حكومة لون واحد، باهت… وخطر!

دقّت ساعة المواجهة: "إنّها حكومة سوريا …وحزب الله"؟!

بهذا الانطباع الأوّلي خرج معظم من تتبّعوا الولادة الحكوميّة من المهد الى النور، ولم يكن الاتّصال الذي تلقّاه رئيس الجمهورية ميشال سليمان من الرئيس السوري بشّار الأسد سوى الإعلان الأوّل للعالم كلّه بأنّ حكومة نجيب ميقاتي لم تكن سوى حكومة النظام في سوريا الذي وجد خلال الشهرين الأخيرين انّ البضاعة التي عرضها في السوق العربيّة والدوليّة لم توضع في التداول ولم تشترها أيّ قوة إقليميّة او دولية مؤثرة، فكان القرار، "بعد الاتّكال على الله"، بالتوجّه الى حكومة لبنانية ربّما ستكون الوحيدة في هذا العالم بعد حكومة الجمهوريّة الإسلامية في إيران التي تقف الى جانب سوريا في أزمتها الداخليّة.

بعد الاتّكال على الله، قرّر النظام في سوريا انّ الاستمرار في تأخير ولادة الحكومة اللبنانية لم يعد له ما يبرّره، فأعطى الضوء الأخضر، وكانت الولادة التي بعدها سترسم صفحة جديدة في لبنان عنوانها المواجهة بالعدّة المتبقّية، وبالأطراف الذين أبدوا استعدادهم للَيّ ذراع أميركا في لبنان.

ويأتي تشكيل الحكومة، بعد سلسلة إخفاقات دبلوماسيّة للنظام في سوريا، بدأت بخسارة الورقة السعوديّة، ومن ثمّ القطرية والفرنسية والتركية، وتوّجت بمسار مأزوم في الداخل السوري لم يعد ينفع معه لبنانيّا إلّا الإقدام على استعمال ورقة تشكيل الحكومة حتى الثمالة، بحيث بدا أنّ النظام السوري اقتنع أخيرا، وبعد جهد جهيد أنّ حزب الله كان على حقّ حين رجّح منذ البداية خيار التشكيل السريع للحكومة، دون انتظار التوقّعات المبالغ بها لإمكان رمي صنارة للمملكة العربية السعودية وإعادة استدراجها الى معاودة الكلام والتفاوض انطلاقا من ملفّ تشكيل الحكومة، كما انّ القيادة السورية اقتنعت على ما يبدو بأنّ هذا الانتظار يمكن ان يؤدّي الى خسارة إمكان استعمال ورقة الحكومة اللبنانية الحليفة في مواجهة المجتمع الدولي، خصوصا وأنّ استمرار احتفاظ لبنان لمقعده في مجلس الأمن يمكن ان يشكّل ورقة ثمينة للاستعمال عند الحاجة، وهي باتت ماسّة في ظلّ التحضير لقرار دولي، قد يكون مقدّمة لقرارات متتابعة.

وقد تكون المفارقة أنّ الضوء الأخضر السوري لتشكيل الحكومة أتى في توقيت شهد ازدياد عزلة النظام، لكن التبعات لبنانيّا ستكون قاسية الى حدّ الذهاب الى توقّع ان تصبح هذه الحكومة إحدى أدوات الدبلوماسية السورية المتعثّرة، في ظل الحاجة الى تجميع أوراق القوّة في زمن تفرّق فيه الأصدقاء وزاد فيه الضغط على النظام إلى الحدّ الأقصى.

وللمرّة الثانية، تبدو القيادة السورية وكأنها اعتمدت تكتيك الهروب الى الأمام، فإسقاط حكومة سعد الحريري كان البداية، وأتى مخالفا لكلّ التعهّدات التي أعطيت لقطر وفرنسا وتركيا والسعودية، والحكومة الجديدة لا تبتعد عن كونها الحلقة الجديدة في مسلسل لا تعود عقاربه الى الوراء، وينبئ بأنّ سوريا اختارت الحسم في الداخل السوري وأنّ حلفاءها، مدعومين منها، قرّروا حسما من نوع آخر في لبنان، ربّما ترتبط نتائجه بمدى نجاح الخيار السوري الداخلي، وعندها يصبح مصير هذه الحكومة مرتبطا بوجود النظام نفسه، ويصبح أيضا رموز هذه الحكومة وأوّلهم رئيسا الحكومة والجمهورية والنائب وليد جنبلاط خاضعين للمعادلة نفسها فشلاً أو نجاحاً.

وبانتظار جلاء الوضع الداخلي في سوريا، فإنّ الحكومة الأسيرة لن تكون أكثر من واجهة لبلد وضع في الأسر، ما يتطلّب وجود معارضة تعرف كيف تحوّل نفسها إلى مقاومة.

السابق
حكومة تحت المجهر!
التالي
الداعوق خلفاً لمتري: هل يكون الإعلام “عريضي”؟