أشهر بعيداً من العالم لتشارك في برنامج للألعاب الرياضية

عندما قررت الشابة كارلا حداد الإشتراك في برنامج "Ton of cash" الذي عرضته قناة "أبو ظبي الأولى" العام المنصرم، طُلب منها ان تأخذ إجازة لمدة أسبوع من وظيفتها، لتخضع لمختلف الإختبارات، لكي يتأكد القيّمون على "برنامج الواقع" المتضمن رياضات متطرفة، من قدرتها على تحمّل الضغط الجسدي والمعنوي الذي ينتظرها طوال 3 أشهر.

التقت خلال هذا الأسبوع الحافل بالنشاطات، العديد من المشاركين من مختلف البلدان العربية. وتم اختيار لبنان لتجرى فيه الإختبارات التي شملت "السباحة، الركض، تسلّق الجدران والنزول منها، إلى الإختبارات التي تسلط الضوء على قدرتنا لوضع الإستراتيجيات الضرورية في بعض الألعاب، واختبارات تُحدد مدى ذكاء المشاركين". وبعدها، اختبارات نفسية "يستنتجون من خلالها قدرتنا على تحمّل "التعصيب" المحتوم، والحصر، إذ كان المطلوب أن نبقى 3 أشهر معاً، بعيداً من عائلاتنا، ولا يحق لنا بأن نتواصل معهم اطلاقاً طوال مرحلة التصوير!".

اختار المنظمون 14 مشاركاً من مختلف البلدان العربية، كانت كارلا من بينهم. انطلق التصوير من لبنان، إنتقل الفريق بعد شهر ونصف شهر إلى تركيا. "لم يسمح لنا باستعمال الهاتف لأي غرض، كما لم نشاهد أبداً التلفزيون، وكانت الرياضات متطرفة. أصيب العديد بجروح خلال مشاركتنا في الألعاب الرياضية الـ36". تنقل المشاركون في مختلف المناطق اللبنانية، وفي تركيا، كان التركيز على الجزر حيث الأنهار القوية التي تساعدهم في بعض الألعاب المتطرفة.

عندما نسأل كارلا عن السبب الذي قد يدفع بفتاة للمشاركة في برنامج مماثل يشمل العنف والقسوة ويمنع عنها الإتصال بأحد خارج نطاق المشتركين، تقول ببساطة: "كان الإشتراك في هذا البرنامج حلمي. كنت شاهدت الموسم الأول منه، وأردت المشاركة بأي ثمن في الموسم الثاني". وصحيح ان المصارف عادةً لا تعطي إجازات غير مدفوعة تستمر 3 أشهر الا إذا كان السبب "خطيراً"، تؤكد كارلا: "كان الله موفقني بكل شيء". لم تتوقع ان تكون المشاركة بهذه الصعوبة، واعتقدت لوهلة بأن البرنامج يتضمن مختلف النشاطات الرياضية التي تجد سهولة كبيرة في التفوق بها، لاسيما انها تمارس كل أنواع الرياضة: من الـ"تايكواندو" الذي حازت من خلاله ميداليات عدة، ممثلة لبنان في الخارج لسنوات، إلى الـ"سكواش" الذي برعت فيه، إلى ركوب الدراجة الهوائية الذي قطعت من خلاله في يوم واحد كل الساحل اللبناني، إلى المبارزة بالسيف، والتزلج، و"رقص الصالونات" والسباحة. لكن الواقع كان قاسياً على الشابة التي فازت في نهاية البرنامج وفريقها المشارك بالجائزة الأولى. "كنت قوية جداً… بس ما بعرف كيف ضلّيت للآخر… وأعترف بأنني كنت أستحق الفوز، إذ حتى الشباب المشاركون كانوا يرددون: حرام ان نصوّت ضدّها، فهي تستحق الفوز".

كانت الأيام مليئة بالتحديات وتفاقم الضغط النفسي، لاسيما ان كارلا كانت تعيش بعيداً من محيطها وفي قمقم وعزلة تامة عن كل ما كان يحصل في الواقع. "عندما كنا نشارك في التحديات، كنت أنسى أين أنا، وكان المهم ان أربح وأتمم مسؤولياتي ليربح فريقي. ولكن الضغط الحقيقي كان يظهر بعد انتهاء المسابقات. يجب ان تمضي كل وقتك مع أشخاص لا صلة حقيقية تربطك بهم وهم ينتمون إلى ثقافات مختلفة عن ثقافتك".

