المشاريع الخاصّة ومساوئ السرّيّة المصرفيّة في لبنان

يجب على الشركات إعادة النظر بسوق الأسهم الذي يسهم في الحدّ من تبعيّة هذه الشركات للقطاع المصرفي
شهد النظام المصرفي في لبنان ازدهاراً ملحوظاً منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1943. ولعلّ تأسيس «مصرف لبنان المركزي» عام 1964 كان التطور الأبرز الذي حقق نقلة نوعية في قطاع الخدمات المصرفية المحلية. في ذاك الوقت، كان لبنان، المعروف باسم «سويسرا الشرق»، الوجهة المفضلة لرجال الأعمال الإقليميين والدوليين، بفضل إرساء دعائم نظام متكامل للمصارف المحلية، استناداً إلى أعلى مستويات الموثوقية واعتماد سياسات فاعلة في ما يتعلق بالسرية المصرفية التي اعتبرت آنذاك أداة آمنة للمستثمرين اللبنانيين والأجانب. ومن ثمّ، في 1956، سنّ قانون السرية المصرفية، إلا أنّ التشريعات وقواعد الإشراف والرقابة لم تصدر إلا بعد التصديق عليها وفق أحكام «قانون النقد والتسليف». وعُدّ النظام المصرفي اللبناني آنذاك «رائداً»، نتيجة خصائصه العديدة التي تدعم مكانة لبنان كمركز مالي هام في المنطقة، ولا سيّما على مستوى ضمان حماية الأرباح ورؤوس الأموال الأجنبية.

وفي الثالث من أيلول/ سبتمبر 1956، في عهد الرئيس الراحل كميل شمعون، أقر مجلس النواب اللبناني قانون السرية المصرفية، لتخضع بذلك كل المصارف الوطنية والأجنبية العاملة في لبنان لأحكام العمل وفق مبدأ «سر المهنة».
إلى جانب قانون السرية المصرفية وقانون النقد والتسليف، يتمتع النظام المصرفي اللبناني بالعديد من المزايا التي تعزز مكانته كنظام فريد من نوعه في منطقة الشرق الأوسط. والسمات الخمس الرئيسية المميزة للنظام المصرفي اللبناني هي كالآتي: نظام تبادل حر وحرية تامة لحركة رؤوس الأموال والأرباح؛ إعفاءات ضريبية تشمل الإعفاء من ضريبة الدخل على كل الفوائد والإيرادات المترتبة عن مختلف أشكال الحسابات في المصارف اللبنانية؛ منطقة مصرفية حرة بموجب المرسوم الرقم 29 الصادر في 1 نيسان/ أبريل 1975 الذي يمنح الحكومة اللبنانية حق إعفاء ودائع غير المقيمين والسيولة النقدية بالعملات الأجنبية من ضريبة الدخل على الفوائد والأرباح؛ إمكانية فتح حسابات مشتركة؛ تركيز متواصل على مكافحة غسيل الأموال، ولا سيّما أنّ قانون السرية المصرفية يمكن أن يستخدم كأداة فعالة للحد من العمليات والنشاطات غير القانونية المماثلة.

وانطلاقاً من هذه اللمحة العامة عن النظام المصرفي اللبناني، هنالك العديد من الأسئلة التي لا بدّ من طرحها، وفي مقدمها إلى أي مدى يمكن أن يكون لقانون السرية المصرفية دور إيجابي على مستوى تسهيل العمليات التشغيلية اليومية ضمن النظام المصرفي؟ وما هي أبرز النتائج المترتبة عن تطبيق هذا القانون؟ وكيف تأثرت المشاريع الخاصة بقانون السرية المصرفية ومنظومة المصارف اللبنانية بصفة عامة؟ وهل يسبب هذا النظام المصرفي إعاقة نمو المشاريع الخاصة؟ ومما لا شك فيه بأنّ هذه الأسئلة الجوهرية ستقودنا إلى إدراك الحاجة الملحة إلى إحداث إصلاحات مالية حقيقية في لبنان.

