السفير: دمشق تختبر اليوم تحدي المعارضة الداخلية 200 معارض يناقشون الانتقال إلى دولة ديموقراطية

يتوقع أن يجتمع اليوم في فندق «سميراميس» في دمشق أكثر من 200 معارض سوري مستقل، لمناقشة ثلاث نقاط رئيسية هي قراءة الوضع الراهن، والانتقال السلمي الآمن إلى دولة ديموقراطية مدنية، وبحث دور المستقلين والمثقفين في هذا الانتقال، ما يشكل تحولا في المشهد السوري، بعد موافقة شفهية من السلطات على عقد هذا اللقاء المعارض. وكان نائب وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قال أمس، لشبكة «سي إن إن» الأميركية إن السلطات لا تشن حملة على المعارضين، مشيراً إلى أن «مجموعات دينية متطرفة ممولة من الخارج» تشن حملة ضد الحكومة والمدنيين، مؤكداً أن الضغوط الاوروبية لن تغير الموقف السوري من الصراع العربي الإسرائيلي وقضايا أخرى.

أما الرئيس بشار الأسد، فتناول، خلال لقائه وفداً من الجالية السورية في الولايات المتحدة، الأحداث التي تشهدها سوريا و«الحملة الإعلامية المضللة التي تتعرض لها البلاد في الخارج والتي تحاول تشويه الحقائق وتحريف الوقائع». كما دار الحديث حول دور الجالية السـورية فـي المغترب «في توضيح حقيقة ما يجري والمساهمة في نقل الصورة الحقيقية للخارج». وأعرب أعضاء الجالية عن «دعمهم الكامل لمسيرة الإصلاح مؤكدين انتماءهم قلباً وقالباً للوطن سوريا»، بحسب وكالة «سانا» الرسمية.

وسيكون اجتماع اليوم، الذي يجمع ما يزيد عن 200 معارض مستقل في سوريا، هو الأبرز على الصعيد الداخلي السوري منذ ثمانية أعوام باعتباره أول خطوة عملية على صعيد تطبيق إلغاء قانون الطوارئ والأحكام العرفية من جهة، تمكن المعارضة برموزها من تكوين أول تجمع تشاوري ينتهي ببيان جامع يحدد تصورها للأزمة السورية الراهنة وسبل الخروج منها من جهة أخرى.

ويأتي اجتماع المستقلين بعد يوم على انتهاء اجتماع 24 شخصية من المعارضة المنظمة في سوريا، شكلت هيئة تنسيق مشتركة ستعلن عن تحركها نهاية هذا الاسبوع عبر مؤتمر صحافي يأمل أصحابه أن يعقد في دمشق. ورغم أنه ما من تعليق رسمي بعد على الخطوتين، إلا أن السلطة لم تتدخل في اجتماع المعارضة الذي عقد في منزل المتحدث باسم التجمع الوطني الديموقراطي المعارض حسن عبد العظيم، كما سمحت شفهياً باجتماع اليوم في فندق «سميراميس»، وهو ما فسره البعض «تنازلاً أمام ضغط الشارع»، ولبلورة سياسات خاصة بمعارضة الداخل كما «لإعلاء صوتها» على «معارضة الخارج التي لا تملك تمثيلا على الأرض».
وأيا تكن الأسباب فإن اجتماع اليوم سيكون من ملامح تغير المشهد السوري. ويؤكد في هذا الصدد الكاتب لؤي حسين لـ»السفير»، باعتباره من أبرز الداعين للاجتماع، أن اللقاء ليس فيه جدول أعمال وإنما يقوم على مناقشة ثلاث نقاط رئيسية تتمثل في «قراءة الوضع الراهن، وانتقال سلمي آمن لدولة ديموقراطية مدنية، وبحث دور الشخصيات المستقلة والمثقفين في هذا الانتقال».

ويبدي حسين انزعاجه الشديد مما قيل إنه «تصور لورقة جامعة ستصدر عن الاجتماع»، والتي نقلت إحدى وكالات الأنباء أنها ستنتهي إلى «إنشاء مجلس وطني تشريعي بمشاركة حزب البعث وشخصيات مستقلة، بحيث يتألف من 100 عضو واعتبار الحكومة الحالية حكومة تصريف أعمال وأن تتم الدعوة إلى انتخابات تشريعية عامة في فترة لا تتجاوز ستة أشهر».

ويرى حسين أن هنالك من «يريد الإساءة للاجتماع لأنه يخشى منه على وجوده»، وأكد من مكتبه، حيث كان لا يزال ينتظر موافقة فندق «سميراميس» في وسط العاصمة، رسمياً على احتضان الاجتماع، أنه «لا ورقة مسبقة والكل يأتي بورقته الشخصية وسيصدر بيان نهاية الاجتماع يشكل إرادة المجتمعين»، وحين سؤاله عن تفسيره لسماح السلطات بعقد اجتماع كهذا للمرة الأولى منذ ثمانية أعوام على الأقل قال «بدأت السلطات تعيد لنا حقوقنا في الاجتماع والتعبير بسبب ضغط الشارع التظاهري».

