامضة على رأس النارجيلة، وكذلك وضع ثلج في مياهها أو وضع نربيشها في الثلاجة، غالبا ما يلجأ خضر إلى الابتكار في نارجيلته، فيقول: "قد أضع عوضا من المياه مشروبا غازيا أو ماء الورد، وفق النكهة التي أشتهيها، ولا شك في أنني قد أعمد إلى تغيير رأس النارجيلة حسب النكهة. على سبيل المثال إذا استخدمت تنبكا على تفاحتين أجعل رأس النارجيلة تفاحة".

من جهته، يتشوق عبد الله وهبة لأخذ استراحة الظهيرة من عمله للتوجّه إلى أقرب مقهى وطلب النارجيلة: "مهما تكن مدة الاستراحة بدنا نأرغل". بشيء لا يخلو من الحماسة، يتحدّث عبدالله عن النارجيلة التي تحولت نمط حياة خاصا به، مخصصا لها 3 محطات أساسية في يومياته.

في هذا السياق، يلفت عبدالله إلى دور النارجيلة في حياته: "لا يمكن القول إنّها علمتني شيئا ما، إلا أنها قرّبت المسافة والخصال المتشابهة بين الأصدقاء وبيني، فنادرا ما ينضم إلى جمعتنا شخص ينزعج من النارجيلة".

على رغم حرصه على مشاركة النارجيلة في مختلف سهراته، يرفض عبدالله اللجوء إلى طلب النارجيلة الجاهزة، "قد تحمل الكثير من الجراثيم والأوبئة ولا سيما أننا نجهل طبيعة المطبخ الذي أعدّها".

النارجيلة ملازمة المطاعم

في حديث مع أمين سرّ نقابة المطاعم والمقاهي في لبنان طوني الرامي، يرفض اعتبار النارجيلة ظاهرة اجتماعية، بل هي "إرث تركي يعود إلى زمن حكم العثمانيين للبنان، ومع الوقت تحوّلت عادة لصيقة بتناول اللبناني التبولة والفتوش"، مشيرا إلى الإقبال الكثيف الذي يسجّله الشباب في ارتيادهم المطاعم حبا بالنارجيلة والأرباح الكبيرة التي تحققها المؤسسات السياحية من خلال هذه الخدمة.

ويؤكّد الرامي أنّ النقابة لا تقف حجرعثرة أمام الحملات التي تقوم بها وزارة الصحة لحظر التدخين: "نشجع قانون منع التدخين وحملات التوعية، لكن بطريقة منظمة وعلى مراحل متلاحقة، على نحو نترك الحرية للزبون في اختيار الجلوس في أماكن مخصصة لغير المدخنين". في هذا السياق، يلفت الرامي إلى صعوبة تصوّر مطعم لبناني من دون تقديم خدمة النارجيلة: "لا شك في أن الخسائر ستكون كبيرة والضرر سيطاول القطاع السياحي برمّته، كما ستجد المؤسسات نفسها مجبرة على تصريف عدد كبير من الموظفين بعد خسارة زبائنها".

رأي طبي

من جهته، يحذّر الطبيب مروان علماوي من الضرر الذي يمكن ان تحمله النارجيلة والسيجارة على حد سواء، قائلا: "تعود مضار تدخين النارجيلة إلى وجود مواد مسرطنة مثل القطران والنيكوتين الذي يؤدي إلى تصلّب في شرايين القلب، وفي ما بعد نوبات قلبية". في الوقت نفسه، يلفت علماوي إلى أهمية التنبّه وأخذ الحيطة، منعا لانتقال أي مرض بين المستخدمين للنربيش عينه، مشيرا في هذا السياق إلى "أن رأس النارجيلة يعادل نحو 15 و20 سيجارة".

على شاطئ البحر، قرب الأرصفة العامة، وحتى في السيارات وعلى الدراجات النارية، لم يعد من أمكنة محظورة على النارجيلة، فعرفت كيف تتسلل إلى عقول الشباب وتحرق بنارها قلوبهم. فهل ينفع الحديث عن دور للتوعية في ظل غياب البدائل؟

السابق
الغرور الاسرائيلي اوصلها إلى المتاجرة بالبشر!!
التالي
54 منعطفاً قاتلاً في مرجعيون