التقارير الائتمانية المركزية

من المعروف أنّ عدم توافر المعلومات الائتمانية يعدّ من أبرز التحديات التي تعوق عمل المصارف في ما يتعلق بتوفير الخدمات المالية على نطاق واسع. ومن جهة أخرى، يمكن تقارير الائتمان أن تسهم في زيادة اعتماد الخدمات المالية الموجهة للشركات عموماً. وتمثل التقارير الائتمانية المركزية عاملاً بالغ الأهمية في دفع عجلة نمو المشاريع الخاصة، وبالأخص في ما يتعلق بالحصول على المزيد من الخدمات المالية والقروض والائتمان. وانطلاقاً من حقيقة أنّ القضية الحالية جزء هام جداً من الحوكمة الجيدة للشركات، يمكن البنوك المركزية ومشرفي البنوك تطوير آلية عمل فعالة لتطبيق أسس الحوكمة الرشيدة وضمان أعلى مستويات الشفافية والاطلاع على البيانات المالية وغيرها من المعلومات الأخرى ذات الصلة.يؤدّي غياب وجود مخاطر مركزية للأسهم، وحقيقة عدم إلزام الشركات الخاصة بنشر بياناتها المالية على الملأ، بسبب قانون السرية المصرفية أو نتيجة غياب التقارير الائتمانية المركزية، الى إعاقة نمو المشاريع الخاصة بطريقة غير مباشرة. فغياب التقارير الائتمانية المركزية، بالإضافة إلى العديد من القضايا الأخرى، يترك آثاراً، مباشرة أو غير مباشرة من خلال نظام السرية المصرفية، على نشاط التمويل وتنمية المشاريع الخاصة في لبنان.
ابتكر نظام «سنترال دي بيلان» (Centrale des Bilans) بدايةً من قبل مصرف فرنسا في 1968. وأصبح منذ ذلك الحين أداة هامة للرقابة الإحصائية على الشركات الفرنسية. وبالتحديد، شكل هذا النظام قاعدة متكاملة للمعلومات المستمدة من الشركات، ما سيتيح المجال أمام تحليل البيانات الواردة على المستوى الفرعي أو القطاعي، فضلاً عن دراسة الحكومات المتعاقبة والاتجاهات الرئيسية لنظام الإنتاج الوطني. وتتمثل مهماته ومسؤولياته الرئيسية في جمع المعلومات والبيانات ومعالجتها.

وبالمقارنة، نجد أن هذا النظام مختلف تماماً عما هي عليه الحال في لبنان، بسبب قانون السرية المصرفية. فالبيانات المتعلقة بأسماء وأصول أو ممتلكات العملاء لا يمكن كشفها، وفقاً لقانون السرية المصرفية المعتمد ضمن النظام المصرفي اللبناني. لذا، فإنّ هذا الجانب لا يسمح لنظامنا المصرفي المحلي بإيجاد آلية عمل مماثلة لـ«سنترال دي بيلان»، المطبق في فرنسا، الأمر الذي يجبر المصارف اللبنانية على الاعتماد على شركات «التجسس» الخاصة لتزويدهم بالمعلومات والبيانات الضرورية عن العملاء الحاليين والمحتملين الراغبين في الحصول على قروض أو تسهيلات ائتمانية. وعلاوة على ذلك، لا يسمح قانون السرية المصرفية في لبنان بتبادل بيانات العملاء بين المصارف اللبنانية في ما بينها، وهو ما يؤكد وجود عوامل غير مباشرة تعوق نمو المشاريع والاستثمارات الخاصة بسبب المنظومة المصرفية المعتمدة في لبنان.