ولا يضم اللقاء أية شخصيات معروفة بقربها أو دعمها للسلطة في سوريا، كما لا يضم شخصيات شاركت في مؤتمرات المعارضة في بروكسل أو أنتاليا، إلا أنه حين سؤال حسين عما إذا كان يضم شخصيات ممن يقودون الاحتجاجات في الشارع قال حسين «أنا أقود احتجاجات وأنا من الشارع». وإضافة إلى حسين فإن من ابرز المشاركين في اللقاء ميشال كيلو وعارف دليلة وفايز ساره ومازن درويش وأنور البني وغيرهم.
وأعلن الكاتب ميشال كيلو لـ»فرانس برس» ان «المعارضين لن يحاوروا النظام اذا لم يتوافر مناخ ملائم لذلك». وأضاف كيلو، الذي سجن ثلاثة اعوام لتوقيعه اعلان دمشق، أن «من حق الناس ان يتظاهروا سلمياً وينبغي الإفراج عن المعتقلين، وعلى السلطات ان تعترف بوجود المعارضة في موازاة وقف استخدام القوة، وإلا لن ينجح الحوار».
وفي سياق مشابه أنهى تجمع آخر لقاءاته السياسية التي عقدت في منزل المتحدث باسم التجمع الوطني الديموقراطي المعارض حسن عبد العظيم، الذي أكد لـ»السفير» أنه جرى الاتفاق أمس الأول على وثيقة سياسية في اجتماع ضم أحزاب التجمع الديموقراطي والحركة الوطنية الكردية وشخصيات وطنية معارضة كما ضمَّ ممثلين عن الفعاليات الشعبية.
وقال عبد العظيم إن ما لا يقل عن 30 شخصية اجتمعت في منزله واتفقت على «إقرار تشكيل الهيئة العامة للتنسيق لقوى التغيير الوطني الديموقراطي»، كما اتفق على انتخاب مكاتب تنفيذية ولجان صياغة مختلفة، على أن يعلن عن كل ذلك الأربعاء المقبل في مؤتمر صحافي.
وقال عبد العظيم إن «الهدف واحد» بين اجتماعهم واجتماع اليوم لشخصيات مستقلة كما أن «طرقهم للوصول إلى ذلك ذاتها وهي عبر التغيير الوطني الديموقراطي السلمي»، وعبر «معارضة أي تدخل خارجي».

وقال عبد العظيم إن أهداف التجمع هي الوصول «الى نظام برلماني يحقق توازن السلطات التنفيذية التشريعية ويمنع احتكار اي حزب للسلطة ويقر بنظام تمثيلي سياسي يقوم على من يفوز في الاقتراع».
وينتظر أن يعلن هذا الأسبوع عن موعد اللقاء التشاوري لمؤتمر الحوار الوطني الذي سيعمل على إعداد تصور مبدئي لجدول أعمال وطرح دعوات لمشاركة الأطراف المعنية في الحوار.
مجموعات متشددة
من جهته، قال فيصل المقداد لشبكة «سي إن إن» الأميركية، إن الأحداث التي تشهدها سوريا سببها «مجموعات دينية متشددة ممولة» من خارج سوريا. وأضاف «ليست هناك حملة (من السلطة) ضد المواطنين»، بل «هناك حملة من هذه المجموعات العسكرية ضد الحكومة والمدنيين». وألقى المقداد باللوم على هذه المجموعات «لدفعها السوريين بالقوة للنزوح إلى تركيا».

كما انتقد المقداد السلطات الأوروبية على أنها «لا تريد معرفة الحقيقة»، و»منحازة إلى درجة أنها تريد دعم هذه المجموعات المتشددة…على حساب إرادة الشعب السوري»، وأضاف «إذا كانوا يظنون أن هذا النوع من الضغط سيغير مواقف سوريا السياسية إزاء الصراع العربي الاسرائيلي، أو الطريقة التي نتعامل من خلالها مع اوروبا حول قضايا مختلفة، فهم مخطئون».
وقال المتحدث باسم الجيش السوري، اللواء رياض حداد، إن حوالى 410 عناصر من قوات الامن والجيش قتلوا خلال الأحداث التي تشهدها البلاد، ونقلت عنه شبكة «سي ان ان» قوله إن الأحداث أسفرت عن مقتل 300 جندي و60 مسؤولاً في قوات الأمن و50 رجل شرطة، إضافة إلى إصابة 1300. وأضاف حداد أن 700 من «الإرهابيين» وعائلاتهم «فروا من السلطات السورية إلى تركيا».