تحقيق الـ "أكتر بكتير"

هذا الإنقطاع الذي استمر 3 أشهر، علّم الشابة، التي طالما حلمت بالتفوق والفوز بالميداليات والجوائز، الكثير. "عندما يعيش الإنسان تجربة مماثلة، يعرف قيمة كل شيء في حياته. عن جد… كنت أضحك عندما يقال لي ان أحد المغتربين قبّل أرض المطار لدى وصوله إلى لبنان… تصوّري أول ما جيت بست الأرض! لو أطيل التفكير بتلك اللحظة، لحظة العودة إلى البلد، بفرط بكي". كانت التجربة "كتير، كتير صعبة". أما عن السبب الذي دفعها إلى التخلي عن حياتها اليومية العادية وان تضع نفسها في ظروف مماثلة، فيعود الى عشقها الرياضة "ولطالما أردت أن أقوم بكل ما هو خارج عن الطبيعة… أي شيء لم يسبقني غيري الى عمله… أو ربما كانوا قلائل الذين أنجزوه. وعندما أتحدى نفسي بأي من الرياضات التي أمارسها، أشعر بأنني موجودة. وكإنو جيت على هالدني وعم بعمل شي". تضيف: "وأعني… أنو إنحكى فيّي… مش مرقت مرقة طريق… لو كنت أملك المال الكافي، ولو انني أجد من يدعمني، لكنت حققت أكثر بكثير مما حققته حتى الساعة… ولكن الصعوبة تكمن في كوني موظفة، ولا أملك الوقت أو حتى المال الكافي". ومع ذلك، فإنها تتمرن يومياً بعد الإنتهاء من دوام العمل، من الساعة السابعة وحتى العاشرة مساءً. "ما في حياة شخصية! يعني ضاعت في الفترة السابقة". أحياناً تقول لنفسها: "طيب شو صاير عليّي، خلّيني كون مرتاحة، خلّص شغلي، روح إقعد وإرتاح وإشرب قهوة بشي محل… أقوم بتلك الأشياء لكن بعد الإنتهاء من التمارين الرياضية اليومية… خلص صارت المسألة في دمي". وعندما تمر بفترة تعتبرها عادية، أي انها لا تشتمل على تحديات جسدية جديدة تدفعها إلى الأمام: "بحس حالي صفر! نفسيتي مش مرتاحة".

بعد الإنتهاء من البرنامج-الحدث، كانت بحاجة إلى فترة طويلة من الراحة: "ولكنني شعرت وكأنني أطير. قبل أن أشترك طلبت من ربي: خلّيني أعمل شي قوي بحياتي". صحيح انها حازت مذ كانت في الـ17 من عمرها بطولات متكررة، بيد ان ذلك لم يكن يوماً كافياً للشابة التي أرادت المستحيل باكراً. "وعندما ربحت شعرت بالقوة، وبأنني تعبت لسنوات طويلة في مختلف الرياضات… ولقيت". وعندما تزور دبي، مثلاً، أو أحد البلدان العربية، غالباً ما يتعرف اليها الناس الذين شاهدوا البرنامج ويهتفون: "هذه كارلا اللبنانية". وقع الجميع في حب هذه الشابة التي عاملت المشتركين بطيبة ولطف خلال البرنامج الذي كان أحد شروطه ان تتابع الكاميرات تحركات المشتركين "كانت تراقب تحركاتنا طوال الوقت، لكنها لم تزعجني لأنني تصرفت دائماً على طبيعتي. أنا مرتاحة مع حالي، وجايي بدّي إربح".

أما أهلها، الذين كانوا يعانون من نمط حياة كارلا، فاستقبلوها استقبال الأبطال عندما وصلت إلى المطار، وأقاموا لها حفلة على البحر حضرها المئات. "شقيقي كان يعاني كثيراً من نمط حياتي… طلِّع شنطة ونزِّل شنطة، انو عبالو كان يشوف اختو بنت! كان ينزعج من كوني لا أدخل الحياة الطبيعية الا بعد الإنتهاء من التمرين في العاشرة ليلاً. وإذا كنا نقيم حفل عشاء في مكان ما، كنت أصل متأخرة باستمرار وشعري مبلل ومش مظبّط!". ولكن الوضع تبدّل بعد المشاركة في البرنامج، إذ شعرت العائلة بأن ابنتهم أنجزت الكثير، "وما في مزح، بدها تتمرّن، لازم تتمرّن… إنبسطوا مني كتير".

التحديات ستستمر في حياة كارلا، وعلى مختلف الصعد. إذ ان كل شيء يتحوّل تحدياً بالنسبة إليها، فقد اعتادت ان تتحدى نفسها والآخرين. "إذا كنت في حوض السباحة في يوم عادي وشاهدت أحدهم يسبقني في السباحة… من دون ما قللّو ولا شي بقول لحالي: بدّي قطّع عنو! المسألة أقرب إلى الإدمان". ولأن أحلامها لا تنتهي، فإن حلمها حالياً أن ترعاها مؤسسة كبيرة وتحتضنها لتتحدى نفسها أكثر وأكثر في أي مجال، إذ انها لا تحصر نفسها في إطار رياضي واحد… فهي حلمت بالمستحيل باكراً.

السابق
شحور تعمل على إحياء تراثها
التالي
أحلى بلا مخدّرات