المشاكل والتحديات

إلى جانب الأسباب، هناك أيضاً المشكلات والتحديات التي تمثّل عائقاً للمشاريع الاستثمارية والأعمال التجارية الخاصة. منها غياب «التمويل المحدود» (Term Finance)/ العلاقات المصرفية الشخصية.
تعتمد معظم القروض في المصارف اللبنانية على العلاقات الشخصية بين كبار المديرين التنفيذيين في هذه المصارف والمقترضين، ما يترتب عنه العديد من النتائج، بما فيها عدم كفاءة عمليات تمويل المشاريع والإقراض المحدود. ويعدّ تمويل المشاريع شكلاً من أشكال الإقراض على المدى الطويل، بالنسبة إلى المشاريع الصناعية ومشاريع البنى التحتية. وتتطلب هذه العملية كفالة شركة ناشطة في مجال الاستثمار في أحد الأصول الصناعية الأحادية الغرض المملوكة من قبلها، وعادةً خلال فترة محدودة،
وذلك من خلال كيان مستقل قانونياً وبتمويل قائم على قرض من دون حق الرجوع إلى المقترضين.

يمكننا القول إنّ كل الإجراءات ضمن المصارف اللبنانية تتم انطلاقاً من منظور شخصي، وهو ما يمكن تسميته «العلاقة المصرفية الشخصية». لذا يتضح عدم وجود هيكلية ثابتة أو مؤشر موحّد لما يسمّى «التمويل المحدود»، وهو ما يؤكد وجود مشكلة حقيقية تعوق عملية تطوير المشاريع والأعمال الخاصة، وهو ما سيؤدي بنا إلى النظر إلى المصارف اللبنانية على أنّها موجهة إلى طبقة النخبة وشريحة مختارة من المواطنين، وبالأخص في ما يتعلق بالتمويل المحدود والإقراض وتمويل المشاريع.
وتتمثل إحدى أبرز المشكلات التي تواجه النظام المصرفي اللبناني في حقيقة أنّ معظم الشركات الخاصة غير قادرة على توسيع نطاق أعمالها واستثماراتها والتوجه نحو الدخول إلى سوق الأوراق المالية، ما أدى الى زيادة اعتمادها على المصارف لاستكمال مشاريعها الاستثمارية. من المعروف عالمياً أنّ مصدر التمويل في أيّ سوق يوزع بالتساوي إلى ثلاث فئات: ثلث للأرباح وثلث للتمويل المصرفي وثلث للأسهم وسندات السوق. إلا أنّ هذا الواقع مختلف في منطقة الشرق الأوسط، إذ بدلاً من الثلث (33,33%)، ليس لدينا سوى 6% فقط من مصدر تمويل الأسهم وسندات السوق. وفي لبنان، يمكننا القول إنّ المعدل أقل بكثير من 6%. لذا بات الاعتماد على القطاع المصرفي ثاني أكبر مشكلة بعد غياب التمويل المحدود، أو ما نطلق عليه «العلاقة المصرفية الشخصية»، التي تعوق وتؤثر تأثيراً مباشراً على المشاريع الاستثمارية والأعمال الخاصة في الدولة.

كذلك هناك مشكلة الإفلاس التجاري. يجري الإعلان عن الإفلاس التجاري في إطار النظام القضائي المدني، ولا يعدّ مطلقاً جريمة يعاقب عليها القانون. لذا لا تفرض أي عقوبات على الجهات أو الأشخاص المعنيين بالإفلاس التجاري.
قد يستغرق المصرف نحو 700 يوم لمعرفة حقيقة إفلاس شخص أو شركة معينة. وحال حدوث مشكلة مالية حقيقية ما مع أي مستثمر أو رجل أعمال لبناني، عليه عندئذٍ إعلان إفلاسه التجاري على نحو غير رسمي، لتتحوّل قضيته إلى المحكمة التي ستعمد بدورها الى الإعلان عن أنّ الشخص المعنيّ مفلس مالياً، لكن عقب فترة طويلة من الوقت. وباعتباره ليس جريمة يعاقب عليها القانون، لن يعلن عن القضية أمام الرأي العام، ولا سيّما أنّه يترتب عنها آثار سلبية على المصارف نظراً إلى أنّهم سيواجهون نقصاً في المعلومات. وبالنسبة إلى المصارف، يترك نقص المعلومات آثاراً سلبية على تمويل المشاريع الخاصة. ويمكننا اعتبار أنّ عدم الإعلان عن الإفلاس التجاري المشكلة الرئيسية الثالثة التي تهدد المشاريع الخاصة في لبنان.

