سورية.. ماذا بعد الاحتجاجات..

يُظهر الكثير من الناس في الولايات المتحدة وحول العالم، على نطاق واسع، التعاطف مع الاحتجاجات الشعبية التي تجري في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الاحتجاجات ليست بالضرورة هي نفسها في جميع الأماكن، حيث إن لدى هذه الاحتجاجات التي قامت ضد الأنظمة الموالية للغرب، مثل تلك الموجودة في تونس ومصر والتي اضطهدت بشدة حق العمال، القدرة على تحرير الناس من الفقر المدقع والقمع الذي لحق بهم.

لكن الأوضاع في ليبيا وسورية مختلفة بعض الشيء. فقد كانت الحكومات في هذين البلدين هدفاً لجهود الولايات المتحدة المستمرة منذ عقود والرامية إلى زعزعة الاستقرار فيهما لأنهما تتخذان مواقف مستقلة عن واشنطن. والآن تحاول القوى الغربية، بقيادة الولايات المتحدة، الاستفادة من موجة الاحتجاجات في المنطقة لتتدخل في ليبيا وسورية، من أجل جعل هذين البلدين يدوران في فلك الاستعمار الغربي وتقليص دور العمال هناك وجعلهم عمالاً يوميين لخدمة الإمبريالية.

على النقيض من ذلك، يحكم البحرين واليمن نظام موال لأمريكا ويبتعد منذ وقت طويل عن مصالح العمال الذين يعملون ويعيشون هناك. وقد أطلقت قوات الأمن في البلدين النار على المتظاهرين واعتقلتهم وقامت بتعذيبهم، ومع ذلك كله لم تُفرض منطقة حظر جوي على أي منهما، ولم تُستهدف أي من الحكومتين بعقوبات أو غيرها. أما في ليبيا فقد كان “التدخل الإنساني” للغرب بذريعة «حماية المدنيين» يعني ستة أسابيع من القصف الذي دمر الكثير من البنى التحتية المدنية في البلاد.

والآن، تقوم القوى الغربية نفسها، التي قصفت ليبيا، بتهديد سورية، الدولة الوحيدة المستقلة في العالم العربي. فقد قامت كل من الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات اقتصادية وغيرها على العديد من المسؤولين السوريين، لماذا؟.. لشيء واحد هو أن واشنطن تحاول تفتيت التحالف الاستراتيجي بين سورية وإيران، وهي تحاول أيضاً أن توقف الدعم السوري لحركات المقاومة في لبنان وفلسطين. وللقيام بذلك، تقوم الولايات المتحدة بتمويل جميع أشكال الحركات التي تسعى إلى زعزعة استقرار سورية وتدمير سيادتها وإعادتها إلى مدار الإمبريالية.

من الذين يحتجون في سورية؟
إن الطابع الفعلي للاحتجاجات التي تحدث في سورية لا يزال غير واضح، ولكن الشيء الواضح جداً هو أن الولايات المتحدة تحاول استخدام هذه الاحتجاجات لمصلحتها الخاصة، وذلك لا علاقة له مع أي من المطالب التي طرحها العمال السوريون، الذين يعانون من خطة التقشف التي فرضها صندوق النقد الدولي في عام 2006. فقد كتب ميشيل شوسودوفسكي في مقال نشر في الثالث عشر من أيار على موقع (Globalresearch.ca)، أن من بين الاحتجاجات “تمرد منظم يتألف من عصابات مسلحة” دخلت من الأردن إلى مدينة درعا السورية، حيث بدأت الاحتجاجات.
وفي الوقت نفسه، لم تقم وسائل الإعلام الحكومية السورية بإخبار الكثير من التفاصيل، بينما قامت وسائل الإعلام الغربية، بالإضافة إلى قناة «الجزيرة»، بالمبالغة في عرض الاحتجاجات وكيفية مواجهتها من قبل الحكومة السورية. فيما نقلت قناة روسيا اليوم، في 30 نيسان الفائت، عن وكيل سفر يعيش في سورية قوله: إن قناة “الجزيرة” قامت بتسمية المسيرات المؤيدة للرئيس الأسد وعرضها على أنها “مناهضة للأسد”، وأن الاحتجاجات المناهضة للحكومة والتي أبلغت عنها قناة “الجزيرة” لم تحدث، وأن لقطات من الاحتجاجات التي حدثت في بلدان أخرى قد نُسبت إلى سورية.

