الشاب ع. ح. غادر المخيم ليمضي أيامه شريداً بين الشارع والسجن

اللاجىء تعريف لكل من يقوم بهجر مجتمعه هربا من شيء ضاغط على حياته او سلامته، وقد يعتبرها الانسان ملاذاً آمناً، حتى اصبحت هدفاً كبيراً لكثيرين خصوصاً في دول العالم الثالث والتي تفتقد الديموقراطية أو وسائل العيش الكريم. واللبنانيون لجأوا الى بلاد أخرى في مراحل عدة بسبب الجوع والفقر، والاضطهاد، والحرب.

في حديثي الى سونيا بولاد تسألني عن لبنان، ودائماً لا أجد جواباً، ماذا تستطيع ان تقول للاجىء هرب من وطنه، من اين ابدأ؟ أفضل الصمت.
ولكن لدى سونيا ما تقوله، تبدأ قصتها لتروي تجربتها مع اللجوء.
خلال عدوان اسرائيل على لبنان في تموز 2006، أصيبت ابنتي لارا، التي تبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، برصاصة في رأسها، عشنا حالاً من الترحال الداخلي، الى ان قررنا السفر. كانت ايطاليا المحطة الاولى لرحيلنا القسري، بعد ما يقارب السبعة اشهر انتقلنا الى النمسا. في 3/ 3/ 2007 دخلنا مخيم اللجوء، في هذه الفترة كنا رقماً من هذه الارقام، ونظراً الى وضع ابنتي المصابة والسعي الدؤوب لتأمين الاستقرار لها، استطعت بعد ستة اشهر الحصول، وبشكل استثنائي، على شهادة "لاجئ" واصبحنا من فاقدي الهوية. هناك بدأت العمل في "كاريتاس" المؤسسة الأم لرعاية اللاجئين، وتزامناً مع العمل قمت بمتابعة دراسة الاقتصاد والعمل الاجتماعي، مما سهّل لي الانتقال سريعاً من لاجئة الى مساعدة اجتماعية ومترجمة للغة العربية ما أضاف لي خبرة وافية في هذا المجال والاطلاع على كل ما يدور في ملف اللجوء.
تنتقل سونيا لتخبرني قصصاً اخرى اذ اصبحت تشعر بمسؤولية لنقل الواقع المرير والماسي التي تحدث لتجنب الوقوع في مستنقع اللجوء.

لا للمساعدات نريد هوية

تكمل حديثها: خلال السنين الماضية عايشت الكثير من القصص، ومن يكتب عن الألم أفضل ممن يتذوق طعمه.
هنا أحسست بالمسؤولية تجاه هؤلاء، فكلما استقبلنا لاجئاً وجثا على قدميه أمامنا طالباً المساعدة، وكلما حاول شاب في ربيع العمر خلف قضبان سجنه الانتحار أو أعلن الإضراب عن الطعام، وكلما شاهدت امرأة تحتضن أطفالها بصبر وأمل، زاد شعوري بالمسؤولية والانتماء.
لذلك تمنيت القيام بحملة إعلانية بمساعدة من يؤمنون بحرية الإنسان وحقوقه، حملة توعية على هذا الموضوع وإعطاء بعض المعلومات الدقيقة لتجنب الوقوع في هذه المآسي…
تقول: "لا نريد مساعدات بل نريد هوية وانتماء، اللاجىء يصبح بلا هوية، لا تكفيه المساعدات المادية وان كانت ضرورية".
ولدى سؤالها عن دور لبنان الرسمي في هذا الموضوع تقول سونيا:
ان التمثيل الرسمي اللبناني في الخارج مشلول، بلا حراك او همّة، حاله كحال الداخل اللبناني، وللاسف نجد السفارت اشبه بشركات خاصة تعود بالمنفعة فقط على من يديرها أو مجرد دائرة رسمية مشلولة مهمتها فقط التوقيع على الأوراق. وكما حدث في أسوج (السويد)، حيث عملتت السفارة اللبنانية على المساعدة في ترحيل العشرات من العائلات، بدلاً من محاورة الدولة الأسوجية لتسوية أوضاعهم. أما واقع المجتمع المدني فهو تمثيل طائفي. فكلٍّ يجول على أتباعه، يجمع التبرعات، ويقدم الدعم والمساعدات والمعلومات لمن يتبعه طائفياً وسياسيا وكأنه يعمل لحساب جماعته، متناسياً وطنه وإخوته بالوطنية وكأن هناك مئة دولة في دولة واحدة".