الحلول

يمكننا القول إنّ النظام المصرفي اللبناني لا يتمتع بالمرونة التي تصورناها سابقاً. كما نستطيع التأكيد أنّ كل شيء مترابط بعضه مع بعض، وأنّ قانون السرية المصرفية يمثل خطوة إيجابية في بعض الأحيان، وتهديداً حقيقياً في أحيان أخرى. ويعود ذلك إلى أنّ السرية المصرفية، باعتبارها قانوناً، تفرض العديد من الأمور المباشرة وغير المباشرة على النظام المصرفي، الأمر الذي يعوق في نهاية المطاف نمو المشاريع الخاصة.  
أولاً: الخدمات المصرفية الاستثمارية (Banques d’Affaires):
تختلف الخدمات المصرفية الاستثمارية إلى حدّ كبير عن الخدمات المصرفية التجارية وخدمات التجزئة. ويتمثل الاختلاف الجوهري في أنّ الخدمات المصرفية الاستثمارية لا تتطلب الحصول على ودائع. وتعدّ الخدمات المصرفية الاستثمارية أحد المجالات المصرفية التي تساعد الشركات في الاستحواذ على صناديق التمويل. وإلى جانب الاستحواذ على صناديق تمويل جديدة، توفر الخدمات المصرفية الاستثمارية أيضاً الاستشارة اللازمة لإتمام مجموعة واسعة من المعاملات المترتبة على الشركة. وعادةً، تتمحور الخطوط الرئيسية لنطاق عمل مصارف الاستثمار والأعمال في لبنان حول إدارة الأصول، وإدارة الثروة، والتمويل المؤسسي والوساطة المالية. وتمتلك معظم المصارف في لبنان رخصة لممارسة العمل المصرفي الاستثماري الذي يمكن أن يكون حلاً فعالاً لمختلف المشاكل التي تناولناها سابقاً.

ولسوء الحظ، تعمل مصارف الاستثمار والأعمال على تقييد نشاطاتها المتعلقة بالحصول على رأس المال من المصارف التجارية واستثماره في السندات. ومن وجهة نظري، فإنّ المصارف عبر هذه الخطوة تخسر فرصة المشاركة في دفع عجلة نمو المشاريع والأعمال التجارية الخاصة في لبنان.
ثانياً: «صناديق الملكيّة الخاصة» (Private Equity):
في الوقت الذي تعدّ فيه الخدمات المصرفية الاستثمارية حلاً مناسباً للنظام المصرفي اللبناني، تعدّ صناديق الملكية الخاصة وسيلة هامة للاستثمار في الأسهم ضمن مختلف الأسواق المالية العالمية. وتؤدي صناديق الملكية الخاصة دوراً حيوياً في دفع عجلة النمو الاقتصادي، فضلاً عن أهميتها في النشاطات المصرفية اليومية.
ثالثاً: رأس المال المخاطر «الجريء» (Venture Capital):
يعدّ رأس المال الجريء أحد أشكال صناديق الملكية الخاصة، فضلاً عن كونه أداة مصرفية استثمارية. وتعدّ صناديق رأس المال الجريء مجموعة من الأصول التي أنشئت بمشاركة عدة مستثمرين. وعموماً، يتأسّس صندوق رأس المال الجريء بهدف المشاركة في مشروع معين ذي صلة بمجال الاستثمار والأعمال التجارية. ويمثل كلّ من رأس المال الجريء وصناديق الملكية الخاصة أدوات هامة في مجال المصرفية الاستثمارية. لذا، وفي حال استخدامها بطريقة مناسبة وباحترافية عالية، من الممكن أن توفر حلاً آخر للمشكلة التي أشرنا إليها سابقاً باسم «العلاقات المصرفية الشخصية». 
رابعاً: سوق الأوراق المالية:
ذكرنا سابقاً أنّ سوق الأوراق المالية يعدّ مفهوماً غير مألوف إلى حدّ ما في لبنان، ما أدى إلى زيادة اعتماد الشركات الخاصة على المصارف بسبب عدم قدرتها على توسيع نطاق أعمالها والوصول إلى سوق الأوراق المالية. لذا تتزايد الحاجة إلى تبنّي منهجيات السياسة العامة وتعزيز الوعي العام بأهمية سوق الأوراق المالية، وهو ما قد يمثّل بدوره حلاً فعالاً.