سورية على خط المواجهة مع إسرائيل
إن سورية “دولة على خط المواجهة مع إسرائيل”، وهذا الواقع يؤثر على كل جانب من جوانب تاريخ سورية، فقد جعلها ذلك هدفاً مستمراً للضغط الإمبريالي والصهيوني، الذي يربط مصير الشعب السوري بالصراع الفلسطيني. وقد عجل تأميم سورية لخط النفط الأمريكي حدوث حرب 1967، عندما قامت إسرائيل بالهجوم واحتلال كل من مرتفعات الجولان السورية، وقطاع غزة والضفة الغربية الفلسطينية، وشبه جزيرة سيناء المصرية. ومنذ ذلك الحين، تضم إسرائيل مرتفعات الجولان إلى الأراضي المحتلة.

وقد دفع ضغط الولايات المتحدة وإسرائيل ورفضها إعادة مرتفعات الجولان، الحكومة السورية إلى تعميق حدة موقفها المناهض للإمبريالية، وهذا هو الدور الذي تلعبه اليوم كحليف لإيران وكداعم لحركات المقاومة، وذلك الأمر الذي أدى إلى تقليص حجم نفوذ الولايات المتحدة والعدوان الإسرائيلي في المنطقة.

الانكماش الرأسمالي يزعزع استقرار الدول المستقلة
مثل غيرها من الحكومات الوطنية، لم تتفاعل سورية مع السوق الرأسمالي العالمي بالشكل المطلوب، كما أنها لا تملك التوجه للقيام بذلك. وبدلاً من ذلك، تسعى للحصول على أفضل صفقة في هذه السوق، التي تهيمن عليها البنوك الغربية بشكل تام. وخلال فترات الركود الاقتصادي، تجبر الحكومات الوطنية مثل سورية من قبل وول ستريت على تقديم تنازلات اقتصادية تهاجم بها العمال وتحفز نمو النخبة الموالية للإمبريالية، «الكومبرادورية البرجوازية»، وذلك من شأنه أن يقوض استقلال الحكومة عن الإمبريالية بينما يعزلها عن العمال.

في عام 2006، اعتمدت سورية خطة صندوق النقد الدولي التي تدعو إلى اتخاذ تدابير التقشف وتجميد الأجور وفتح الاقتصاد للبنوك الأجنبية وخصخصة الصناعات التي تديرها الدولة. وهذا يعني، بالنسبة للأشخاص العاملين، البطالة والتضخم وتدهور الأوضاع الاجتماعية، والإمبرياليون يعلمون ذلك!!

وقدا أفادت صحيفة الفينانشيال تايمز في 26 نيسان أن:«منتقدي النظام يقولون بأن التحرر الاقتصادي قد أفاد مجموعة من نخبة رجال الأعمال فقط».
يمكن للحكومة السورية أن تحمي شعبها من حملة زعزعة الاستقرار الإمبريالية من خلال انعكاس هذه الهجمة اقتصادياً على العمال، الذين يشكل دعمهم أفضل قوة بالنسبة لسورية. ويمكن أن تشمل التدابير أيضاً بلورة حرية الاقتصاد عن طريق منع تغلغل رأس المال الأجنبي، وإعادة ملكية الدولة للكهرباء والاتصالات والصناعات الرئيسية الأخرى، بالإضافة إلى أولويات الإنتاج الغذائي واستعادة دعم المواد الغذائية الأساسية وغيرها…

وهذا من شأنه استعادة تلك العناصر من السكان الذين يقومون بالاحتجاجات، واستعادة ثقتهم بالحكومة، والتأكد من عدم وجود أية تربة خصبة للإمبريالية كي تعمل على زعزعة استقرار سورية. وفي الوقت نفسه، يجب على العمال والتقدميين الأمريكيين أن يعارضوا التدخل الأمريكي في سورية بأية وسيلة ممكنة، لأن استعادة الإمبرياليين للسيطرة الكاملة سيكون أسوأ شيء بالنسبة لجميع شعوب الشرق الأوسط، خاصة الطبقة العاملة والشعوب المضطهدة هناك، كما أنه سيكون شيئاً سيئاً بالنسبة للعمال الأمريكيين هنا داخل الولايات المتحدة أيضاً كذلك.

ترجمة: ياسر البشير

السابق
الإمام موسى الصدر..وبناء الذات الشيعية
التالي
الحرب على ليبيا تخلق أزمة إنسانية