أما وزير الدفاع السوري، العماد علي حبيب، فقال خلال حفل تخريج دورتي القيادة والأركان العليا والدفاع الوطني، إن «سوريا تتعرض اليوم لمؤامرة تأخذ أشكالاً عدة حيث تمارس عليها ضغوط مستمرة ومتصاعدة في محاولة للتدويل والتدخل الخارجي ودعم الانقسام والاقتتال الداخلي». وأشار حبيب إلى أن «الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية عملت على فرض إجراءات ضد سوريا ومحاولة استصدار قرار من مجلس الأمن يتضمن إدانة لها وصولاً إلى الضغط على مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لتحويل ما يسمى بالملف النووي السوري الى مجلس الامن، متجاهلين التعاون السوري مع الوكالة في محاولة لزيادة الضغوط».

وقال وزير الدفاع إنه «في سياق المشروع التآمري الذي يستهدف وحدة سوريا وزعزعة امنها واستقرارها عمد المتورطون في المؤامرة الى شن حملة تضليلية عبر عدد من القنوات الناطقة بالعربية والأجنبية في محاولة لتأجيج نار الفتنة والتحريض على القتل، في الوقت الذي يتعامون عن رؤية حقيقة الممارسات الإجرامية للتنظيمات الإرهابية المسلحة التي زرعت الموت في كل مكان من الوطن وروعت المواطنين». وأضاف ان «تلك التنظيمات قامت بتخريب المباني والممتلكات العامة وحرقها، فضلاً عن أعمالها الإجرامية بحق عناصر الجيش وقوى الأمن والشرطة مؤكداً أن من يتآمر على سوريا قد فاته أنها محصنة بقوة شعبها وبتلاحم أبنائها وبالتفافهم حول قيادتها».

وفي المقابل، قال المرصد السوري لحقوق الإنسان لوكالة «فرانس برس» إن قوات الأمن السورية قتلت أمس الاول خمسة مدنيين، اثنان منهم خلال جنازات تحولت إلى تظاهرات معارضة، وآخرين خلال مداهمات. وقتل محتجان في الكسوة جنوبي دمشق، خلال جنازات لعدد من المحتجين الذين قتلوا الجمعة الماضي. وقتل 3 مدنيين آخرين، خلال اعتقالات جرت في مداهمات من منزل إلى منزل في منطقة برزة في دمشق، وفي بلدة القصير غربي مدينة حمص على مقربة من الحدود اللبنانية، التي هرب منها مئات السوريين إلى لبنان، بحسب رئيس المرصد رامي عبد الرحمن.
وقال شهود إن 220 شخصاً على الاقل اعتقلوا في مداهمات لمنازل في برزة عقب احتجاجات الجمعة في اطار حملة امنية متصاعدة تركز على المناطق القريبة من العاصمة.

وفي هذه الأثناء، اتهمت إيران الاتحاد الاوروبي بأنه «يشوه الحقيقة» بعد ان فرض الاتحاد عقوبات على القيادة السورية وثلاثة من كبار المسؤولين الايرانيين قال الاتحاد إنهم يساعدون دمشق على سحق المعارضة. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية رامين مهمانبرست في بيان إن «زعم الاتحاد الاوروبي، الذي لا اساس له، الذي يربط بين الحرس الثوري الايراني والاحداث في سوريا يكشف محاولته لتوجيه الدعاية ضد الجمهورية الاسلامية ولتشويه الحقيقة». ونفى المتحدث ان تكون ايران تدخلت في الشأن الداخلي السوري وقال «حكومة وشعب سوريا يتمتعان بالنضج السياسي والاجتماعي بما يكفي لحل مشكلاتهم الداخلية».

الموقف التركي
أما وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو فقال، في مقابلة مع قناة «الجزيرة» أمس الأول، إن «انعدام الاستقرار في سوريا يؤثر سلباً على بلاده، وأي تطور في سوريا يؤثر في تركيا مباشرة»، وأضاف «إن تركيا سعت إلى دعم سوريا لإنجاح مسيرة الإصلاح فيها، لا سيما بعد إعلان الرئيس السوري بشار الأسد أن المنطقة بحاجة إلى الإصلاح».

وتابع اوغلو قائلا «سعينا من خلال النصح، وإبداء المشورة لتقليل سقوط الضحايا في المواجهات بين قوات الأمن السورية والشعب». وأضاف «إن بلاده تريد أن تخرج سوريا قوية من الأزمة التي تمر بها من خلال إصلاحات شاملة وجادة، وتلبية تطلعات الشعب السوري نظراً لمكانتها التي تؤثر على ثلاثة بلدان مجاورة لها في الشرق الأوسط، هي فلسطين ولبنان والعراق». وشدد على ضرورة وضع النظام السوري جدولا زمنيا، وخطة عمل لتنفيذ الإصلاحات الشاملة تتضمن مراحل التنفيذ، وشكل الدولة السياسي والاقتصادي، منوهاً بأن تلك الإصلاحات ستمكن النظام السوري من كسب ثقة الشعب، وقال إن تركيا تؤمن بأن «تنفيذ تلك الإصلاحات من دون توفير الأمن الكامل قد يحدث اضطرابات في البلاد ويؤدي إلى الفوضى».

السابق
ميقاتي ضد اعتقال معارضين
التالي
اللواء: الخلاف يستعصي على فقرة المحكمة … وحزب الله لإستدعاء كونيللي