النتائج والتوصيات

كانطباع أولي، وعقب مراجعة سريعة لما ذكرناه سابقاً، نستطيع القول إنّ الاستنتاج الأول يتلخص في أنّ النظام المصرفي في لبنان لا يتمتع بالمرونة العالية كما يتصور الجميع. ولعلّ قانون السرية المصرفية هو إحدى أبرز السمات الرئيسية المميزة للنظام المصرفي اللبناني. ويعدّ هذا القانون فعالاً من منظور أحادي الجانب فقط. ومن جهة أخرى، يفرض هذا القانون العديد من الجوانب السلبية التي تؤثر على النظام المصرفي المحلي، وبالتالي تعوق نمو المشاريع والاستثمارات الخاصة. لكن، لا بدّ لنا من الاعتراف هنا بأنّ النظام المصرفي اللبناني هو نظام آمن نسبياً. ولكن هل هذا كافٍ؟ ووجدنا أيضاً أنّ النظام المصرفي في لبنان لا يزال بعيداً عن الاحترافية العالية في ما يتعلق بالتعامل مع المستثمرين ورجال الأعمال، ويعود ذلك إلى أنّ معظم القرارات المرتبطة بالتسهيلات الائتمانية والقروض تُتخذ بناءً على العلاقة الشخصية بين كبار مديري المصارف والمقترضين، وهو ما يجعلها بعيدة كلّ البعد عن استراتيجيات وأدوات الخدمات المصرفية الاستثمارية (صناديق الملكية الخاصة ورأس المال الجريء)، أو بكلمات أخرى، غياب التمويل المحدود. ومن جهة أخرى، تعدّ التجربة المتواضعة على مستوى المشاركة في سوق الأسهم أحد الآثار السلبية التي تؤثر على استثمارات ومشاريع الشركات الخاصة في لبنان، إذ يعود السبب في ذلك إلى اعتماد هذه الشركات كلياً على القطاع المصرفي لتوسيع محفظة أعمالها. وهنا نرى كيف تتكرر الدورة مراراً. لذا يمكننا التأكيد أنّ قانون السرية المصرفية لا يعوق نمو المشاريع والاستثمارات الخاصة على نحو مباشر، وإنما تتأثر هذه المشاريع بطريقة غير مباشرة بمجموعة من العوامل، أبرزها المشاكل والتحديات التي ناقشناها سابقاً وغياب إمكان الحصول على المعلومات، وهي الحقائق التي اعتُبرت نتائج غير مباشرة لقانون السرية المصرفية.

هل حان الوقت المناسب للإصلاح المالي والمصرفي في لبنان؟ دعونا الآن لا نعطي إجابة عن هذا السؤال، وإنما نركز على التوصيات الفعالة التي من شأنها مواجهة مشاكل القطاع المصرفي اللبناني. يحتل لبنان المرتبة الـ 87 عالمياً في الحصول على التسهيلات الائتمانية حسب التقرير الأخير لإنجاز الأعمال «دوينغ بيزنس 2010، لبنان» (Doing Business 2010). لذلك، يُنصح بتشكيل لجنة رسمية مختصة بتزويد البنوك بالمعلومات المتعلقة بالمقترضين. ويمكن السجلات الائتمانية والمؤسسات توسيع فرص الحصول على أكبر قدر ممكن من الائتمان. وعبر تبادل المعلومات الائتمانية، يمكن أن تساهم إلى حد كبير في مساعدة المقرضين على تقويم المخاطر وتخصيص الائتمان بصورة أكثر كفاءة وفعالية.

