بعد الخطة الإصلاحية..مواقف الغرب تثبت أنه لا يريد إصلاحاً

بدا واضحاً من خلال إعلان الرئيس بشار الأسد والقيادة السورية عن فتح باب الإصلاح ليشمل كل نواحي الحياة في المجتمع السوري، من سياسية واقتصادية ومالية وإعلامية، بما في ذلك الدستور، أن لا شيء ممنوعاً من البحث والنقاش داخل المؤسسات المعنية، وبين هيئات المجتمع المدني بمختلف مستوياتها وتنوعاتها.

بل على العكس، فإن ما تضمنه خطاب الرئيس الأسد يوم الاثنين الماضي، في جامعة دمشق، ذهب بعيداً في الاستعداد والرغبة في تطوير وتحديث الحياة السياسية والإعلامية، أكثر بكثير مما يرغب به الشعب السوري وكل مكوناته السياسية، حتى ما يسمى بالمعارضة، بحيث ذهبت القيادة السورية في الدعوة إلى تطوير نظام الحكم وتغيير الدستور بشكل لم يسبق أن لجأت إليه الدول التي تدعي الديمقراطية، بما في ذلك الولايات المتحدة وفرنسا، ناهيك عن حلفاء واشنطن في المنطقة العربية، وتحديداً في دول الخليج، حيث السلطة تقررها فئة قليلة، وتتحكم بكل مقدرات البلاد إضافة إلى غياب الحد الأدنى من الديمقراطية.

إلا أن ما يلفت هو ردود الفعل الغربية والأميركية على ما طرحه الرئيس الأسد من إصلاحات شاملة، بحيث تعاطت معها واشنطن وباريس وكل حلفائها في الغرب بسلبية ما يؤكد مجموعة حقائق ومعطيات هي:
ـ أولاً: تكشف هذه المواقف ور

دود الفعل أن ما حصل ويحصل في سورية “أعدّ وأخرج” من جانب دوائر المخابرات الخارجية في واشنطن وبعض دوائر الغرب، وأن معظم ما يسمى بالمعارضة السورية يتحرك على إيقاع “الوصاية الغربية”، وليس صحيحاً بالتالي أن دوافع الأزمة في سورية هي عوامل داخلية أو على الأقل معظمها عوامل خارجية.

ـ ثانياً: أن خلفيات الموقف الغربي من واشنطن إلى باريس ولندن وغيرها، هي خلفيات سياسية تنطلق من عداء هذا الحلف الغربي، ومن معه عربياً من مواقف سورية الثابتة المتصلة بالصراع العربي ـ “الإسرائيلي”، ومن دعمها لقوى المقاومة والممانعة في المنطقة، بما في ذلك تحالفها مع إيران، وقد بدا هذا الأمر في كثير من ردات الفعل والمواقف الغربية على ما يحصل في سورية، وفي كيفية تخفيف الغرب من ابتزازه وضغوطه على دمشق، لمجرد استعدادها للتخلي عن قوى المقاومة وتحالفها مع إيران.

ـ ثالثاً: تجاهل هذا الغرب ومن يدور في فلكه من وسائل إعلام غربية وعربية (مثل “بي. بي. سي” والجزيرة والعربية وغيرها) حقيقة ما حصل ويحصل في سورية، وخصوصاً ما قامت به المجموعات الإرهابية المسلحة من عمليات تخريب وإحراق للمؤسسات الرسمية والخاصة، واعتداء على القوى المسلحة والمواطنين، وصولاً إلى محاولة إقامة “إمارات تكفيرية”، وبالتالي تحميل السلطات الرسمية مسؤولية ما حصل من إهراق لدماء المواطنين وعناصر من القوى المسلحة، بحجة التعرض للمحتجين، بينما حقيقة الأمور معاكسة لذلك تماماً، لأن إراقة الدماء والتخريب حصلا نتيجة قيام المجموعات الإرهابية باللجوء إلى السلاح، بعد أن عجزت هذه المجموعات ومن وراءها عن دفع الناس الى النزول إلى الشارع ضد السلطة السياسية.

وفي هذا السياق، أظهرت مرحلة الأزمة منذ أكثر من ثلاثة أشهر حتى الآن، أن أكثرية الشعب السوري تدعم توجهات القيادة، وتثق بما تطرحه من مشاريع إصلاحية لتطوير وتحديث الحياة السياسية، وهذا يمكن ملاحظته ليس فقط في المسيرات المليونية، التي نزلت إلى الساحات في كل المدن السورية، بل أيضاً عبر التظاهرات التي كانت قد دعت إليها قوى المعارضة، والتي لم تتعدَ المئات، بل إن أكبر تظاهرة لم تتجاوز الخمسة آلاف شخص، مع العلم أن كثيراً من الذين شاركوا في هذه التظاهرات جرى تهديدهم بمصالحهم وحياتهم من قبل المجموعات المسلحة، إذا لم يشاركوا في التظاهرات التي يدعون إليها يوم الجمعة.

ـ رابعاً: بعيداً من كل هذه الحقائق، فإن ردود الفعل الغربية تثبت ـ كما قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم ـ أنها صدرت قبل الاطلاع على ما تضمنه خطاب الرئيس الأسد، لأنه لو جرت قراءته لكان من الطبيعي أن تكون ردات الفعل مختلفة عن تلك التي صدرت، وفي الحد الأدنى مقابلتها بشيء من الإيجابية، وليس التعاطي بأقصى السلبية مع ما حملته من توجهات إصلاحية ودعوة الى أوسع حوار وطني تشارك فيه كل مكونات الشعب السوري.

ـ خامساً: لقد ثبت أن قوى المعارضة لا تسعى عملياً إلى إجراء إصلاح، وتحديث لنظام الحكم والدولة. بل إن ما تسعى إليه هو الانقلاب على كل إنجازات سورية، ودورها القومي والعروبي، لأن من يريد الإصلاح لا يرفض كل ما تقدمت به القيادة السورية، من برنامج وإجراءات على كل المستويات الإصلاحية وحتى تعديل الدستور بكامله، وإصدار العفو العام الشامل بل أيضاً لا يسعى الى استجداء تدخل غربي وأميركي في شؤون بلاده، بما في ذلك الدعوة الى التدخل العسكري، بل إن البعض أمثال عبد الحليم خدام ذهب إلى حدود تحريض عدو العرب، ومغتصب أرضهم، أي “إسرائيل” الى التدخل في شؤون بلاده.

وفي كل الأحوال، فقد أظهرت الأزمة التي مرت بها سورية ـ رغم قساوتها وما أحدثته من إراقة للدماء، وخسائر نتيجة إرهاب المجموعات المسلحة ـ أن سورية بقيادتها وجيشها وشعبها قادرة على تجاوز الأزمة، بل الخروج أقوى مما كانت عليه، وبالتالي لن يفيد كل هذا الصراخ الذي تلجأ إليه المعارضة السورية ومعها واشنطن وبعض الغرب، وهو ما تأكد في إسقاط أخطر حلقات المؤامرة وإن كانت محاولات إضعاف سورية ودورها لن تتوقف بسهولة وفي “كبسة زر”.

السابق
الرسالة الإسرائيلية المزدوجة
التالي
الاخبار: البيان الوزاري: اختلاف في الاقتصاد وتأجيل للمحكمة