قصة ع .ح.

(ع.ح.) شاب في ربيع العمر،غادر لبنان منذ أربع سنوات، سافر بطريقة شرعية بعدما نال فيزا على أساس انه رجل أعمال، وصل إلى البلد المقصود حاملا معه توصية من احد الزعماء اللبنانيين يطالب فيها الدولة المضيفة بالاهتمام بوضعه وتسيير أموره، ويشرح لهم كيف أن حياة هذا الشاب مهددة بخطر الموت بسبب أرائه السياسية، لذا فهو بحاجة إلى الحماية الدولية.
السيد ع.ح. يبلغ من العمر22 عاماً، أنفق الكثير من المال كي يحصل على هذه الفيزا، ودعمه الكثير من المسؤولين ماديا ومعنويا بطلب من والده الذي هو اب لشهيد سقط خلال احدى جولات القتال الداخلي بين ابناء الوطن، وتحت راية ذلك الحزب، لهذا كانت سفرة ع. ح. ثمناً سخيفاً لدم شاب لبناني قضى من دون ثمن.
دخل المدعو ع ح إلى مركز اللجوء حاملاً حقيبة من الملابس الفاخرة والعطور، وجهاز كومبيوتر ونظارات شمسية تحمل احدى الماركات العالمية مع "عدة التشبيح" الأخرى كالهاتف الخليوي والى ما هنالك: فهو وفق وصفه لنفسه زعيم سياسي.
أعطوه غرفة في المخيم بعدما بدأت إجراءات اللجوء، ولكي يستغل الوقت ويدعم موقعه، وحتى يحصل على بعض الامتيازات، ولكي يثبت وضعه في البلد بشكل سريع، أقام علاقة بالسيدة التي تدير شؤون المخيم الذي يسكن فيه.
بدأت تدخل إلى غرفته والى تفاصيل حياته، فيسرد لها أمجاده وبطولاته فتح كومبيوتره الخاص أمامها وهو يعج بالشعارات الطائفية وبصور السياسيين ورجال الدين، والذي كان في السابق قد اتهمهم بملاحقته وحمّلهم مسؤولية رحيله من لبنان. ثم عرض عليها أيضا صوره بالبزة العسكرية وهو يحمل السلاح. وبعد أيام عدة فقد كومبيوتره من الغرفة مع أوراقه الخاصة وبعض الأغراض الأخرى، فالمكان يعج بالغرباء.
بعد مدة قصيرة قررت دائرة اللجوء ترحيله إلى مخيم آخر، وبالطبع كان عليه أن ينهي علاقته بتلك المرأة قبل الرحيل، لكن قراره لم يرضها، وبعد نقاشات حادة رفعت عليه دعوى في مركز الشرطة، وقالت أنه حاول تهديدها، وأطلعتهم على كل ما سمعت وما رأت في شأنه.
في المخيم الجديد بدأ ع .ح. جولة جديدة من عرض العضلات أمام المحامين والقضاة والمساعدين الاجتماعيين الذين كانوا يرعون شؤونه. بعد ما يقارب السنة ونصف السنة من الكر والفر، رُفض طلب لجوئه رفضاً قاطعاً، وتقرر ترحيله. وبما انه لا يملك جواز سفر اكتفوا بطرده من المخيم وسحبوا البطاقة التي أعطوها له سابقا والتي تثبت شخصيته، بالتالي أصبح وجوده غير شرعي، وسقطت عنه المساعدات الاجتماعية والطبية التي كان يعتمد عليها.
بعد مرور سنة كاملة من دون نقود ولا عمل ذاق فيها كل ألوان التشرد والعذاب، وما كان يحصل عليه من بعض الأعمال المتواضعة وما يرسله له أهله لم يكن يكفي ثمنا لسجائره.
بعد كل هذه المعاناة ألقت الشرطة القبض عليه وأودعته السجن، وبعد شهر كامل في سجن الترحيل، وثلاث محاولات انتحار وإضراب عن الطعام، وبعد ما تأكد انها لا تجدي نفعاً مع القانون، قرر الاتصال بالسفارة اللبنانية طلبا للمساعدة.
بعد حصوله على أوراقه الثبوتية، أخلي سبيله، مع مهلة 24 ساعة لمغادرة الأراضي المضيفة. هكذا رحل إلى بلد آخر، وقدم طلب لجوء جديداً، ولكن معاهدة دبلن تمنع اللاجئ من امتلاك طلب لجوء في أكثر من بلد، لهذا رفض طلبه بعد شهرين من الإقامة في المخيم الجديد وسحبت أوراقه وأعيد إلى الشارع من جديد.
ألقت الشرطة القبض عليه مرات عدة وبعدما كان يدعي أن ما يحمل من مخدرات هو لاستعماله الشخصي، كانوا يطلقون سراحه وبعد تغريمه بدفع مبلغ لا يستهان به من المال.
وأخيراً ألقت الشرطة القبض عليه من جديد وقامت بإعادته إلى البلد الأول، بسبب الدعوى التي أقامتها عليه السيدة في مخيم اللجوء.
وإلى مخيم اللجوء من جديد في انتظار قرار المحكمة، إذا كان من أصحاب الحظ السعيد ستغلق الدعوى على غرامة مالية.
سألته، ما إذا كان نادما على قرار الرحيل الذي اتخذه، فروى لي قصة حب والده ووالدته وقصص طفولته مع إخوته العشرة الذين يفتقدهم، وعن السهل وحقول القمح ورائحة الخبز المنبعثة في الصباح من بيوت الحي حيث كان يسكن.
سألته ما إذا كان يريد العودة، دمع وهو يضحك.
أربع سنوات، من التشرد والقصة لم تنته بعد، أربع سنوات ولم يجد هذا الشاب مكاناً يقف فيه، وربما لن يجده إلا إذا حدثت معجزة ما.
الزم الصمت مرة اخرى، ان استمع الى سونيا تنقل لي صورة مختلفة: القصة نموذج لقصص كثيرة تفتح على سؤال يحمل في طياته اسئلة كثيرة، تبدأ بمن المسؤول؟

