السنيورة خارق الدستور الأول .. يفتــي للبنانييــن

ليس مستغرباً ان يستغرب رئيس كتلة نواب المستقبل فؤاد السنيورة الدعوة لعقد جلسة تشريعية لمجلس النواب في ظل حكومة تصريف الأعمال ولا اعتباره ان ذلك محاولة لإحلال المجلس مكان السلطة الاجرائية واكتشافه ان الاعلان عن موعد الجلسة تم من دون الاتفاق حول ذلك واختصاره كل ذلك بأنه مخالف للدستور لأن هناك فصلا كاملا بين السلطات.. فما قاله الرئيس الأسبق للحكومة أثناء تفقده الرعية في «الويك اند» الصيداوي الأخير يعتبر هامشياً إذا ما قيس بمخالفاته القياسية للدستور وبديهياته والأصول والأعراف التي سجلت على اسمه في تاريخ الحكومات اللبنانية منذ عهد الانتداب حتى اليوم.

يقول الرئيس السنيورة «هناك حاجة إلى التجديد لحاكمية مصرف لبنان… ولكن هذا الأمر يمكن أن يتم عبر السلطة التنفيذية وليس عبر مجلس النواب…» ونحن نتفق مع دولته بأن هناك ضرورة للتجديد للحاكمية وبمجرد قوله هذا يكون هناك توافق وطني حول هذا الأمر. صحيح ان عملية التجديد هي من صلاحيات مجلس الوزراء ولكن هناك فارقا بين تجديد الولاية وتمديدها: فالتمديد ليس تجديداً. والمجلس النيابي وفق الاقتراح المدرج على جدول أعمال الجلسة لا يعين ولا يجدد ولاية إنما يعدّل مدة الولاية لوقت محدد. فهل ان المجلس النيابي الذي وضع قانون النقد والتسليف لا يستطيع ان يعدل مادة من قانون هو من وضع نصوصه؟ دستوريا هناك نص يقول: «لمجلس النواب ومجلس الوزراء حق اقتراح القوانين»، فلو كان المجلس يريد ان يجدد الولاية لكان مسموحاً القول بأنه يعتدي على صلاحيات مجلس الوزراء اما تعديل مادة من قانون تعدل مدة الولاية فلا يجوز أن يصبح مادة للاتهام.

يقول السنيورة «انه جرى الاعلان عن الجلسة من دون الاتفاق على ذلك وجرى الإصرار على توزيع جدول الأعمال علماً ان هذا الأمر هو من صلاحية هيئة المكتب».

لا بد للرئيس السنيورة، وهو نائب ورئيس كتلة اليوم من ان يكون قد قرأ النظام الداخلي للمجلس وتحديداً المادة 54 منه التي تحصر حق تعيين جلسات المجلس برئيس المجلس او نائبه إذا تعذر قيام الرئيس بمهامه. اما بالنسبة لجدول أعمال الجلسة فإن رئيس كتلة المستقبل يتجاهل ان الرئيس بري قد اتفق معه على إرسال لائحة بالمشاريع المنجزة من اللجان النيابية كي يحدد الرئيس السنيورة المشاريع التي يرى إقرارها مستعجلاً وتلك التي لا تستوجب العجلة. وعندما تسلّم اللائحة من رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية روبير غانم امتنع عن الاقدام على ما وعد به كما تؤكد مصادر موثوقة. وهنا، وعملاً بالنظام الداخلي، دعا الرئيس بري هيئة المكتب لاختيار المشاريع التي لا تحتمل تأجيلاً. فامتنع خمسة أعضاء منها عن ممارسة ما هو منوط بهم محاولين اسقاط صلاحية رئاسة المجلس بتعيين الجلسات الأمر الذي أدى بالرئيس بري إلى نقل الجدول بكامله إلى الهيئة العامة التي هي الأساس لتقرر ما يستدعي العجلة وما يحتمل التريث، فأين «عظائم الأمور» في ذلك؟

وفي مطلق الأحوال، يمكن التأكيد ان التوافق الحاصل حول منع حصول شغور في حاكمية مصرف لبنان اليوم يحظى بإجماع وطني شبه كامل خصوصاً ان شخص الحاكم كان في السنوات الأخيرة علامة لبنانية مميزة فرضت احترام العالم وإعجابه ويمكن التأكيد ان مثل هذه «المهمة الوطنية» تفوق لناحية التوافق حولها ما كان مطروحاً في جلسة 18 تموز سنة 2005 النيابية عندما شرّع المجلس في ظل حكومة تصريف الأعمال (قانونا العفو والمجلس الدستوري).

ومن المصادفة ان تكون تلك الجلسة قد تمت في ظل حكومة الرئيس المكلف تشكيل الحكومة اليوم نجيب ميقاتي وفي اليوم التالي لانعقادها تشكلت حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى فصدرت القوانين الثلاثة التي أقرت في الجلسة موقعة من رئيس حكومة تصريف الأعمال الجديدة برئاسة السنيورة ولم يسجل لا هذا الرئيس ولا ذاك أي اعتراض على الميثاقية وتعطيل صلاحيات مجلس الوزراء ومصادرتها حتى ان أياً منهم لم يتقدم بطعن لوقف نفاذ القوانين فكيف يمكن للرئيس السنيورة اتخاذ موقفين متعارضين من قضية واحدة؟

صحيح ان القول بسابقة واحدة لا تشكل عرفاً انما الصحيح ايضاً ان حصول السابقة الواحدة هو بمثابة تفسير للمفاهيم الدستورية يمكن الاعتداد بها لمواجهة الاعتقاد بأنه لا يحق لمجلس النواب في المطلق ان يشرع في ظل حكومة تصرف الأعمال.
اما ذريعة عقد الجلسة المقررة اليوم لأنها تتعارض مع الميثاقية فليس دقيقاً ولنقل انه يعبر عن مفهوم خاطئ للميثاقية، لأن هذا المصطلح استثنائي في النظام ولذلك لا يمكن تفسيره إلا بالمفهوم الضيق الأمر الذي يعني ان الميثاقية تقتصر على ما جاء النص عليه في أحكام الدستور ولا يمكن ان يتعدى ذلك لإخضاع مسار عمل المؤسسات بعد ان تنشأ إلى الميثاقية. فنموذج الميثاقية يظهر عندما يستقيل وزراء مذهب من المذاهب الأساسية من حكومة ولا يعين بدلاء مكانهم. اما شرط ان يعقد مجلس النواب جلسة لا يحضرها أكثرية نواب طائفة او مذهب معين فلا يمس بالميثاقية لا من قريب ولا من بعيد. فمن شروط الميثاقية ان تخضع جميع المذاهب والطوائف إلى أحكام النظام في كل ما يتعدى ما يندرج في النص من «ميثاقيات».

السابق
مركز جابر نعى وليد غلمية: كان بحق ايقونة على صدر الموسيقى
التالي
صقر امر بتوقيف 3 عناصر في قضية السجين الفار من قصر العدل