كذلك، يجب إعادة النظر في قضية الإفلاس التجاري بطريقة فعالة تسهم في الحد من تأثيرها السلبي على الاستثمارات. كما ينبغي توفير الخدمات المصرفية الاستثمارية وفق منهجية مناسبة، على ألا تتمحور فقط حول الحصول على التمويل من المصارف التجارية واستثمارها في سندات الخزينة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. إضافة إلى ذلك، يجب على الشركات إعادة النظر أيضاً في سوق الأسهم الذي يسهم في الحد من تبعية هذه الشركات للقطاع المصرفي. من جهة ثانية، يعدّ قانون السرية المصرفية بحد ذاته ركيزة حيوية للنظام المصرفي اللبناني. ولكن، يمكن أن يتعرض لتجميد كامل نتيجة فرض قيود صارمة بسبب كونه مرتبطاً بالعديد من العوامل الأخرى، فضلاً عن أنّه قد يسبب وقف أو إعاقة خلق الكثير من الظروف الإيجابية المحتملة. وبهذا يتحول قانون السرية المصرفية إلى عامل رئيسي يعوق بطريقة أو بأخرى، سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عبر القضايا المترابطة وذات الصلة، نمو المشاريع الخاصة في لبنان.

حان الآن الوقت المناسب للإجابة عن السؤال المطروح، وبرأيي هذا هو الوقت الأمثل لإجراء إصلاحات مالية حقيقية في لبنان. واستناداً إلى النتائج المذكورة أعلاه، وبالأخذ بالحسبان أن لبنان يحتل المرتبة الـ 87 عالمياً في الحصول على الائتمان، وفي ضوء سلسلة من الحقائق المتمثلة في غياب وجود أي وكالة رسمية معنية بتزويد المعلومات في لبنان، وعدم وجود منهجية التمويل المحدود وسوق الأسهم وصناديق الملكية الخاصة ورأس المال الجريء، فضلاً عن كون النظام المصرفي اللبناني مترابطاً ومتداخلاً بعضه مع بعض بصورة سلبية، أعتقد بأنّنا وصلنا إلى نقطة حرجة. نقطة تتطلب تدخل الحكومة اللبنانية بطريقة أو بأخرى، وذلك بالتعاون مع المصرف المركزي اللبناني وجمعية المصارف في لبنان وبدعم من المجتمع المدني، على أمل أن تسهم هذه الخطوة في تمكينهم من أداء دور حيوي في التغيير والإصلاح والتنمية. وأتمنى بصدق انضمام الجميع إلى هؤلاء المعنيين والمساهمين في القطاع المصرفي للدعوة إلى تطبيق الحوكمة الرشيدة ومكافحة مختلف الظواهر السلبية والمشاكل والتحديات المذكورة. ومما لا شك فيه أنّ توجه الحكومة اللبنانية، إلى جانب كل المعنيين من الأفراد والمؤسسات والجمعيات المختصة، نحو تحمل المسؤولية كاملة تجاه رجال الأعمال والمستثمرين في القطاع الخاص على وجه الخصوص والمجتمع اللبناني بصفة عامة، سيكون مشروعاً استراتيجياً واستثماراً حيوياً ينطوي على نتائج إيجابية على مختلف المستويات في المستقبل.

السابق
خفض اسعار البنزين والمازوت والغاز
التالي
موقع اسرائيلي جديد قرب مارون الرّاس بانتظار مسيرة ” يوم النكسة”