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

معلومات عن اللاجئين ومخيمات اللجوء في النمسا

تم في العام السابق تسجيل 40 طلب لجوء من لبنان الى النمسا.
في العام الحالي سجلت حتى اليوم 12 حالة فقط، تم قبول 2 منها ورفضت 4، والحالات الأخرى لازالت قيد الدرس او في مرحلة الاستئناف. أما الأعداد الأخرى فتوزعت كالآتي:
أفغانستان 710. روسيا 695 .العراق 167. تركيا 167. إيران 132. باكستان 137. كوسوفو 134. سوريا 108. الصين 60. الجزائر 97.
المغرب 53. تونس 54. مصر 34. ليبيا 18. لبنان 12. الأردن 2. فلسطين 3.
18 طالب لجوء كانت أعمارهم دون الرابعة عشر.
226 أعمارهم دون الثامنة عشرة.
23 في سن 18.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مخيمات

تتوزع هذه الأعداد على مخيمات لجوء أعدت لهذا الغرض وعددها ما يقارب الخمس مئة مخيم أهمها مخيم ترايسكرخن الذي يستوعب480 طالب لجوء تتناوب العناية فيها المؤسسات الرسمية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة ووزارة الداخلية.
وتقوم مؤسسة كاريتاس برعاية نحو خمسين مخيماً وتقديم كل المساعدات المطلوبة، من استشارات قانونية ورعاية طبية واجتماعية…

زاهر العريضي

السابق
اللبناني سامي كنعان الرئيس المُرتقب لبلدية جنيف
التالي
الاسلاميون والعسكر: معادلة واشنطن الجديدة؟ –