وليد غلمية: صوت الجنوب… وداعاً

(خاصّ جنوبية)
تمنى الموسيقار وليد غلمية أن "ابقى موسيقياً، وأريد للكلمة أن تبقى صوتاً أسمعه كي أبقى سعيداً"، فكان له ذلك، إذ رحل في عيده، عيد الموسيقى، ليصبح لحناً لن ينسى، يجمع بين اوتار "بيتهوفن" ووجع "شوبان" وحزن "ليزست".
رحل المؤلّف والأكاديمي وقائد الأوركسترا اللبناني بعد صراع مع مرض عضال أبعده لفترة عن قيادة الاوركسترا في المهرجانات. فسقطت عصاه التي رافقته في مسيرته الفنية، والتي كلما لوّح بها أنتج لحناً له رونقه الخاص وصدى أبعد من سابقه.
اليوم، استيقظت عصاه، ودموعها تنهمر مع النوتات الموسيقية التي نكست رأسها احتراماً لفنه وحزناً لرحيله.
رحل غلمية بعد حياة قضاهابين بالتأليف والقيادة والتدريس والإدارة، حتى بات نجم العلوم الموسيقية في لبنان والدول العربية. شهرته تجاوزت حدود بيروت وكرس منذ عقود رئيسا للمعهد الوطني العالي للموسيقى، راعياً وحافظاً ومطوّراً ومنشئاً أكثر من أوركسترا.
وليد غلمية جنوبيٌّ ابن جديدة مرجعيون، من مواليد 1938،. بدأ دراسة الموسيقى في عمر السادسة، حاز على دكتوراه في العلوم الموسيقية وشرع في التأليف الموسيقي الاحترافي عام 1963 لدى تكليفه بمهرجانات بعلبك الدولية. أصدر أُولى أسطواناته عام 1968. برز بشكل كبير في "ستديو الفن" حيث كان عضو لجنة الحكم لدورات عدة. في السنوات الأخيرة، شارك عضواً في اللجنة المنظمة لـمهرجان "البستان"، وكان قائد الأوركسترا فيها، وكانت إطلالته الأخيرة مع هبة القوّاس في افتتاح المهرجان البعقليني السنة الماضية.
سطع اسمه بعد الحرب الاهلية نظراً للخطوات التصحيحية التي عمل عليها وسعى لتنفيذها فكانت موسيقاه مزيجاً من كل شيء الامر الذي خلق حولها تضاربا في الآراء: بعضهم خالف نهجه في إدارة الكونسرفتوار، وبعضهم الآخر انتقد أسلوبه في التأليف، أو طريقة قيادته الأوركسترا الوطنية . لكن غلمية لم يكترث للانتقادات بل دأب على تنفيذ مسؤولياته التي تولاها فكان الاساس في ترويج الموسيقى الكلاسيكية الغربية والشرقية.
لغلمية العديد من المؤلفات الأوركسترالية، أشهرها سمفونياته الفلهارمونية اللبنانية للموسيقى الكلاسيكية، والتي أعاد تسجيل خمسٍ منها وإصدارها عام 2005 بقيادة الأوكراني فلاديمير سيرنكو، وهي المتنبي، واليرموك، والشهيد وغيرها، إضافة إلى الموسيقى التصويرية من افلام وشرتئط وثائقية. وعمل في هذا السياق ضمن مسرحيات لروجيه عساف، ويعقوب الشدراوي، وريمون جبارة، وميشال نبعة. ومع السينمائيّين له أعمال مع مارون بغدادي في فيلم "بيروت يا بيروت" ومع برهان علوية في فيلم "كفرقاسم" ومع محمد سلمان وكثيرين آخرين.

مع رحيل غلمية، ستنقل قيادة الاوركسترا الوطنية إما لهاروت فازليان او فويجك تشبّيل لمتابعة المسيرة، والاشكالية تكمن في رئاسة المعهد الوطني العالي للموسيقى، إذ أن الرئيس الراحل كان قد رتب هذا الأمر ليكون خلفه أحد المقربين منه وهذا يواجة معارضين كثر يرفضون خيار المرحوم.
ويبقى: للفن رجال حركوا بعصاهم المشاعر وسرقوا الالباب، وسيبقون نجوما مضيئة في سماء اللحن.

السابق
“نيويورك تايمز”: ماهر الأسد المحرك الرئيسى لسياسات سوريا
التالي
السفير: الأكثرية الجديدة تفتدي الحكومة بالجلسة التشريعية