الحرب على ليبيا تخلق أزمة إنسانية

خلق التدخل العسكري المروع لأوروبا وأمريكا في الصراع المدني في ليبيا والذي كان مفترضاً من أجل أسباب إنسانية، أزمة إنسانية وكارثة بشرية هائلة، سواء عن طريق الموت في البحر أو عن طريق القتل اللاشرعي والعشوائي على أيدي المتمردين المدعومين من قبل الولايات المتحدة، فمن المؤكد أن عدد القتلى من العمال المهاجرين وأفراد أسرهم وصل إلى الآلاف، وأمريكا الدولة العظمى مع حلفائها الأوروبيين لايبدون أدنى مستوى للرعاية الصحية ولا يبالون بهذه الأرقام، ومقتل الأفارقة، سواء كانوا من العرب أو من جنوب الصحراء الكبرى، مسلمين أو مسيحيين، جاء نتيجة ما يخططه حكام واشنطن ولندن وباريس وروما، فهم يسعون لتعزيز قبضتهم على المنطقة ومواردها بقوة السلاح وما يتشدقون به بأنه التدخل الإنساني، ليس سوى مجرد تناقض للغتهم وتضليل لمآربهم ومصالحهم.

لم يكن هناك تدخل إنساني من قبل الناتو للركاب السود الـ 72 لسفينة متهالكة نفذ وقودها بعد وقت قصير من مغادرة ليبيا أواخر آذار، وتوفي الجميع ماعدا 11 راكباً جراء العطش والجوع خلال 16 يوماً من المعاناة والعذاب في البحر الأبيض المتوسط، مع العلم أن السفينة مرت بحاملة الطائرات كارل فينسون التابعة للناتو، كانت هناك طائرتان حربيتان تحلقان فوق السفينة المنكوبة ولوح الأفارقة على سطح السفينة بأيديهم وهم يحملون أطفالهم من أجل الانتباه لمحنتهم.

ومع ذلك عادت هاتان الطائرتان من حيث جاءنا، ولم يكترث أسطول حلف شمال الأطلسي أو يزعج نفسه بإنقاذ مصير هؤلاء الأفارقة على الرغم من ادعاءات هذه المنظمة بأن الهدف من مهمتها هو إنقاذ حياة المدنيين وبات من الواضح أن القائد الأمريكي الأسود للقوات المسلحة لم يقدم لطياريه وبحارته تصوراً أو انطباعاً بأهمية حياة السود من الناس، وكان بين القتلى نساء ورجال وأطفال من أثيوبيا والسودان وغانا ونيجيريا وأرتيريا.

سواء عن طريق الموت في البحر أو عن طريق الإعدام خارج نطاق القانون على أيدي المتمردين الذين تدعمهم الولايات المتحدة من المؤكد وصل عدد القتلى من العمال المهاجرين وأفراد أسرهم إلى الآلاف.
ويفترض أن مالا يقل عن 800 لاجئ آخر من ليبيا لقوا حتفهم في المياه الدولية في الشهر الماضي بالإضافة إلى غرق أعداد هائلة على متن السفن قبالة الساحل الليبي في الأسبوع الماضي.
وفقاً للأمم المتحدة، غادر ليبيا حوالي 750 ألف لاجئ منذ اندلاع التمرد، ومع العلم أنه هناك أكثر من ثلاثة ملايين من العمال الأجانب في البلاد بينهم مليون ونصف المليون من الأفارقة السود، ورفضت القيادة السياسية للمتمردين وحلفائها في حلف شمال الأطلسي اقتراح الاتحاد الافريقي لوقف إطلاق النار والذي من شأنه أن يفتح الممر الآمن للاجئين ويساعدهم على الفرار والنجاة.

في ظل ظروف الحرب الأهلية التي تمت رعاية وتسليح وتمويل كل خطوة فيها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها، كان من المتوقع تماماً أن التدخل الغربي سيعرض حياة العمال الأفارقة المدنيين لخطر رهيب، وفي أفضل الأحوال فإن منظمة الناتو هي المسؤولة عن حياة هؤلاء البشر وهي مذنبة باللامبالاة تجاههم ويساعدها في ذلك وسائل الإعلام الغربية التي تصفق للعدوان السافر على ليبيا.

إنما يذكرنا هذا الغزو بالغزو الأثيوبي الذي دعمته الولايات المتحدة على الصومال والذي حمل مفهوم «التدخل الإنساني» الذي يتفوه به الرئيس أوباما ونتج عنه كما وصفته الأمم المتحدة أسوأ أزمة إنسانية في إفريقيا. فالولايات المتحدة لم تكترث بما حصل في الصومال وهي الآن تفعل الشيء نفسه في ليبيا وذلك يدل على سخرية واشنطن بالحضارة الإنسانية ومعناها.

ترجمة: عائدة أسعد

السابق
سورية.. ماذا بعد الاحتجاجات..
التالي
بلدية البرج الشمالي قمعت تعديات على الاملاك العامة مقابل محطة السلام